… حتى لا يصيب مصر ما أصاب سوريا والعراق!

… حتى لا يصيب مصر ما أصاب سوريا والعراق!

EGYPTIAN ABROAD

في حديث أجرته قناة الـ«بي بي سي» البريطانية مع الدالاي لاما، وهو البوذي المسالم، سألته الصحافية عن رأيه في تنظيم «داعش» قال: «عندما أرى رجالاً ملثمين يذبحون ويعدمون ويعذبون، أعرف أنهم هم أنفسهم يدركون أن ما يقومون به أمر سيئ وفظيع، لأن الذي يفخر بما يقوم به يكشف عن وجهه ويتباهى». تحاشى الدالاي لاما وصفهم بالجبناء، وهو أكبر من هذه الأوصاف.
عندما شن «أنصار بيت المقدس» هجماتهم على مواقع الجيش المصري في سيناء، سموا أنفسهم «أسود الخلافة» في ولاية سيناء، وقالوا إن الله «يسر غزوتهم» ضد «جيش الردة المصري». وفي بلاغهم على «تويتر» وصفوا كيف تصدوا للغارات وأجبروا الطائرات المصرية على الهروب، لكنهم في كل هذا فظعوا وكذبوا. وإذا كانت المعركة في جزء منها معركة معلومات، وبث الرعب والهلع، فلأول مرة بث موقع الجيش المصري على «فيسبوك» صورًا للأسلحة التي تركها المهاجمون (بينما كانوا زعموا العكس) وبث صور «جثث أسودهم» وكانوا بالعشرات، في حين أن «خلافتهم» قالت إنهم «سيطروا بالكامل وتصدوا لطيران المرتدين». لم تكتفِ وزارة الدفاع المصرية بما بثه الجيش من صور، بل بثت فيلمًا عن معركة الثأر «سيناء ضد الإرهاب»، كشف خلاله ضباط وجنود الجيش المصري كيف ردوا الهجمات، وقتلوا كثيرا من المهاجمين «كانوا يرتدون ثيابًا عسكرية، إنما مموهة، وبعضهم بلباس أسود وعلى وجوههم أقنعة». ثم انطلق صوت التقطته الأجهزة العسكرية لأحد المهاجمين يصرخ: «الحقونا، الحقونا احنا مصابين».
ادعى تنظيم «أنصار بيت المقدس»، في تغريدة أنه اضطر إلى الانسحاب لكنه لم يعترف بأنه كذب، وأن أحد زعمائه (كمال علام) قتل، وأنه رفع الرايات السوداء ليلتقط صورًا يبثها لاحقًا «على أنه انتصر».
يوم وصل «الإخوان المسلمون» إلى الحكم في مصر، كان مثلهم الأعلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وعندما تسلم حزب «التنمية والعدالة» الحكم في تركيا، كان أول عمل ضخم له اعتقال الجنرالات، لإجبار المؤسسة العسكرية التركية على الابتعاد عن السياسة، والتزام الثكنات أو السجون، من أجل أن يفرض «وهم ديمقراطية» شجعه عليها الاتحاد الأوروبي لأنه لا يقبل بين أعضائه أنظمة عسكرية، عندما نجح إردوغان في تفكيك الجيش بالاعتقالات ومحاكمات بتهم غير صحيحة، نسي أوروبا معتقدًا بأن «الإخوان المسلمين» سيسودون، فها هم في غزة وقد وصلوا إلى مصر. لكن مصر ليست سهلة، ولم يستطع أحد إخضاعها، لا الفقر ولا الاقتصاد السيئ، لا الجفاف ولا البطالة. إنها مصر التي لفظت «الإخوان المسلمين» الذين لجأ من استطاع من قادتهم إلى دول عربية وإلى تركيا وما زالوا يحلمون بالعودة. ولم تتردد وزارة الدفاع في الفيلم الذي بثته في بث شعار قناة تلفزيونية عربية تدعم الهجمات على الجيش المصري، إضافة إلى شعار «الإخوان المسلمين». إنه عصر المعلومات، لذلك لم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه، كما لم يعد هناك من أغبياء يصدقون.
عبر الترهيب والتخويف انتشر «داعش»، كان دخوله سهلاً إلى الموصل، واستفاد من ظروف كثيرة وتواطؤ كي يتمدد في الرقة. ظن أنه دحر جيشين، والغريب أن هذا التنظيم الذي يعتمد على المركبات الصوتية، وبحار الدم، وقطع الأعناق لينشر الدعاية عنه، يخاف من أن تستمع «رعيته» إلى ما تبثه الإذاعات، فحرمها كما فعل يوم الاثنين في الموصل بمنعه الاستماع إلى «الراديو».
مباشرة بعد هجوم الإسلاميين على مواقع الجيش المصري وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سيناء، يعرف أنه قوي، وأنه يتمتع بشعبية واسعة. كان يرتدي بزة عسكرية كردّ على ما أشيع عن احتمال وقوع انقلاب عسكري.
في سيناء قال السيسي: «ماحدش يقدر يغلب شعب». من يخدع يستفِد على المدى القصير، إنما الحقيقة الصلبة تكسب على المدى البعيد. جاء هذا التخطيط بعد نجاح الإرهابيين بقتل المدعي العام، ليظهروا للرأي العام المصري أن الأمن مخترق، وأن الجيش ضعيف. لكن كما قال لي مصدر مصري: لا هذا ولا ذاك، وللأسف فإن بيت المدعي العام كان عنوانه معروفًا للجميع، فهو يقيم هناك منذ سنوات، لهذا كان هدفًا يمكن تحديده وتصور الطريق التي سيسلكها.
