انتشار الإلحاد في العراق ظاهرة حقيقية أم تصفية حساب مع الأحزاب الدينية

انتشار الإلحاد في العراق ظاهرة حقيقية أم تصفية حساب مع الأحزاب الدينية

بغداد – يقول محرر صفحة “الملحدون العراقيون” على فيسبوك، التي تضم نحو 11 ألف عضو، إن “مصطلح الإلحاد كان غريبا في العراق، قبل أعوام، وكان يبعث على الخوف بين الناس”، مشيرا إلى أن “المصطلح صار عاديا الآن، وهناك من يجاهر بهذا الموقف الديني”. ويوضح المحرر، الذي يتخفى خلف اسم الصفحة، أن “كلمة مسلم، ربما تتحول إلى شتيمة في غضون عشرين عاما”.

ويعزو إنشاء الصفحة إلى الرغبة في الحوار بين الملحدين والمتدينين، داعيا روادها إلى انتقاء عباراتهم عندما يكتبون فيها، لأنها “تضم الكثير من المؤمنين”.

وخلال الأعوام الخمسة الأخيرة، باتت التحذيرات التي يطلقها رجال دين وساسة من انتشار ظاهرة الإلحاد في المجتمع العراقي، ولاسيما الشبان، أمرا مألوفا، تتعاطى معه وسائل الإعلام بشكل طبيعي، ما يمثل اعترافا صريحا بأن هذه الظاهرة تجد أنصارا في البلاد.

ويقول السياسي العراقي عزت الشاهبندر، إن “موجة الإلحاد” تفاقم المشاكل التي يواجهها العراق في ملفات “الخدمات وفقدان الأمن واتساع رقعة الفقر وشيوع السرقة وتزوير الانتخابات وغياب مؤسسات الدولة واستغلال السلطة.. إلى آخره من بركات عِجاف السنين”.

ويسلط حديث الشاهبندر، وهو سياسي مخضرم ينحدر من خلفية دينية، الضوء على الظروف المصاحبة لنشوء ظاهرة الإلحاد في العراق، واتساع موجتها بمرور الأعوام التي شهدت صعود الأحزاب الإسلامية إلى واجهة الحكم في البلاد.

ويقر الشاهبندر بأن السياسات الفاشلة التي كرستها أحزاب الإسلام السياسي بعد العام 2003، كانت سببا رئيسيا في نفور الرأي العام من أصول المنطلقات التي ارتكزت إليها.

إلا أن الكاتب العراقي فاروق يوسف يعبر عن تشاؤمه متسائلا: من فعل هذا؟ ويقول “كان الشعب العراقي متطرفا في كل شيء إلا في دينه فقد كان وسطيا. مغالاة الأحزاب الدينية في تطرفها الطائفي هي التي دفعت إلى تصاعد نسبة النفور من الدين ومن كل ما له صلة به”.

وربط يوسف في تصريح لـ”العرب” مظاهر الانحراف عن القانون وتدمير سلطة الدولة بظاهرة انتشار لبس العمامة. وهو ما أدى إلى تكاثر عدد رجال الدين المزيفين بشكل لافت، وألحق صفات رثة غير مسبوقة بالظاهرة الدينية.

واعتبر يوسف أن الارتداد العكسي بين فئات الشباب كان متوقعا، فهم لا يحتاجون إلى سلطة رجال الدين بقدر حاجتهم إلى سلطة الدولة وهي سلطة مفقودة في ظل هيمنة الميليشيات التي تستقوي بسلطة الولي الفقيه الدينية.

وقدمت التظاهرات التي شهدتها البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية، أدلة واضحة على النفور الشعبي من استخدام الدين في السياسة، إذ جاء الشعار الشهير “باسم الدين باكونا الحرامية، ومعناه أن لصوص الأحزاب سرقوا البلاد باسم الدين”، ليدق ناقوس الخطر في الأوساط الدينية.

ويكشف شعار المتظاهرين الهوة بين الدين والحياة. وهو حدث متوقع في مجتمع سطا عليه اللصوص باسم الدين.

