حكومة بغداد تنصاع لعقوبات واشنطن على قيادات بالحشد الشعبي

حكومة بغداد تنصاع لعقوبات واشنطن على قيادات بالحشد الشعبي

بغداد – وجد رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي نفسه مضطرا للانصياع إلى الإرادة الأميركية بشأن مواجهة النفوذ الإيراني في بلاده، عبر الكشف عن إجراءات مفصلية ضد بعض أصدقاء إيران في العراق، بالرغم من مساعيه للنأي بالنفس.

وبشكل مفاجئ، اتخذت سلطات عراقية متخصصة قرارات عاجلة ضد شخصيات محلية وردت أسماؤها على لوائح العقوبات الأميركية، لصلات مشبوهة بإيران، ما أثار مخاوف واسعة في أوساط حلفاء طهران.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية وضعت أسماء كل من؛ محافظ صلاح الدين السابق أحمد الجبوري “أبومازن”، ومحافظ نينوى السابق نوفل العاكوب، وزعيم مجموعة “بابليون” المسيحية في الحشد الشعبي ريان الكلداني، وقائد اللواء 30 في الحشد الشعبي وعد القدو، الذي يفضل مناداته بأبي جعفر الشبكي، في إشارة مذهبية إلى شيعيته، على لائحة العقوبات، بسبب التورط في جرائم ضد حقوق الإنسان وفساد مالي قاد إلى انتهاكات إنسانية.

وبينما أمر عادل عبدالمهدي ميليشيا مسلحة تابعة لقوات الحشد الشعبي، يقودها مقرب من إيران وتسيطر على مناطق مختلطة الأعراق في نينوى بالتوقف عن العمل فورا، وجه البنك المركزي العراقي جميع المصارف الحكومية والخاصة بتجميد أصول الشخصيات العراقية الأربع، التي وردت على لوائح العقوبات الأميركية، وإيقاف التعاملات معها، والحرص على منعها من الحصول على عملة الدولار، متوعدا المخالفين بإجراءات تصل حدّ الإغلاق.

وكشفت وثائق حكومية اطلعت عليها “العرب”، صدور قرار من بغداد ينصّ على ضرورة خروج قوات أبوجعفر الشبكي من مناطق “سهل نينوى”، التي يسكنها خليط من مسيحيين وشبك ومسلمين سنة، بعد جدل واسع بشأن انتهاكات لحقوق الإنسان.

واتهمت قوات الشبكي بمنع العرب السنة من العودة إلى مناطقهم في “سهل نينوى”، بعد تطهيره من تنظيم داعش.

ويقول مسيحيون وشبك وموالون لأبي جعفر الشبكي وريان الكلداني إنهم لا يثقون بالجيش والشرطة العراقيين، حيث غالبية عناصرهما من المسلمين، مفضلين أن يحصلوا على حماية من قوات قوامها مقاتلون مسيحيون وشبك.

لكن آخرين في نينوى يقولون إن الألوية المسيحية والشبكية في الحشد الشعبي ليست سوى أسماء، تضم مقاتلين من المسلمين الشيعة، وفرتهم ميليشيات عراقية موالية لإيران، مثل عصائب أهل الحق وسرايا الخراساني.

ويقول هؤلاء إن الحرس الثوري استغل الألوية التي يتزعمها الكلداني والشبكي ضمن الحشد الشعبي في نينوى ليجند المئات من المقاتلين الشيعة الذين ينحدرون من جنوب العراق، ضمن صفوفها، على أنهم من المسيحيين والشبك، ما تسبب في موجة رفض محلية، وقاد إلى انقسامات.

وكانت الكنيسة الكلدانية أعلنت رفضها لوجود أي فصيل أو حركة مسلحة مسيحية.

