انقسام قيادات الحشد الشعبي بين الولاء للعراق أو لإيران

انقسام قيادات الحشد الشعبي بين الولاء للعراق أو لإيران

بغداد – ضربت الخلافات الداخلية هيئة الحشد الشعبي في العراق، بشأن الطريقة التي يجب اتباعها في التعامل مع القرار الذي أصدره رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لهيكلة هذه القوة وضبط أدائها.

وذكرت مصادر مطلعة داخل الهيئة أن قادتها انقسموا بشأن التعاطي مع القرار الحكومي، بين فريق راغب بضرورة أن تكون الاستجابة عاجلة وكلية، منعا للاصطدام بالسلطة التنفيذية، وآخر يطالب بإهمال القرار المذكور، وعدم الاستجابة له، في ظل عجز الحكومة عن فرضه بالقوة.

وأبلغت المصادر “العرب” بأن الفريق الداعم للامتثال لقرار الحكومة، يضم رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وزعيم منظمة بدر هادي العامري وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، فيما يضم الفريق الرافض نائب رئيس هيئة الحشد أبومهدي المهندس، وقيادات حشدية ميدانية موالية لإيران.

ويخشى الفياض وداعموه في الحشد أن يؤدي رفض الامتثال لقرار عبدالمهدي، إلى إغضاب أطراف عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة، ما قد يتسبب في شمول جميع القادة البارزين في الحشد بالعقوبات الأميركية، على غرار ما حدث مع القياديين الآخرين في الحشد، ريان الكلداني ووعد قدو.

ولذلك سارع الفياض إلى إبلاغ عبدالمهدي بأن الهيئة استجابت تفصيلا لمقتضيات أمره الديواني الخاص بالحشد، لكنه طلب مهلة شهرين لإتمام المهمة كليا.

وتقول المصادر إن الفياض يحاول أن يربح الوقت من عبدالمهدي على أمل إقناع المهندس، مؤكدة أن الخيار الأخير قد يتمثل بإقصاء الأخير من منصبه، كنائب لرئيس هيئة الحشد الشعبي، ذي الصلاحيات الواسعة، بالرغم من صلته الوثيقة بإيران.

ووفقا للهيكلية الجديدة الخاصة بالحشد الشعبي، التي وضعت استجابة للقرار الحكومي، فإن منصب “نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي للأركان العامة”، يستحوذ على جميع الصلاحيات العسكرية والاستخبارية، ويمكنه تحريك القطعات وشن الهجمات وتشغيل أسراب الطائرات المسيرة، وتحديد مواقع الانتشار، وغيرها من شؤون الميدان العسكري.

وتقول المصادر إن المهندس يصر على تولي هذا المنصب حاليا، وهو ما يواجه معارضة شديدة من الفياض والعامري والخزعلي.

ويعول الفياض والعامري والخزعلي على تفهم الإيرانيين للمخاوف من تعريض قادة الحشد الشعبي للعقوبات الأميركية، التي تفرض قيودا كبيرة على التحرك الشخصي والمالي، فضلا عن السمعة المشبوهة التي تجلبها في الداخل والخارج.

ويعتقد هؤلاء الثلاثة أن الاستجابة الكاملة لقرار عبدالمهدي هيكلة وضبط سلوك قوات الحشد الشعبي قد تحميها من العقوبات الأميركية.

وقال الفياض في رسالة وجهها إلى عبدالمهدي إن هيئة الحشد أنجزت هيكلية منسجمة مع الأمر الديواني الذي أصدره رئيس الحكومة مطلع الشهر الماضي، مشيرا إلى إلغاء مكاتب الهيئة في المحافظات كافة.

ويرى أن الأمر الصادر عن عبدالمهدي “يدعم قوات الحشد الشعبي”. لكنه يرى أن استكمال هذه الإجراءات يتطلب شهرين إضافيين لصعوبتها.

وأكد الفياض “معالجة جميع مشاكل منتسبي الحشد السابقين الذين ادعوا انتسابهم إليه، كما تم تحديد معسكرات الحشد الشعبي ومواقع إقامة المقاتلين”.

وبخصوص عقوبات الخزانة الأميركية المفروضة على قياديين في ميليشيا الحشد، بيّن الفياض أن “مسار مأسسة الحشد لا علاقة له بالعقوبات الأميركية”، معبرا عن رفضه لتلك العقوبات.

ويقول مراقبون إن حرص الحشد الشعبي على أخذ أوامر عبدالمهدي بهذا القدر من الجدية، يعكس التفاهم الكبير بين رئيس الحكومة وبعض أبرز قيادات الحشد الموالية لإيران، على صيغة للخروج من ملف العقوبات الأميركية بأقل الأضرار، انطلاقا من ندرة الخيارات الإيرانية، حاليا، إزاء هذه التطورات.

ويراهن عبدالمهدي على أن إيران ربما لن تجازف الآن بالضغط من أجل الحفاظ على وضع الحشد الشعبي المنفلت، لأن ذلك قد يدفع الولايات المتحدة إلى تشديد الخناق على قادته، عبر شمولهم بالعقوبات.

وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع ترقب الأوساط السياسية صدور قائمة أميركية جديدة للعقوبات، تتضمن شخصيات عراقية، ربما يتصدرها الفياض.

ويقول مقربون من الفياض إن رئيس هيئة الحشد الشعبي، الذي حافظ على علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، يعتقد أن اسمه سيوضع على لائحة العقوبات، بسبب صلته بالمهندس، وليس لخروقات تورط فيها، ما يعزز فرضية انفصالهما خلال الشهور القليلة القادمة.

وقبل العقوبات الأميركية كان التنافس بين قيادات الحشد يدور حول التقرب من إيران وتنفيذ برنامجها المتشدد، لكن اليوم وبعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على اثنين من القيادات الثانوية يدور ذلك التنافس حول المسافة الصورية التي يجب أن تكون حجة في النأي عن الموقف الإيراني.

ويرى الكاتب العراقي فاروق يوسف أن عددا من قيادات الحشد يحاولون أن يبعدوا كابوس العقوبات من منامهم رغم أنه ما من شيء يؤكد أن واشنطن ماضية في فرض العقوبات على قيادات الصف الأول في الحشد.

وتحاول تلك القيادات إظهار توافقها مع الحكومة التي هي أضعف من أن تفرض أمرا في محاولة لتمرير الوقت في انتظار مرور العاصفة.

وقال يوسف في تصريح لـ”العرب” إن المواقف الداعية إلى التهدئة مع الحكومة لا تتخذ إلا بالتنسيق مع الجانب الإيراني الذي يبدي نوعا من المرونة في ما يتعلق بالوضع الداخلي في العراق، ذلك أن فرض المزيد من العقوبات على الموالين لها في العراق ليس في مصلحة طهران.

وتوقع أن يتم التخلص في المرحلة المقبلة مما يُسمى بالقيادات المتشددة وفي مقدمتها المهندس، الرجل المقرب من قاسم سليماني، القيادي في الحرس الثوري، وأن التضحية بالمهندس مطلوبة من أجل خلط الأوراق وتشتيت الأنظار في مرحلة عصيبة.

وأضاف أنه من الثابت أن تنفيذا حرفيا لقرارات عبدالمهدي لن يجد طريقه إلى النور، لا الآن ولا في مرحلة مقبلة، فالحشد الشعبي هو على المستوى العراقي هيئة مستقلة أما على المستوى الإيراني فهو أحد فصائل الحرس الثوري. لذلك من غير المعقول أن يوضع فصيل إيراني مسلح تحت سلطة الحكومة العراقية.

العرب