وسارعت هذه الأحزاب، وفي مقدمتها حزب الدعوة الإسلامي، الذي حكم البلاد بين 2005 و2018، إلى إطلاق تحذيرات علنية من اتساع المد العلماني في العراق، إذ وصفته بأنه مدخل رئيسي إلى الإلحاد.

وبالرغم من إقرار منظمي التظاهرات بأنهم استخدموا شعارهم الشهير، لا للنيل من الدين، بل لفضح الاستخدام السياسي له، إلا أن المنظّر الديني في حزب الدعوة، عامر الكفيشي، قاد حملة تحريض ضد “المدنيين والعلمانيين”، وصلت حد تبريره استخدام العنف ضدهم، بوصفهم ملحدين، وهي أطروحة شائعة في أدبيات تنظيمي القاعدة وداعش.

وبالنسبة إلى “المدنيين والعلمانيين” في العراق، فإن تحريض الكفيشي ضدهم لا ينطلق من حرصه على الدين، بل من خشيته على مصير أحزاب الإسلام السياسي أمام الغضب الشعبي المتنامي.

ولم تقتصر التهديدات الموجهة لعلمانيي العراق ومدنييه، المتهمين بنشر الإلحاد، على الداخل، إذ تدخلت إيران بشكل مثير للاستغراب، في محاولة لمساعدة حلفائها الإسلاميين في هذا البلد، وفي مقدمتهم حزب الدعوة.

وقبيل الاقتراع العام في البلاد، صيف العام الماضي، عندما كانت شعبية المدنيين تتسع، بفعل الفشل الذريع الذي أحاط بتجربة الإسلام السياسي في الحكم، أرسل المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، مستشاره للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، إلى بغداد، ليعلن أن “الصحوة الإسلامية، لن تسمح للشيوعيين والليبراليين” بالفوز في الانتخابات، ما فجر عاصفة من الجدل، اضطرت المسؤول الإيراني إلى إصدار تفسير لتصريحه، مشيرا إلى أنه قصد أن “الشعب العراقي هو الذي لن يسمح لهؤلاء بالفوز، وليس إيران”.

وبالرغم من أن هناك مدونين عراقيين يجاهرون بموقفهم ضد الدين، إلا أن معظمهم يعيش خارج البلاد، إذ قد يشكل الاعتراف بالإلحاد داخل العراق سببا كافيا للقتل من قبل جماعات مسلحة، أو الملاحقة من قبل السلطات الرسمية في أفضل الأحوال.

ويرى مختصون في مجال العلوم الاجتماعية أن مسببات الإلحاد في الأوساط الشيعية والسنية العراقية متشابهة حد التطابق.

وبينما تسبب التطرف العنيف لدى الجماعات الجهادية السنية، في ردات فعل سلبية إزاء الدين في الأوساط السنية، لعبت جماعات الإسلام السياسي الشيعي والمجموعات المسلحة الموالية لإيران، دور “حراس العقيدة”، متسببة في نفور واسع من سلوكها.

وغالبا ما ارتبطت موجات “حماية الدين” التي تطلقها مجموعات سنية وشيعية بين الحين والآخر، بعمليات قتل مروع ضد مدنيين عزل بسبب مواقفهم الدينية.

وبالرغم من أن النفور من سلوك هذه الجماعات الدينية المتشددة لم يقد دوما إلى الإلحاد، فإنه كان سببا رئيسيا في اتساع الموجة المرتبطة بهذا الموقف الديني في أوساط الشبان العراقيين.

ويعزو مهتمون بنشوء هذه الظاهرة، مسبباتها إلى عوامل أخرى، بينها الانفتاح الكبير الذي شهده العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، بالترافق مع الطفرة الكبيرة في مجال التكنولوجيا، حيث أمكن للشبان الاطلاع على تجارب كونية لا حصر لها.

وربما هذا هو السبب الذي يفسر انتشار ظاهرة الإلحاد بين صفوف الشبان المتعلمين، أو الذين يواكبون التطورات التكنولوجية، إذ تعد وسائل التواصل الاجتماعي المنبر الأبرز للتعبير عن هذا الموقف الديني.

العرب