كيف يتعايش الإيرانيون مع المصاعب الاقتصادية المتزايدة؟

كيف يتعايش الإيرانيون مع المصاعب الاقتصادية المتزايدة؟

في مشهد متناقض تقف المواطنة الإيرانية فرشته أمام بائع الفواكه في أحد الأحياء الشعبية جنوبي العاصمة طهران تستفسر عن سعر الفواكه التالفة المعبئة في صناديق على قارعة الرصيف للبيع بأسعار أقل، في حين يعكف الرجل الخمسيني كوروس آزادي على اختيار أجود الفواكه داخل المحل غير عابئ بما يدور حوله.

وقالت فرشته للجزيرة نت إنها تعيش على معونات لجنة الإمام الخميني للإغاثة منذ أن لقي زوجها حتفه بنوبة قلبية عام 2009، لكن حياتها ازدادت تعاسة بعد عودة شبح العقوبات على البلاد وفقدان العملة الإيرانية قيمتها السنة الماضية.

ولا تعيش فرشته -التي تخرج قبل ظهر كل يوم للحصول على فواكه أو خضار بالية- وحدها هذه الوضعية بل هناك شريحة فقيرة في إيران تعيش الحالة ذاتها منذ الفترة التي سبقت انتصار الثورة، غير أنها نفت أن يكون نمط حياتها على علاقة بمستجدات التصعيد الأميركي ضد إيران.

وانصرفت فرشته التي لم تستطع شراء فاكهة لابنتيها اليافعتين من المحلات المصنفة رخيصة في خجل كبير إلى سلة مهملات لتخرج ما تحتاجه لوجبة الغداء.

ثروات هائلة
خلافا لوضعية فرشته، يشتد النقاش بين عدد من المتقاعدين في حديقة ملت قرب القصور الشاهقة شمالي العاصمة طهران بشأن تداعيات العقوبات الأميركية على الحياة اليومية للمواطنين، بين من يرى أن الأوضاع سوداوية وصعبة، وبين من يعتقد أنه لا يمكن تركيع الإيرانيين بضغوط أجنبية طالما أن بلادهم تتمتع بثروات هائلة بشرية وطبيعية.

ويتفق مهرداد ومحمد علي (متقاعدان إيرانيان) على أن نسبة البطالة والفقر ارتفعت، وأن التضخم قفز إلى أكثر من 50%، والقدرة الشرائية هبطت إلى مستويات متدنية، غير أن محمد علي يعتقد أن الفقر والبطالة والتضخم ليس أمرا جديدا علی الشعب الإيراني، وأنه سبق له التعايش معه حتى قبل العقوبات الأميركية.

وقال مهرداد في حديث للجزيرة نت إن العقوبات أدت إلى زيادة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية نتيجة ارتفاع الأسعار وانهيار العملة الوطنية مقارنة بالعملة الصعبة، وإن الحكومة فشلت في احتواء تداعيات الضغوط الاقتصادية، خاصة في قطاع السيارات والسكن والبضائع المستوردة.

في المقابل، يرى محمد علي أن إيران قادرة على حل مشاكلها الاقتصادية بالاعتماد على طاقاتها الذاتية، وأن الشعب والحكومة يتكاتفان من أجل تحقيق هذا الهدف، وأن كل ما يشاع عن تفاقم الفقر والمجاعة في إيران جراء العقوبات ليس إلا حربا نفسية تهدف إلى إثارة الشغب.

انهيار العملة
أشارت الناشطة والخبيرة في الشؤون الاجتماعية فرناز ملا محمد في حديث للجزيرة نت إلى أنه لا يمكن تجاهل أثر العقوبات على المجتمع الإيراني وتداعياتها على نسبة التضخم وفقدان العملة الوطنية قيمتها، وقالت إن أثرها يقتصر على قطاعات محدودة وليس كل القطاعات.

وأضافت أن الحياة اليومية للشعب الإيراني لم تتأثر كثيرا جراء العقوبات، وأن كل ما يلمسه الشعب ينحصر في تعطل المشاريع الصغيرة وانخفاض القيمة الشرائية للناس.

وقالت فرنار إن “العقوبات حالت دون استيراد بعض السلع والمواد الأولية لقطاع الصناعة في إيران، وغياب بعض الأدوية الخاصة من رفوف الصيدليات جراء العقوبات أثار سخطا شعبيا تجاه من يريد معاقبة الشعب على ما لم يفعله أصلا”.

وبينت أنها لاحظت انكماشا طفيفا في النشاطات الاقتصادية والحركة الشرائية خلال جولة قامت بها في أحد مراكز التسوق بمنطقة أندرزكو في العاصمة طهران، غير أنها لا تزال تعتقد أن الحالة الاستهلاكية الشرهة هي الصفة البارزة لدى الشعب الإيراني.

تجاوز العقوبات
تحدثت طهران على لسان أكثر من مسؤول أنها تعرف سبل الالتفاف على العقوبات التي تصفها بالجائرة، وأنها ستواصل هذا المسار من خلال اتخاذ طرق عدة، بما في ذلك مقايضة السلع، واختيار الشركات الوسيطة، وعدم السماح لأميركا بتصفير بيع نفطها.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني في اجتماع المجلس الوزاري إن بلاده ستلتف على الحظر الأميركي بكل فخر واعتزاز.

واعتبر رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني محمد رضا بور إبراهيمي توقيع اتفاقيات نقدية مع الصين ودول أخرى خيارا ناجعا للتخلص من هيمنة الدولار في العلاقات الاقتصادية، وقال إن إيران ابتكرت سبلا جديدة للالتفاف على العقوبات الأميركية.

وبدأت إيران منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي العام الماضي اعتماد عملات مختلفة في تعاملاتها التجارية مع الدول الأخرى، للإفلات من العقوبات الأميركية وإبطال مفعولها داخل البلاد.

وشدد العضو السابق في لجنة المفاوضات النووية الإيرانية مهدي محمدي علی ضرورة إبطال مفعول العقوبات عبر آلية “آينستكس” الأوروبية للتبادل التجاري مع إيران، مؤكدا أنه لا جدوى من هذه الآلية إلا إذا تمكنت إيران من شراء البضائع المحظورة ودفع واستلام المبالغ المالية، وأن يشتري الجانب الأوروبي عبرها نفط إيران.

وأطلق المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي خلال السنوات الأخيرة مصطلح الاقتصاد المقاوم لتعزيز الاقتصاد الوطني في وجه الضغوط الخارجية، وأكد أنه لو تحقق الاقتصاد المقاوم فإن قرارات القادة الأميركيين والصهاينة بشأن القضايا الاقتصادية سوف لن تكون مؤثرة.

ووجه المرشد الأعلى والرئيس روحاني في أكثر من مناسبة الجهات المعنية بتنفيذ سياسات الاقتصاد المقاوم لتجاوز العقبات ووضع الحلول للتحديات التي تواجه البلاد.

المصدر : الجزيرة