من سيختار خليفة تيريزا ماي

من سيختار خليفة تيريزا ماي

لندن – انطلق السباق على قيادة حزب المحافظين الحاكم ورئاسة الوزراء في بريطانيا خلفا لتيريزا ماي. لكن، لن يشارك سوى واحد فقط من بين 400 شخص في عملية التصويت. ينتمي معظم هؤلاء المتمتعين بهذا الحق إلى فئة من الرجال البيض الأثرياء وهم في خريف أعمارهم.

في الجولة النهائية، سيصوّت أعضاء حزب المحافظين البالغ عددهم 160 ألف عضو، وسيعلن عن هوية الفائز في أواخر يوليو. حاليا، يتنافس على المنصب وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون ووزير الخارجية الحالي جيرمي هنت. وكان جونسون وهنت من ضمن عشرة سياسيين ترشحوا لخلافة ماي.

يختار المحافظون زعيما جديدا لهم، ليصبح رئيس الوزراء القادم في مرحلة تاريخية صعبة تسودها المخاطر.

وصل البرلمان في المملكة المتحدة إلى طريق مسدود، وتأخّر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى 31 أكتوبر. وسيساعد الزعيم المحافظ الجديد في تحديد كيفية مغادرة الكتلة. فإما الخروج بسلاسة، وإما مع سقطة اقتصادية حادة، وإما البقاء بين الجنة والنار.

الخيار مهم في تحديد مستقبل المملكة المتحدة، وسيكون على يد مجموعة لا تمثل الناخبين البريطانيين باتزان.

اختيار الزعيم المحافظ الجديد مهم في تحديد مستقبل المملكة المتحدة لكنه سيكون على يد مجموعة لا تمثل الناخبين البريطانيين باتزان

ووفقا لدراسة أكاديمية موّلها مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية في المملكة المتحدة، يمثّل الرجال 70 بالمئة من أعضاء حزب المحافظين وتتجاوز أعمار نصفهم الـ55 عاما.

وينتمي 86 بالمئة من الأعضاء إلى الطبقة الوسطى والطبقة الثرية، وتمثّل نسبة البيض 97 بالمئة في بلاد ينتمي ما يصل إلى 15 بالمئة من سكانها إلى أقليات عرقية ودينية. ويريد معظم هؤلاء الأعضاء أن تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي مهما كانت نتائج ذلك.

وقال أستاذ السياسة في جامعة كوين ماري في لندن الذي ساعد في سير البحث، تيم بيل، إن جل المحافظين هم من معادي الاتحاد الأوروبي، مما سيدفعهم إلى اختيار شخص يريد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق. وأكّد أن قضية صراع المحافظين الأساسية تتمثّل في بريكست.

في وقت تنقسم فيه بريطانيا حول ما إذا كانت ستغادر الاتحاد الأوروبي، يدعم معظم المحافظين الانفصال، وزاد تعريفهم لبريكست تشددا.

سنة 2016، صوتت بريطانيا في استفتاء تاريخي لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. خلال الحملة، تحدث بعض الداعين إلى الخروج عن الحفاظ على سلسة من الاتفاقيات الثنائية المتنوعة في اتفاقية المنطقة الاقتصادية اتباعا للنموذج النرويجي. أما الآن، يريد معظم مؤيدي الخروج انفصالا كاملا، ويرفضون فكرة إبقاء أي روابط مع الاتحاد الأوروبي.

في البحث الذي ساهم فيه بيل، أكّد ثلثا المحافظين تفضيلهم لترك الاتحاد الأوروبي دون صفقة عوضا عن مواصلة الالتزام بقواعده التجارية. تجاهل هؤلاء بذلك تحذيرات الاقتصاديين من خروج بريطانيا من الاتحاد دون صفقة، إذ يمكن أن يعرقل ذلك التدفق التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مما يدفع البلاد إلى الركود.

وقال بيل إن أفكار الأشخاص الذين يرجع قرار اختيار زعيم البلاد القادم إليهم تخلق مشكلة.