وقال بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم، الكاردينال لويس ساكو، إن “الكنيسة الكلدانية تعدّ خطوة رئيس مجلس الوزراء بتنظيم وهيكلة الحشد الشعبي في الاتجاه الصحيح من أجل حصر السلاح بيد الدولة وترصين مؤسساتها، إضافة إلى ترسيخ الوعي الوطني لدى العراقيين وتوحيد الهوية الوطنية”.

وفيما أعلن ساكو رفض “الكنيسة الكلدانية القاطع لوجود أي فصيل أو حركة مسلحة تحمل صفة مسيحية”، دعا الكلدان الكاثوليك في العراق “إلى الانخراط في الأجهزة الأمنية الرسمية في الجيش العراقي والشرطة الاتحادية، وقوات البيشمركة في إقليم كردستان العراق”.

ووجه البنك المركزي العراقي، أعلى سلطة نقدية في البلاد، جميع المصارف الحكومية والخاصة إلى تجميد التعاملات مع الشخصيات العراقية التي وردت أسماؤها على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية.

وأبلغ المصارف بضرورة معرفة أسماء الشخصيات المشمولة بالعقوبات الأميركية، وتجميد أرصدتها لديها وإيقاف التعامل معها ومنعها من الحصول على العملة الأميركية.

وشدد على ضرورة أن تزوده المصارف العراقية بأي معلومات أو وثائق مالية ومصرفية تخص هذه الشخصيات.

وأبلغت مصادر سياسية رفيعة في بغداد “العرب”، بأن “هذين الإجراءين، اتخذا بتوجيه مباشر من رئيس الوزراء العراقي، بعدما تلقى إنذارا أميركيا صريحا”.

وقالت المصادر إن “الولايات المتحدة عبرت لعبدالمهدي عن عدم ارتياحها إزاء ما رصدته من مناورات لبعض الجهات الحكومية في العراق بهدف خرق العقوبات المفروضة على إيران وحلفائها العراقيين”، مؤكدة أن “واشنطن أكدت استعدادها لشمول العراق بالعقوبات، في حال تأكدت من سعيه إلى مساعدة إيران”.

ولم يكن متوقعا من الحكومة العراقية أن تتعاون في تنفيذ العقوبات الأميركية، فإضافة إلى أنها الطرف الأضعف في المعادلة المحلية فإن هناك المئات من موظفيها الأساسيين ستضر بهم العقوبات بسبب ارتباط مصائرهم بدورة المال الفاسد التي يديرها الأربعة الذين استهدفهم القرار الأميركي.

وقال مراقب سياسي عراقي إن الحكومة العراقية لا تملك سلطة حقيقية على الحشد الشعبي، ولذلك فإن الأخير لن يسمح لها بأن تكون الأداة التي تتحول من خلالها العقوبات الأميركية إلى التنفيذ الواقعي، وهو ما يعرفه الجانب الأميركي الذي قد يلجأ إلى تفعيل الرقابة داخل الدوائر المصرفية وبالأخص في البنك المركزي العراقي.

وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن العملية ليست بالبساطة التي تبدو عليها، فالأربعة الذين استهدفتهم العقوبات ضالعون في عمليات كبرى، قد تكون أكبر حجما من أن يحتويها الجهاز الرسمي العراقي إضافة إلى أنهم يمتلكون من الصلات النفعية بإيران ما يشكل نوعا من الخطوط الحمراء التي لا تفكر الحكومة العراقية في تخطيها خشية أن ينقلب الأمر عليها.

وأشار إلى أن تطبيق العقوبات خارج العراق، خاصة وأن المشمولين بها يملكون أصولا منقولة وغير منقولة هناك هو أمر أكثر يسرا من تطبيقها داخله، متوقعا أن تكون الدوائر الأميركية المختصة أكثر حذرا في بحثها عن الطرق الأنجع لممارسة ضغوطها، وأن تلك الضغوط قد لا تسفر عن شيء يذكر إذا ما انحصرت في تحذير وتهديد الحكومة العراقية.

العرب