بريطانيا تتخلى عن دورها المتردّد حيال تعنت إيران

بريطانيا تتخلى عن دورها المتردّد حيال تعنت إيران

لندن – تخلت بريطانيا عن دورها المتردّد حيال التصعيد الأميركي تجاه إيران، إثر الهجمات على سفن تجارية في خليج عمان وساحل الإمارات وإسقاط طائرة أميركية مسيرة.

وكشفت مصادر دبلوماسية أميركية عن تعهّد بريطانيا بتقديم الدعم المطلوب للولايات المتحدة في أي صراع مع طهران.

ويرى مسؤولون أميركيون أن رئيس الوزراء البريطاني المقبل، سواء كان جيريمي هانت أو بوريس جونسون، سيكون داعما للسياسة الأميركية تجاه إيران.

وأجرى وزير الدولة البريطاني المكلف بملف الشرق الأوسط أندرو موريسون محادثات مع مسؤولين إيرانيين، الأحد في طهران، بعدما أوفدته لندن في زيارة عاجلة لطلب “خفض طارئ للتصعيد” بين طهران وواشنطن.وأعرب موريسون عن قلق لندن من “الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة وتهديدها بالتوقف عن الالتزام بالاتفاق النووي الذي لا تزال المملكة المتحدة ملتزمة به”.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، السبت، فرض عقوبات “مشددة” ضدّ إيران بدءا من الاثنين، فيما حذرت طهران بدورها واشنطن من أنّ “إطلاق رصاصة واحدة باتجاه إيران سيشعل مصالح أميركا وحلفائها” في المنطقة.

وألغى ترامب في الدقائق الأخيرة، الجمعة، ضربات جوية ضدّ إيران بعد إسقاط الأخيرة لطائرة مسيّرة. ولكن صحيفة واشنطن بوست وموقع ياهو ذكرا أنّ الرئيس الأميركي سمح بشكل سرّي بالردّ عبر هجمات إلكترونية ضدّ أنظمة الدفاع الإيرانية.

وتحوّل موقف بريطانيا من الصفقة النووية الإيرانية واتخذ اتجاها أقرب للموقف الأميركي في الشهر الماضي مع تصاعد التوتر في المنطقة، وفقا لمسؤولين في واشنطن.

وبعد أن سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، العام الماضي، وشن حملة عقوبات جديدة على طهران، اتخذت لندن الجانب الملطف للأجواء إلى جانب باريس وبرلين، حيث بقيت الدول الثلاث في الصفقة وسعت إلى تهدئة التصعيد مع إيران.

لكن الموقف البريطاني تغيّر الآن وفق مصدر أمني مقرب من الإدارة الأميركية تحدث لصحيفة التايمز البريطانية.

وقال المصدر “عادة عندما أقابل مسؤولين بريطانيين، أشعر أنني أتحدث مع الفرنسيين أو الألمان، لكن هذا تغيّر في الأسابيع الأخيرة. حيث قويت شوكة البريطانيين بشكل واضح. ورأينا تغييرا في خطابهم العام والخاص على حد سواء”.

وإذا انتهى الأمر بهجوم أميركي على إيران يشعر المسؤولون في واشنطن بالثقة المتزايدة من أن بريطانيا ستقف إلى جانبهم وأعربوا عن ارتياحهم لحقيقة أن الحليفين أصبحا الآن يقفان “على نفس الجبهة”.

ويعزو المسؤولون التحوّل في المواقف إلى المحادثات بين كبار المسؤولين، بمن فيهم ترامب، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، في لندن، فضلا عن ارتكاب إيران لسلسلة من الإجراءات العدوانية، بما في ذلك هجومها على الطائرة المسيرة والهجمات على ناقلات النفط التجارية.

وكان مسؤولون في الإدارة الأميركية يشعرون بالإحباط بسبب موقف بريطانيا المتردّد بشأن إيران، لكنهم شعروا بالتشجيع بسبب الحصول على الدعم البريطاني مؤخرا في أعقاب تقييمهم الاستخباراتي بشأن الهجمات على الناقلة. وقال هانت، الأحد الماضي، إن بريطانيا كانت “شبه متأكدة” من تورط إيران في الهجمات.

ومع تصاعد التهديد الإيراني بخرق قواعد صفقة الاتفاق النووي مع الغرب التي أبرمت عام 2015، بزيادة تخصيب اليورانيوم، تترقب مؤشرات أن تلتحق بريطانيا بالولايات المتحدة وتنسحب من الاتفاقية بالكامل.

وقال جيمس كارافانو، مدير دراسات السياسة الخارجية في مؤسسة “هيريتيدج فاونديشن”، “هناك شعور بأن بريطانيا أصبحت الآن قادرة على تحقيق ذلك. ففي ظل استمرار العدوان الإيراني، فإن ذلك يدفع البريطانيين إلى دعم الموقف الأميركي”.

وقد تؤثر السياسة الداخلية البريطانية بين حزبي المحافظين والعمال أيضا على هذا التحوّل في التعاطي مع الاستفزازات الإيرانية.

