لماذا العودة إلى الوثنية في الغرب؟ وما علاقتها بالعنصرية؟

لماذا العودة إلى الوثنية في الغرب؟ وما علاقتها بالعنصرية؟

توصف حركات “الوثنية الحديثة” بأنها أحد أبرز التيارات الدينية في الغرب خلال العقود الأخيرة، وقد رأى بعض الباحثين صعودها بمثابة تحول طبيعي في ضوء تغول العلمانية ونبذ المنظومة المسيحية التقليدية.

ويطلق مصطلح الوثنية الحديثة أو الوثنيين الجدد لوصف العديد من الحركات والمجموعات التي أحيت عبادة الأوثان أو اتخذت طقوسا وثنية حديثة في أوروبا وروسيا والولايات المتحدة.

لكن هذه الفرق تتمايز في معتقداتها وتوجهاتها، فقد نشأ بعضها من مزج ممارسات وثنية قديمة مع أفكار وفلسفات حديثة، بينما سعى بعضها لإحياء ماضي أوروبا الوثني قبل المسيحية بكل ما فيه من طقوس وأساطير.

ونظرا لتشعب مذاهب الوثنيين الجدد واختلاف مشاربهم، صار من الصعب رصد نمو حركتهم، ودراستهم باعتبارهم ظاهرة واحدة. وثمة من يرى أنه لا ينبغي التعامل معهم كتيار فاعل ومؤثر في الغرب، لا سيما مع ابتعاده عن السياسة الحزبية في أغلب الحالات.

غير أن أعداد الوثنيين الجدد تتنامى في السنوات الأخيرة، وتقدر بمئات الآلاف في بلدان مختلفة، وتنظم الحركات الوثنية نفسها في مؤسسات مسجلة، كما نشرت عنها كتب وأبحاث عديدة.

ففي الولايات المتحدة تنمو جماعة “ويكا”، وهي إحدى الفرق الوثنية التي تدور ممارساتها حول السحر والتنجيم والاعتقاد في القوى الخارقة. ويقدر عدد من يعرفون أنفسهم بأنهم من أتباع الويكا أو من الوثنيين بنحو 1.5 مليون أميركي وفقا لمسح أجراه مركز “بيو” عام 2014، وذلك مقارنة بنحو 700 ألف فقط قبل عشر سنوات.

وفي بريطانيا يوجد نحو 70 ألف شخص يعرفون أنفسهم بأنهم وثنيون أو ممارسون للويكا، وفقا للإحصاء السكاني الرسمي الذي أجري عام 2011.

وفي آيسلندا، تفيد تقارير بأن الوثنية الإسكندنافية تعود بقوة، وأنها الآن “أسرع الديانات نموا في البلاد”، ويجري حاليا بناء معبد للوثنيين في أطراف العاصمة ريكيافيك، سيكون الأول من نوعه في آيسلندا خلال ألف سنة، لتقديس آلهة شعب الفايكينغ: أودن، وثور، ولوكي.

وفي الدانمارك أتم الوثنيون بناء معبد للإله أودين عام 2016، وذلك لأول مرة خلال ألف سنة.

الوثنية السلافية
وفي روسيا، توجد قرابة عشر منظمات رسمية تمثل الوثنيين، مع صعود ما يعرف بالوثنية السلافية الحديثة أو “رودنوفري” التي تعني “الملة السلافية الأصلية”.

وكان لهذه العودة الوثنية السلافية تأثير خاص لأنها متصلة بالنزعة القومية عند الشعوب ذات الأصول السلافية (الصقالبة)، التي تشمل الروسيين والأوكرانيين والبيلاروسيين والبولنديين والتشيكيين والبوسنيين والصرب والبلغار وغيرهم.

وفي بولندا، تثير الردة الوثنية حيرة وتساؤلا في بلد طالما افتخر بتقاليده المسيحية العريقة. وصارت للوثنيين منظمة كبيرة مسجلة تضم آلاف الأعضاء في بلد يشكل الكاثوليك فيه أكثر من 87% من مجموع السكان.

ويرى مسيحيون أوروبيون وأميركيون أن الوثنية الحديثة ليست إلا وجها آخر من وجوه المادية الغربية التي تنبذ الدين وترفض أي دور له في حياة الإنسان، وأنها إنما تقتبس من الماضي الأوروبي الأسطوري وطقوسه الغامضة في سبيل تلبية الحاجات الروحية وسد الفراغ الوجداني لدى الأجيال الجديدة في الغرب.

لكن الوثنيين الجدد بوجه عام يرون أن حركتهم هي سعي للوصول إلى حياة متناغمة مع الطبيعة وقواها، وعودة إلى التراث الأوروبي الذي ساهم في تشكيل الحضارة الغربية ومنح الثقة لإنسانها.

زواج مع القومية والعنصرية
ومع أن الانطباع السائد لدى الغربيين المعاصرين عن هذه الوثنية الحديثة بأنها حركة متحررة مسالمة تستلهم التمرد الشبابي اليساري الذي ميز سنوات الستينيات، فإنها ليست كذلك في كل الحالات كما يؤكد الباحث إيثان دويل وايت من كلية لندن الجامعية.

يقول وايت إن العديد من فرق الوثنية الحديثة -وخاصة في وسط أوروبا وشرقها- هي مجموعات محافظة إلى حد بعيد، بل ورجعية في رؤاها الاجتماعية. ويوضح أن هذه المجموعات ترى في إحياء عبادة الآلهة السابقة للمسيحية تأكيدا على هويتها العرقية والقومية في خضم عولمة العصر الحديث.

وفي كتابها “الوثنية والتراث والقومية” تقول الباحثة كارينا أيتامورتو إن حركة الرودنوفري في روسيا -وهي من أبرز المجموعات الوثنية التي ارتبط اسمها بالتطرف القومي- ترسم صورة أمة عاشت في رخاء حتى بدأت تتجاهل تراثها وقيمها وتقلد نماذج أجنبية مثل المسيحية والشيوعية، وهو ما قضى على اعتزاز الأمة بنفسها وفقا للوثنيين الروس.

والحل عندهم كما تقول أيتامورتو هو العودة إلى الديانة الأصيلة للسلاف أو الروس حتى يشعر الشعب بذاته ويستعيد توازنه.

وفي الولايات المتحدة أيضا توجد حركات وثنية عنصرية قلما تأتي في صدارة الأخبار، لكنها برزت في أحداث تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا في أغسطس/آب 2017، حين نظم العنصريون البيض والقوميون المتطرفون مسيرة تحت شعار “توحيد اليمين”.

وشارك في تلك المسيرة -التي قتل أحد العنصريين فيها ناشطة من مجموعة مناهضة للعنصرية دهسا بسيارته- الوثني البارز ستيفن مكنالن مؤسس “جمعية أساترو الشعبية”. ومن بين المشاركين أيضا السياسي الوثني الطموح أغسطس سول إنفيكتوس.

وتقول الكاتبة سارة ليونز في مقال بموقع “فايس” إنه “بالنسبة للعالم الخارجي قد يبدو ربط اليمين المتطرف بالآلهة القديمة والسحر أمرا سخيفا، لكنه مرتبط في الواقع بأفعال محددة من العنف والإرهاب”.

وأضافت في مقالها المنشور في أبريل/نيسان 2018 أن عضوا في مجموعة وثنية عنصرية أميركية بولاية فرجينيا تسمى “ذئاب فنلاند” قضى أكثر من عامين في السجن لأنه أحرق كنيسة للسود عام 2012.

الجزيرة