رؤية أميركية: كيف الطريق إلى إعادة الوضع الأمني في سهل نينوى إلى طبيعته؟

رؤية أميركية: كيف الطريق إلى إعادة الوضع الأمني في سهل نينوى إلى طبيعته؟

مايكل نايتس*

في الأول من تموز/يوليو، أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أمراً ديوانياً جديداً يحظر على عناصر «قوات الحشد الشعبي» القيام ببعض الأنشطة غير المسموح بها. وبالإضافة إلى تعليقات مماثلة أدلى بها عبد المهدي في 18 حزيران/يونيو، تتوقع الحكومة أن تلتزم وحدات «الحشد الشعبي» بالأوامر الحكومية علماً بأن الحكومة كانت قد منعت هذه الوحدات من الاحتفاظ بقواعد غير مرخصة وإعداد مخططات اقتصادية لكسب المال. وجاء في المرسوم “يُمنع تواجد أي فصيل مسلح يعمل سراً أو علناً خارج هذه التعليمات، واعتبار من يخالفها خارجاً عن القانون وتتم ملاحقته”.

مشهد من سهل نينوى

ويُعتبر سهل نينوى موضوع غير قابل للنقاش فيما يتعلق بأوامر عبد المهدي. فمنذ 15 تموز/يوليو 2017، بدأ رئيس الوزراء العراقي في ذلك الوقت (حيدر العبادي) محاولة وضع الميليشيات في سهل نينوى المحرر حديثاً آنذاك تحت سيطرة الحكومة. وفي 2 آب/أغسطس 2018، وقّع العبادي الأمر الديواني رقم 1388 الذي طالب «الحشد الشعبي» بإخراج قواته من مدينة الموصل وسهل نينوى، ونَقْلْ كافة قوات «الحشد» في نينوى تحت السيطرة العملياتية والإدارية لـ “قيادة عمليات نينوى” التي يتزعمها الجيش. وفي آذار/مارس 2019، كرر رئيس الوزراء العراقي الحالي عادل عبد المهدي هذا الأمر، ولكن حتى تاريخ كتابة هذه السطور في تموز/يوليو 2019، لم يتمّ اتخاذ هذه الخطوات. فقد ازدرت ميليشيتان صغيرتان، هما “اللواء 30” (“لواء الشبك”/”قوات سهل نينوى”) التابع لـ «الحشد» و “اللواء 50” (“كتائب بابليون”) رئيسيْ وزراء متعاقبيْن.

ومن الواضح أن الخليط العرقي-الطائفي في سهل نينوى هو مزيج معقّد، لكن جوهر المسألة بسيط نسبياً: فـ “اللواء 30” و “اللواء 50” التابعان لـ «الحشد» لا يريدان اتباع الأوامر الصادرة من رئيس الوزراء العراقي، كما لا يريدان التخلي عن فرص جني الأموال المربحة والتمتع بالسلطة بأسلوب المافيات على الصعيد المحلي. ويُعتبران حقل تجارب عما إذا كان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يتمتع بالصلاحية ولديه النية الجادة لوضع السلاح تحت سيطرة الدولة. وإذا كان بإمكان ميليشيتين صغيرتين – يقل عدد عناصرهما مجتمعين عن 2500 مقاتل على الأكثر – أن تتجاهلا الحكومة العراقية – بينما لا تزالان تتقاضيان رواتبهما من هذه الحكومة بالذات – فما هي حظوظ عادل عبد المهدي في وضع ميليشيات أكبر حجماً ومدعومة من الخارج تحت سيطرة الدولة؟

ما هي المشكلة مع الميليشيات في سهل نينوى؟

لا يمكن ببساطة أن يُطلب من عناصر وحدات «الحشد الشعبي» في سهل نينوى “العودة إلى ديارهم” واستخدام الصيغة غير المتقنة وغير المنطقية لوزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيليرسون. فهم أساساً في ديارهم، حيث يتألف “لواء الشبك” عموماً من الأقلية الشبكية (التي تعيش في سهل نينوى وشرق مدينة الموصل فقط)، في حين تتكوّن “كتائب بابليون” جزئياً من سكان محليين مسيحيين من سهل نينوى. وعوضاً عن ذلك، تُعتبر الدعوة لإعادة الانتشار أكثر تصميماً لتناسب المستوى المحلي، وتتمثّل المسألة الرئيسية في تمتع هذه القوات بقيادات مختلفة وعملها بطرق مختلفة.