وعبر مارك دوبويتز، مدير مؤسسة “ديفينس فور ديموكراسيز″ ومستشار الشؤون الإيرانية، عن اعتقاده بأن أي قيادة من حزب المحافظين لا تريد أن تبدو مثل جيريمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض عندما يتعلق الأمر بإرضاء إيران أو الدخول في معركة مع واشنطن.

ولا يتردّد المسؤولون البريطانيون في الإعلان عن الإبقاء على الاتفاق النووي مع إيران، لكنهم يعترفون بأن هذا قد يتغير مع تهديدات إيران بخرق الاتفاق وتهديدها المستمر لدول حليفة في المنطقة.

وقال مسؤول بريطاني لصحيفة التايمز “إننا نعمل بجدّ مع شركائنا لإبقاء الصفقة النووية سارية. ولكن إذا توقفت إيران عن الوفاء بالتزاماتها، فسننظر بعد ذلك في الخيارات المتاحة لنا بموجب شروط الصفقة”. إلا أن بعض المراقبين يرون أن الالتزام التام باستراتيجية إدارة ترامب بشأن إيران أمر صعب بالنسبة لبريطانيا، بسبب النهج المشوش والرسائل المختلطة التي يصدرها البيت الأبيض.

وحذر ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني الأسبق، من احتمالات نشوب “حرب مدمرة” بين إيران والولايات المتحدة وانتشار عدوى الحروب المحتملة في جميع أنحاء المنطقة. وقال ميليباند في حوار تلفزيوني، الأحد، “كنا على بعد عشر دقائق من حدوث ذلك مساء الخميس″. وأضاف “المسؤولون الأميركيون والإيرانيون يصعدون من الاستفزازات، مما سينتج عن ذلك نشوب حرب كبيرة”.

وتوقع ألا تقتصر الحرب على الولايات المتحدة وإيران فقط، وستطال عدوى الحرب دولا أخرى، لتصل إلى أفغانستان والعراق كنقطتي اشتعال واضحتين.

ولطالما عبر الرئيس الأميركي عن كرهه للمغامرات العسكرية الأجنبية، وكثيرا ما وعد أنصاره الموالين بعدم إهدار الدم الأميركي في الحروب التي يمكن تجنبها. لكن تحول نظره تجاه إيران أزعج العديد من المسؤولين في واشنطن، الذين يخشون من أن تصريحات الرئيس هذه كانت مجرد حبر على ورق وأنه يجعل أميركا بهذه الطريقة تبدو ضعيفة، وهو أمر يمكن للإيرانيين استغلاله.

وقالت ليز تشيني، عضو الكونغرس الجمهورية ذات النفوذ وابنة نائب الرئيس السابق ديك تشيني، “لا يمكننا ببساطة السماح لخصوم أميركا بالتفكير في أنهم يستطيعون إسقاط طائرة عسكرية أميركية دون أن يتلقوا العقاب المناسب. الفشل في الردّ على هذا النوع من الاستفزاز المباشر الذي رأيناه الآن من الإيرانيين، يمكن أن يكون في الواقع خطأ كبيرا جدا”.

وشعر أعضاء حزب الجمهوريين الآخرين بالسعادة رغم ذلك. وقال السناتور راند بول “أطلب من الرئيس أن يتمسك بمبادئه وأن يتجنب بدء حرب أخرى في الشرق الأوسط. المحافظون من حوله يحثونه بشدة على الدخول في صراع. لا تفعل ذلك، سيدي الرئيس″.

وأعلن ترامب أن هدفه النهائي هو إعادة الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات، حتى يتمكن من التوصل إلى صفقة أفضل وأكثر دواما من تلك التي وقعها الرئيس باراك أوباما في عام 2015.

ورأى بريت ماكغورك المبعوث الأميركي السابق لمكافحة داعش، ألا يقدم الإيرانيون على التحدث مع واشنطن وهم في هذه الظروف. وتوقع أن يستمروا في المطالبة ببعض التخفيضات في العقوبات كشرط مسبق للمحادثات. وسيكون ذلك صعبا على إدارة ترامب القيام به.

وحذر مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون طهران، الأحد، من إساءة تفسير قرار ترامب بإلغاء الضربة الانتقامية على إيران في اللحظة الأخيرة على أنه “ضعف”. وقال بولتون قبل اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس “يجب ألا تخطئ إيران أو أي جهة أخرى معادية باعتبار التعقل وضبط النفس الأميركيين ضعفا”.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأحد، إنه من الضروري تجنب أي شكل من أشكال التصعيد في الخليج مع استمرار تصاعد التوتر في المنطقة بعد أن أسقطت إيران طائرة أميركية مسيرة الأسبوع الماضي.

وأضاف غوتيريش على هامش مؤتمر عالمي “لا يمكن للعالم تحمل مواجهة كبيرة في الخليج. على الجميع التعامل بأعصاب من حديد”. ونقلت وكالة أنباء فارس عن قائد كبير بالجيش الإيراني قوله، الأحد، إن أي صراع في منطقة الخليج قد يخرج عن نطاق السيطرة. ونسبت الوكالة إلى الميجر جنرال غلام علي رشيد قوله “إذا اندلع صراع في المنطقة فلن تتمكن أي دولة من التحكم في نطاقه وتوقيته”

العرب.