هناك علاقة خاصة ما بين الشعب المصري والجيش. جرى كثير من المؤامرات في السنوات الخمس الماضية لتدمير هذه العلاقة، وربما نجح المتآمرون مع فئات صغيرة من الشعب لفترات قصيرة. الوضع اليوم مختلف كثيرًا، فالمصريون يعرفون أن مصر كان يمكن أن تكون مثل العراق، وسوريا واليمن وليبيا لولا الجيش المصري الذي يدافع عنها وأنقذها من حكم جماعة «الإخوان المسلمين» – «أم التطرف» كما يقول محدثي، ثم إن الجيش يقاتل الآن ضد «خلافة البغدادي» الذي كان قبل بيعة «أنصار بيت المقدس» في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، معتقدا أنه بحفنة من الإرهابيين «يمدد دولته إلى أراضٍ جديدة، أراضي الحرمين واليمن ومصر وليبيا والجزائر».
يعرف الجيش المصري أنه قادر على سحق هؤلاء، ما يعيقه أن «شجاعة» هؤلاء تدفعهم للانخراط بالمدنيين دائمًا لحماية أنفسهم، مع العلم أنه شن هجمات على مناطق خارج التجمعات السكانية وقتل كل الإرهابيين.
المشكلة التي يواجهها الجيش في هذه الحالات، تواجهها القبائل في سيناء، إذ إن بعض مقاتلي «أنصار بيت المقدس» و«الإخوان المسلمين» هم أبناء عائلات بعض القبائل، الأمر الذي يجعل من الصعب على القبائل مواجهتهم، ليس من أجل حمايتهم إنما بسبب الخوف، لأن مواجهتهم للإرهابيين في قبائلهم يعرض أفراد عائلاتهم للقتل والانتقام، فالكل يعرف الكل في القبائل، ومع ذلك قاتلت القبائل الإرهابيين في بعض المراحل. وقبل أيام من الهجمات الأخيرة حاول الإرهابيون احتلال السطوح للتقنيص على الجنود، فلقوا مواجهة من أفراد القبائل ذهب ضحيتها كثيرون.
قد تزداد العمليات الإرهابية في مصر، إنها آخر دولة عربية لا يزال جيشها الضخم متماسكًا وقويًا، ثم إن الرئيس السيسي نجح في ربط مصر بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة ومع روسيا، ومعه عادت دول الخليج العربي إلى معانقة مصر. فأوضاع العالم العربي تحتم تقوية هذه العلاقات، مع العلم أنها ليست كلها ورودًا إنما فيها الأشواك القاتلة، وقد ثبت هذا في ما تتعرض له سيناء. وليس اتهامًا أن يكون التنسيق الأمني قائمًا بين مصر وإسرائيل لمواجهة الإرهاب على حدود الدولتين. وكانت تقارير أمنية أشارت إلى أنه رغم الاحتكاك فإن هناك تعاونًا «إرهابيًا» ضد مصر في سيناء ما بين «حماس» و«داعش» وهو اسمه «أنصار بيت المقدس» و«الإخوان المسلمون»، ويعرف الأمن المصري ذلك، هذا مع العلم أن «داعش» يتحدى «حماس» في غزة.
منذ إطاحة مرسي ومصر تعاني من العمليات الإرهابية، الأمر الذي يسقط حق الدفاع عن فكر «الإخوان المسلمين». أعلنوها حربًا فصدوا الأبواب أمام أي حوار، لا، بل شرعوها أمام الاعتقالات. هم لا يضيرهم إن جرى في الوقت نفسه اعتقال غير المنتمين إليهم. إنه الفخ الأمني الذي يريدون إيقاع كثيرين فيه. نشاطاتهم تهدف إلى زعزعة الاستقرار في مصر ومظاهراتهم تمول من التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» ومن تلك الدولتين. عقدة إخوان مصر أن فرعهم «حماس» نجح في طرد منظمة التحرير الفلسطينية من غزة، وصار يحكم، وهو الفرع الإخواني الوحيد الذي يتمتع بالسلطة في الدول العربية.
قبل أن تُشن الحملات المضادة على القيادة المصرية، المطلوب أولاً عدم التخلي عن مصر. أمن مستتب يعني الالتفات إلى أوضاع الناس. اقتصاد مزدهر يدفع الناس للاستفادة والعيش الكريم، الاستفادة المادية تعني انتشار العلم والثقافة، الثقافة المتطورة تعني التمسك بالديمقراطية، لتحقيق كل هذه الطموحات، مطلوب استتباب الأمن. أعداء مصر من «الإخوان المسلمين»، و«أنصار بيت المقدس» مهمتهم تدمير الأمن وبالتالي منع التنمية وما يمكن أن يتوالد منها. نجاح القيادة المصرية في برنامجها يعني القضاء على مشروعهم الأسود. شعب مصر رغم كل المشكلات المعيشية التي يتخبط بها، لا يزال ينظر بأمل إلى هذه القيادة، وجيشها مستعد لتحمل هذه المسؤولية الضخمة. خسر العرب العراق وسوريا، إذا بقيت مصر يبقى أمل.

هدى الحسيني 

صحيفة الشرق الأوسط