“لواء الشبك”

فيما يتعلق بـ “اللواء 30” (“لواء الشبك””/قوات سهل نينوى”) التابع لـ «الحشد»، تتمثل المشكلة الرئيسية في قيام هذه القوات التي يتراوح قوامها بين 1000 و 1500 عنصر بعرقلة إعادة توطين المسيحيين وانخراطها في عمليات تجارية واسعة النطاق محظورة صراحةً بموجب الأمر الجديد لرئيس الوزراء العراقي. وليس من المفاجئ أن تحمي هذه الوحدة مناطق تواجد الشبك على غرار بازوايا والعديد من القرى الأخرى الواقعة على الطرف الشرقي من مدينة الموصل، في شمال وجنوب الطريق السريع بين الموصل وإربيل. ولكن “لواء الشبك” لا يقف عند هذا الحدّ: فقد أنشأ مقره الرئيسي في قرية برطلة المسيحية الخالية من السكان.

لقد عمل كاتب هذه السطور في تلك المنطقة في الفترة 2011 – 2014، ويعلم جيداً أن قرى الشبك تبعد 500 متر تقريباً غربي برطلة، غير أن هذه القرية دائماً ما كانت مأهولة بالمسيحيين ولطالما خيّم جو من الارتياب المتبادل بين المجتمعين. واليوم، استحوذ مقاتلو الشبك على ممتلكات في بعشيقة، ونهبوا المنازل، وأرهبوا السكان المحليين. وقد حال ذلك دون إعادة توطين المسيحيين والعرب، ومنع قدرة الدول المانحة من زيارة برطلة (لا سيما ممثلي الحكومة الأمريكية).

كذلك، مارس “لواء الشبك” سلوكيات سيئة بل مربحة. فقد سيطر على الطريق التجاري الرئيسي السريع بين الموصل وأريبل، ونقل كافة أنواع البضائع إلى أسواق الموصل واضطلع بدور الشريان الحيوي لإعادة الإعمار. وتوفّر نقاط تفتيش المركبات التي يقيمها “اللواء” فرصاً مهمة لكسب المال أيضاً. وكما ذكرت وكالة “رويترز”، ساهم ارتباطه التقليدي بالضواحي الشرقية للموصل وبالأحياء التي تنتشر فيها أعمال الميكانيك في منحه موقعاً مهماً في سوق الخردة المعدنية، وهو قطاع ضخم نظراً إلى مستويات الدمار الكبيرة في المدينة. وفي الموصل في 3 شباط/فبراير، أقدم جنود “لواء الشبك” أيضاً على خطوة غير مسموحة تمثّلت في مضايقة دورية مشاة راجلة للجيش الأمريكي كانت تنفّذ دورية مشتركة مفوّضة من قبل الحكومة خارج قاعدتها.

“كتائب بابليون”

فيما يتعلق بحالة “اللواء 50” (“كتائب بابليون”) التابع لـ «الحشد»، فهي تختلف إلى حد كبير . فليس هناك شك في أن أن عناصر “لواء الشبك” وقادته هم من الرجال المحليين. أما “كتائب بابليون” فهي قوة خارجية في الغالب تتظاهر بأنها وحدة مسيحية محلية. وتتمركز هذه القوة التي تضمّ 1000 عنصر شرقي مدينة الموصل وفي منطقة واقعة شمالي شرقي الموصل تدعى باطنايا. والعديد من مقاتليها هم من غير المسيحيين من مدينة الصدر في بغداد ومحافظتي المثنى وذي قار. وحيث إنها خلقت شعوراً واسع النطاقً بأن فصيلاً غير مسيحي من الخارج قد اختطف قوات الأمن المحلية، تمنع “كتائب بابليون” عودة العديد من المشردين إلى شرقي الموصل وشمالي سهل نينوى.