وترك اقتصار القرار على فئة معينة من الأشخاص العديد من غير المحافظين عاجزين عن المساهمة في أهم فصل من شأنه أن يحدد طبيعة علاقة بلادهم مع الكتلة القاريّة، واكتفى هؤلاء بمشاهدة السباق بإحباط. ووصفت النائبة في مجلس العموم عن حزب الخضر، كارولين لوكاس، السباق بأنه “واحد من أكثر الانتخابات غير الديمقراطية التي شهدتها البلاد منذ سنوات”.

لكن، لا تعتبر هذه العملية غير عادية. ففي النظام البرلماني البريطاني، يمكن التصويت لاختيار عضو برلمان يمثل المنطقة الانتخابية في الانتخابات العامة. ويدلي المواطن البريطاني بصوته لاختيار نائب في البرلمان عن منطقته. ويشكل الحزب السياسي المتحصل على أغلبية المقاعد في مجلس العموم في الانتخابات العامة حكومة جديدة، ويصبح زعيمه رئيس الوزراء الجديد. ويحق للأحزاب تغيير قادتها دون الرجوع إلى الجمهور. حدث ذلك عندما تولى وزير المالية البريطاني جوردن براون رئاسة حزب العمال البريطاني بعد خلافته لتوني بلير سنة 2007، وعندما تولت تيريزا ماي منصب سلفها المحافظ ديفيد كاميرون سنة 2016.

كان السباق في صفوف المحافظين أقل ديمقراطية مما هو عليه الآن. لعقود، كان اختيار قادة الحزب يتم دون تصويت. وأصبح التصويت يشمل كل من كان عضوا في الحزب لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر بعد أن دفع الرسوم السنوية البالغة 25 جنيها إسترلينيا (31 دولارا).

تطغى قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على تفكير معظم المحافظين وتأثر في اختيارهم. وتعتبر هذه الفئة البريكست قضية حياة أو موت بالنسبة للحزب الذي حكم بريطانيا لأكثر من نصف فرن.

بلغت معنويات الحزب حدّها الأدنى بعد نتائج الانتخابات المحلية والبرلمانية الأوروبية الكارثية. وانشق العديد من الناخبين المحافظين وتوجهوا إلى حزب بريكست الذي شكّله نايجل فراج حديثا. ويتهم فراج حكومة ماي بخيانة الـ17.4 مليون شخص الذين صوتوا لمغادرة الاتحاد الأوروبي.

وقال جيلز ماكنيل، زعيم المحافظين في مجلس محلي شرق إنكلترا، إن حزب بريكست سيحل مكان حزبه إذا لم يحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر. ويرى أن ذلك سيمثّل نهاية للمحافظين. وتابع “لا أتوقع أن يغفر لنا الشعب البريطاني بسرعة بعد هذه الخيانة”.

تترك عملية الخروج المحافظين في مأزق، فهم في حاجة إلى زعيم يمكنه محو تهديد نايجل فراج عبر مغادرة الاتحاد الأوروبي مع حشد الناخبين للفوز في الانتخابات العامة القادمة. وتعتبر المهمتان الأساسيتان مختلفتان، وربما متناقضتان.

يوحي تقدم جونسون في تصويت المشرّعين بأن العديد من المحافظين يعتقدون أن وزير الخارجية السابق قد يكون منقذهم، حتى لو كانت هناك مخاوف تساور بعضهم بشأن صدقه وموثوقيته. وقال إد كوستليو، وهو عضو في الحزب لأكثر من 50 عاما ورئيس لمجموعة “غراسروتس” للمحافظين التقليديين، إن جونسون يمتلك نوعا من الجاذبية. وتطرق إلى شخصية رونالد ريغان لمقارنته مع المرشح قائلا “إنه كسول وليس مثقفا، لكنه حرص على أن يحيط نفسه بأشخاص يعرفون ماذا يفعلون. وسجّل في التاريخ أنه رئيس جيد”.

العرب