سقوط عمران بيد الحوثيين بداية حرب دمّرت اليمن

سقوط عمران بيد الحوثيين بداية حرب دمّرت اليمن

عند الحديث عن الحرب الدائرة في اليمن، يستحضر المتابعون يوم 21 سبتمبر 2014، تاريخ سيطرة الحوثيين على صنعاء، باعتباره تاريخ اندلاع حرب أهلية حولت البلاد إلى جحيم ووضعته على حافة الانهيار. لكن، تسبق ذلك التاريخ تواريخ وأحداث أخرى لا يمكن إغفالها، من ذلك سيطرة الحوثيين على محافظة عمران الاستراتيجية، في 8 يوليو 2014، والتي كانت أول الخيط الذي قاد إلى صنعاء وأغرق اليمن في نزاع مدمر.

صنعاء – ظنّ محمد النجري، كغيره من سكان عمران، أنّ سيطرة المتمردين على المدينة قبل خمس سنوات لن تطول. لكن سرعان ما تحول الهجوم إلى حرب امتدت إلى كافة أرجاء اليمن لتغرقه في نزاع مدمّر دون أي حل يلوح في الأفق.

وعمران، التي تبعد مسافة 50 كلم شمال العاصمة صنعاء، أول مدينة سقطت في أيدي المتمردين الحوثيين في بداية حملة عسكرية تمكنوا خلالها وخلال أشهر معدودة من بسط سيطرتهم على صنعاء ومناطق شاسعة في شمال ووسط وغرب أفقر دول شبه الجزيرة العربية.

وفي مكان عمله في مكتب لوزارة التربية في عمران، ينتظر النجري (40 عاما) يوميا راتبا لم يتلقاه منذ عامين بعدما قامت السلطات المعترف بها دوليا بنقل المصرف المركزي إلى عدن (جنوب)، عاصمتها المؤقتة حاليا.

وقال الموظف الحكومي “مرت خمس سنوات على اندلاع الحرب، لكننا ندرك أنه ما زال أمامنا الكثير”.

وأضاف “منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم، تزداد أوضاعنا سوءا (…) وقد وصلت إلى الحضيض. لقد انهار كل شيء في حياتنا”.

وبالنسبة إلى محمد طه (48 عاما)، الصحافي الذي قام بتغطية الأحداث في مدينته منذ لحظة دخول الحوثيين إليها، فإن انتظار التوصل إلى اتفاق سلام لم يعد خيارا متاحا.

وأوضح قائلا “خمس سنوات من الحرب كانت كافية لأن أرتّب وأطبّع حياتي وحياة أسرتي عليها. نعم، أثّرت علينا في البداية، ولكننا تمكّنا من التعايش مع آثارها. ما عدت أهتم كثيرا باستمرارها أو نهايتها”.

مشروع خطير

يشهد اليمن بعد خمس سنوات من انطلاق حملة المتمردين في أعقاب سيطرتهم على عمران في 8 يوليو 2014، أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا للأمم

المتحدة، حيث يواجه ملايين السكان خطر المجاعة. وقتل آلاف المدنيين ومن بينهم مئات الأطفال، وأصيب عشرات الآلاف بجروح، وانهارت قطاعات الصحة والتربية والاقتصاد وغيرها، خصوصا في أعقاب تصاعد النزاع في مارس 2015 مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري لوقف تمدّد المتمرّدين المقرّبين من إيران.

وفي مدينة عمران، يجوب مسلحون الأحياء ليل نهار سيرا أو على الدراجات النارية وفي السيارات الرباعية الدفع وهم يحملون على أكتفاهم الأسلحة الرشاشة.

وتنتشر شعارات التمرد على الأبنية الترابية اللون المبنية من الأحجار والطين في الحي التاريخي وسط المدينة، وعلى سور حجري طويل يلف الحي بأكمله.

وكتب على الجدار أحد الشعارات “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. وقال مسؤولان في الحكومة المعترف بها دوليا إنّه عندما سقطت عمران بأيدي الحوثيين، لم يكن أحد يدرك “خطورة” مشروع التمرد.

وتعتبر محافظة عمران من المناطق التاريخية في اليمن، وتضم معالم أثرية بينها جسر شهارة الذي بني قبل أكثر من 100 عام ويربط بين جبلين، ومديرية ردية آخر المناطق التي كان يسكنها يهود يمنيون.

وموقع عمران استراتيجي إذ أنّ المحافظة تقع بين صعدة معقل المتمردين في شمال اليمن، والعاصمة. كما أنّها موطن قبيلة حاشد التي لطالما اعتبرت الدعامة الأقوى للحكم في صنعاء.

بلد ممزّق
حاصر الحوثيون عمران لشهرين، قبل أن ينتصروا على قوات الجيش، المنقسم، ويضعوا أيديهم على المدينة، ثم ينطلقوا نحو صنعاء ليسيطروا عليها في سبتمبر من العام ذاته ويتمدّدوا بعد ذلك في اليمن.

ويسيطر الحوثيون اليوم على صنعاء وغالبية مدن الشمال والغرب والوسط من بينها الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، معتمدين على خبراتهم في القتال في المناطق الجبلية والأسلحة التي استولوا عليها من الجيش، بينما تتعمّق الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في هذا البلد.

وقال بيتر سالزبيري، الخبير في الشؤون اليمنية في مجموعة الأزمات الدولية، إنّ الحرب “مزّقت هوية البلاد وجغرافيتها والأيديولوجيات فيها بطرق لم يكن من الممكن تصورها”. ورأى أنّ اليمن “يحتاج إلى أكثر من خمس سنوات لإعادته إلى ما كان عليه في 2014”.

وشارك المتمردّون، إلى جانب الحكومة اليمنية، في محادثات عديدة برعاية الأمم المتحدة، آخرها في السويد في ديسمبر الماضي، لم تؤد إلى وضع حد للحرب المدّمرة.

وأوقعت الحرب حوالي 10 آلاف قتيل وأكثر من 56 ألف جريح منذ 2015 بحسب منظمة الصحة العالمية.

وبحسب فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف، فإن اليمن “لم يعد على حافة الانهيار (…) لقد انهار تماما”.

العرب