العراقيون يتجرّعون علقم “التجربة الديمقراطية” بعد 16 عاما على إطلاقها

العراقيون يتجرّعون علقم “التجربة الديمقراطية” بعد 16 عاما على إطلاقها

بغداد – بالرغم من قضاء العراق على التهديدات الرئيسية في ملف تنظيم داعش وما نتج عن ذلك من تحسن نسبي في الجانب الأمني، إلا أن فكرة الهجرة لا تزال تراود الكثير من أبناء هذا البلد، بسبب تردي الأوضاع المعيشية وانسداد الآفاق وغموض المستقبل.

وبعد أكثر من 16 عاما على الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق لا تزال “التجربة الديمقراطية” التي تعهدت الولايات المتحدة وبريطانيا بإنجازها في هذا البلد تقدم أشكالا مخيبة للآمال، إذ لم تتعاف مؤسسات الدولة من الانهيار الذي أصابها لحظة إسقاط صدام، فيما أوغلت أحزاب الإسلام السياسي في فشل الإدارة وسوء التخطيط وانشغلت بنهب ثروات البلد عن تقديم نجاحات تذكر.

ويمتلك العراق ثروات طبيعية هائلة وفرت للحكومة في بعض الأعوام مبلغا يصل إلى 150 مليار دولار لكن معظم هذه الأموال تذهب إلى جيوب الفاسدين.

وما زال العراقيون يتذكرون كيف غادر جيش الولايات المتحدة بلادهم العام 2011 تاركا خلفه نظاما سياسيا يقوم على فكرة توزيع موارد الدولة بين الأحزاب الكبيرة.

ويواجه العراقيون فضائح فشل النظام السياسي بالكثير من اللامبالاة بعدما أيقنوا أن تغييره من الداخل أمر عصي، لكن ثقتهم في التدخل الخارجي تبددت أيضا، بعد تجربة إسقاط صدام من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.

ويقارن الكثير من العراقيين بين “العهد الدكتاتوري” الذي يرمز له صدام حسين، و“العهد الديمقراطي” برعاية الولايات المتحدة، ليخلصوا إلى أن “ضريبة التغيير الكبيرة” لم يرافقها تحسن في الأوضاع المعيشية. وبالرغم من المرارة التي يسترجعها معظم العراقيين، عند الحديث عن “العهد الدكتاتوري”، إلا أن تجربة البلاد القاسية مع تخبط الولايات المتحدة في تنظيم شؤون البلاد، تدفعهم إلى الإفصاح علنا عن رغبتهم في العودة إلى زمن حكم حزب البعث، مع كل المآسي التي ورطهم فيها وما جره من حصار دولي خانق هبط بأكثر من نصف السكان دون خط الفقر.

وكثيرا ما تشمل مقارنة العراقيين أربعة ملفات رئيسية، هي الكهرباء والتربية والصحة والغذاء. ويذكر كثيرون أن نظام البعث في زمن قياسي نجح في إعادة شبكة الكهرباء الوطنية إلى العمل بعد تدميرها خلال حرب إخراج القوات العراقية من الكويت. وبالرغم من أن الشبكة أصيبت بأضرار جزئية خلال حرب الإطاحة بصدام إلاّ أن الحكومات المتعاقبة بعد 2003 فشلت في إصلاحها.

ويشكل نقص التيار الكهربائي، ولاسيما خلال شهور الصيف اللاّهب عقدة لدى قطاع واسع من السكان يضطر إلى دفع مبالغ طائلة لمولدات أهلية من أجل الحصول على طاقة محدودة لا تكفي لتشغيل أجهزة التكييف.

وشهد قطاع التربية في العراق انهيارا كارثيا إذ شاع إنشاء مدارس الطين في جنوب البلاد وتحولت عملية طبع المناهج التربوية إلى مسرح لصراع سياسي بين الأحزاب المتنفذة بالنظر لما توفره من عمولات كبيرة.

يأس من إمكانية تغيير النظام السياسي من الداخل وانعدام الثقة في التدخل الخارجي بعد تجربة الغزو الأميركي والبريطاني

وشهد مطلع الأسبوع الجاري فضيحة مدوية عندما وضعت وزارة التربية عددا من طلبة السادس الإعدادي في سيارات مخصصة للشحن البري بهدف نقلهم إلى مركز امتحاني جديد بعدما تعرض مركزهم الأساسي إلى حريق في ظروف غامضة.

وشكل منظر الطلبة وهم ينقلون بهذه الطريقة المهينة مادة للسخرية المرة في وسائل التواصل الاجتماعي. وتستعين وزارة التربية بمباني الكليات، لإجراء الامتحانات لطلبة الصفوف المنتهية، لأن مدارسها تخلو من قاعات صالحة لهذا الغرض.

وعلى مستوى الصحة، ينشر عراقيون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، صورا للمشاهد التي يرصدونها في المستشفيات الحكومية، تتنوع بين كلاب سائبة تتجول في ردهات المرضى واستخدام الطابوق في موازنة الثقل خلال علاج شخص أصيب بكسر.

وتشتهر المستشفيات الحكومية العراقية حاليا بأنها أفضل بيئة لنقل الأمراض بسبب القذارة التي تعم أرجاءها وتهالك أجهزتها ومعدّاتها.

وفي ملف الغذاء، تعجز الحكومات المتعاقبة منذ 2003، عن توفير مواد ما يعرف بـ“البطاقة التموينية”، وهي سلة غذائية ابتكرها العراق بعد فرض الحصار الاقتصادي عليه، إثر غزو الكويت، إذ تُقدم للعوائل شهريا مواد غذائية تكفي لسد الاحتياجات الأساسية بأسعار زهيدة.

وتحول ملف “البطاقة التموينية” إلى باب لتربح الأحزاب السياسية بعد 2003، إذ تنفق وزارة التجارة سنويا الملايين من الدولارات على عقود وهمية تحت يافطة شراء الطحين والرز والسكر والزيت، لكن السكان لا يحصلون على شيء من هذه المواد.

ويقارن العراقيون بين النظام الصارم الذي كان معمولا به في زمن صدام والنظام البائس الذي رعته الولايات المتحدة بعد العام 2003 لتوفير مفردات البطاقة التموينية حيث تختفي معظم المواد الرئيسية من السلة الغذائية التي توزع على العوائل، والمتبقي من هذه المواد يكون إما منتهي الصلاحية وإما قادما من منشأ رديء.

ولا يتردد العراقيون في تحميل الولايات المتحدة مسؤولية الخراب العام، الذي دمر القطاعات الرئيسية ذات التماس المباشر بحياة الناس، من خلال رعاية أحزاب سياسية فاسدة، وإفساح المجال لعديمي الكفاءة، وأصحاب الولاءات الخارجية، لإدارة البلاد.

وفي بغداد، يمكنك الآن أن تسمع قصصا مختلفة عن عهد صدام حسين، لا تتعلق فقط بالقمع الدموي الذي تمارسه الأجهزة الأمنية ضد المعارضين والحروب الكارثية التي تورط فيها النظام آنذاك بل بوزراء في العهد السابق مثل وزير التجارة محمد مهدي صالح ووزير الصحة أوميد مدحت ووزير التعليم همام عبدالخالق، بوصفهم أنجزوا قصص نجاح، فشل النظام الحالي في استلهامها.

العرب