أردوغان يلوي حقائق معاهدة لوزان لتبرير تدخلاته الخارجية

أردوغان يلوي حقائق معاهدة لوزان لتبرير تدخلاته الخارجية

أنقرة – لا يكف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن التأكيد على ضرورة مراجعة معاهدة لوزان التاريخية، التي ساهمت في تكوين دولة تركيا الحديثة بحدودها الحالية على أنقاض الدولة العثمانية أو ما كان يطلق عليه آنذاك بالرجل المريض كناية على العجز عن حماية الأراضي والممتلكات الواقعة تحت سيطرتها.

ويستثمر أردوغان معلومة غامضة تتم إعادة تسريبها بانتظام عن أن اتفاقية لوزان تسقط آليا بعد مرور مئة عام على الاتفاق الذي قبلت من خلاله الدولة العثمانية بالتنازل عن هيمنتها على عدة أراض ودول وبينها قبرص، وهو الخطاب الذي يبرر به تدخلاته في سوريا والساحل الشرقي لقبرص.

لكن خبراء قانونيين يؤكّدون أنّ كل ما يثار عن تحديد مدة للاتفاقية بمئة عام ليس صحيحا، وأنّه لا يوجد في القانون الدولي ما يشير إلى أنّ صلاحية الاتفاقيات مئة عام فقط، وفي حالة اتفاقية لوزان، لا يوجد بند ضمنها يحدّد مدة لها.

وقال الرئيس التركي، الأربعاء، إن أي تهديد علني أو مبطن بالعقوبات، لن يثني تركيا عن قضيتها العادلة. جاء ذلك في رسالة نشرها الرئيس التركي، الأربعاء، بمناسبة الذكرى السنوية الـ96 لتوقيع “معاهدة لوزان للسلام”.

وأكّد أردوغان أن إجراءات تركيا في شرق البحر المتوسط وسوريا، “تظهر للعيان حساسيتنا تجاه حماية حقوق شعبنا وأتراك جزيرة قبرص”، مشددا على أن “تركيا لديها القوة والحزم للقضاء على جميع أشكال التهديدات ضد استقلالها ووجودها وأمن مواطنيها”.

وأوضح أن معاهدة لوزان تعتبر سند تأسيس الجمهورية التركية، معربا عن سعادته لإحياء البلاد الذكرى السنوية الـ96 لهذه المعاهدة.

ويروج الرئيس التركي لوجود سقف زمني في معاهدة لوزان. كما يجري الحديث عن اتفاقية سرية تحدد هذا السقف وهو مئة عام، كما يعطي لتركيا الحق في التنقيب عن النفط والغاز في سواحلها، وهي معطيات يقول الخبراء إنها غير موجودة، ولكن يتم إحياؤها باستمرار في سياق يعمل من خلاله أردوغان على كسب دعم القوميين الأتراك وإظهار حرصه على “الحقوق التاريخية” لتركيا في سياق شعبوية انتخابية تدعم حظوظه.

ورغم أنه لم يصرح بشكل واضح بوجود هذا السقف أو بقناعة لديه أن المعاهدة تضم ملحقا سريا يتيح مراجعة بعد مئة عام، فإن أردوغان يتحرك بقوة وفق هذه القناعات الشعبوية، وهو ما يعكسه التحرك التركي في إدلب واستكشاف الغاز في الجزء الشرقي في قبرص وإرسال بواخر عسكرية.

ويعتقد خبراء أن التوازن الإقليمي يعتمد على حقائق دولية كبرى تخطها معاهدات ما بعد الحربين الأولى والثانية، والتي لم تهتز حتى في عصر الحرب الباردة واندثارها، فما بالك بالسعي لإحداث تعديلات على معاهدة لوزان تتيح لأردوغان التدخل في قبرص التي باتت عضوا في الاتحاد الأوروبي، أو إقامة منطقة آمنة شمال سوريا التي تقيم علاقات متطورة مع روسيا ما يجعل محاولات التمركز التركي الجديد أمرا بلا قيمة.

وتعمّد الرئيس التركي وضع رؤية 2023 للتطوير بالتزامن مع الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان لإظهار أن مجده الشخصي يتقاطع بشكل كبير مع المجد الوطني، وهو أسلوب ملتبس لا يبدو أنه سينتهي إلى نتيجة إيجابية، خاصة بعد التطوّرات الكبرى التي أحدثتها الانتخابات البلدية في إسطنبول، وهي تطورات كشفت تراجع شعبية أردوغان والحزب الحاكم في أهم المدن التركية، وفي بلدية ذات رمزية كبيرة.

وعندما زار أردوغان اليونان في أوائل ديسمبر سنة 2017، عمل على إثارة فكرة التعديل على معاهدة لوازن في حركة استفزازية لنظيره اليوناني بروكوبيس بافلوبولوس.

وقال أردوغان “أولا وقبل كل شيء، لا تشمل معاهدة لوزان اليونان فحسب، بل تشمل المنطقة بأكملها. ولهذا السبب، أعتقد أن المعاهدة تحتاج إلى مراجعة في ظل التطورات الأخيرة”.

ورد بافلوبولوس بشكل حاسم “تحدد معاهدة لوزان أراضي وسيادة اليونان والاتحاد الأوروبي، وهذه المعاهدة غير قابلة للتفاوض”.

كما أصدرت الحكومة بيانا على لسان متحدثها ديميتريس تساناكوبولوس، جاء فيه “تتوقع الحكومة اليونانية ورئيس الوزراء أن تشيّد زيارة أردوغان جسورا وليس أسوارا”.

وأشار هذا الخلاف إلى أن مستقبل العلاقات اليونانية التركية سيتشكل من خلال سؤال بقي معلقا لفترة طويلة: هل يمكن تعديل معاهدة لوزان؟

وقال شوكرو هاني أوغلو، وهو أستاذ تركي في الشؤون الخارجية والشرق الأدنى في تركيا في جامعة برينستون “في تركيا، تناقش معاهدة لوزان إما باعتبارها انتصارا حاسما وإما خطأ فادحا، ويبقى هذا النهج غير فعال إذا أردنا تحقيق نتائج إيجابية في معالجة هذه القضية”.

وأضاف أوغلو “نظر المنتصرون في الحرب العالمية الأولى إلى معاهدة لوزان باعتبارها معاهدة سلام نهائية من شأنها أن تساعد في تشكيل وضع جديد يناسب رغباتهم، واعتبروا الدولة المعنية مهزومة”.

العرب