وتخضع هذه الكتائب لقيادة مقاتل مسيحي من بغداد يدعى ريان الكلداني، الذي قاتل سابقاً في صفوف ميليشيات شيعية في بغداد خلال حملة التطهير الطائفي للمدينة التي كانت تشبه حرباً أهلية. ويُعتبر الكلداني من الأتباع الأوفياء الموالين لقائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني قاسم سليماني ولنائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، اللذين أدرجتهما الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب. وهو يحتفل بحماسة كبيرة بـ”يوم القدس” من كل عام. وليس من المستغرب أن يكون الكلداني على علاقة سيئة جداً مع القادة المسيحيين وسكان سهل نينوى، بمن فيهم بطريرك بابل للكلدان ورئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الذي يحظى باحترام واسع، لويس روفائيل ساكو.

الخطوات التي يجب اتخاذها

أثناء كتابة هذه السطور، تجري عملية نشطة من المفاوضات وحملات الضغط لتقليل الاحتكاك بين هاتين الميليشيتين والأقليات المحلية. وما يدلّ على ضعف الدولة العراقية – والموقف غير المساعد الذي انتهجه قادة «الحشد الشعبي» على غرار أبو مهدي المهندس – هو حاجة الدولة العراقية إلى بذل جهود حثيثة لإقناع ما بين ألفي وثلاثة آلاف رجل بالخضوع لسلطتها.

وستُظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كانت قد حصلت تغييرات فعلية، أو ما إذا كانت ميليشيات صغيرة قد نجحت في تقويض الحكومة العراقية التي تحاول بدلاً من ذلك حفظ ماء الوجه من خلال الإدعاء بنجاح مساعيها. ومن شأن علامات النجاح الفعلي أن تشمل إخراج قوات “لواء الشبك” من قرية برطلة، وإزالة نقاط التفتيش التابعة لها من الطريق السريع بين الموصل وإريبل. كما أن إخراج العناصر غير المحليين من صفوف “كتائب بابليون”، بمن فيهم ريان الكلداني، سيشكّل مؤشراً إيجابياً أيضاً. ولسدّ أي ثغرات، يجب أن تتلقى “قيادة عمليات نينوى” و “الفرقة 16” في الجيش العراقي التابعة لها بعض التعزيزات لكي تتولى زمام الأمور على الطريق السريع الرئيسي. ولا بدّ من عودة “وحدات حماية سهل نينوى” ووحدات مسيحية أخرى إلى برطلة وباطنايا.

يجب فرض آلية أمنية مشتركة في سهل نينوى لجمع كافة القوات المذكورة أعلاه ضمن ترتيب واحد، بما فيها “لواء الشبك”. كما لا بدّ من الاعتراف بالعناصر المحلية المتبقية من “كتائب بابليون”. ومن الناحية المثالية، يتعيّن دمج جميع القوات من الشبك والمسيحيين في سهل نينوى – بالإضافة إلى بعض اليزيديين والأكراد والعرب والكاكائيين – ضمن قوة جديدة يمكن أن تشكل لواءً تابعاً للشرطة الاتحادية، أو لواءً تابعاً للجيش، أو فوجاً تابعاً لشرطة الطوارئ.

وإذا تمّ اتخاذ هذه الخطوات بسرعة، فقد تُظهر للمراقبين داخل العراق وخارجه أن الحكومة في بغداد تتولى فعلياً زمام السلطة. فرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي معروف بنعمة كلماته أكثر من جرأة أفعاله. وتشكّل حالة الاختبار الصغيرة هذه إحدى الطرق لاستعادة بعض التوازن لهذه المعادلة.

مايكل نايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقد قضى فترات طويلة عمل خلالها في العراق منذ عام 2003، شملت وقتاً طويلاً مع قوات الأمن في البلاد. وقد تم نشر هذا المقال في الأصل باللغة الانكليزية على موقع “إيراك إن كونتيكست” (“العراق في السياق”).