هل تقطع واشنطن شعرة “ظريف” نهائياً مع طهران؟

هل تقطع واشنطن شعرة “ظريف” نهائياً مع طهران؟

بات من المؤكد لدى قطاع واسع جداً من الإيرانيين حتى المعارضين، والمنتقدين تحت سقف النظام، أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب لا تريد الحوار وتسعى للمواجهة العسكرية مع إيران ولو بعد حين، أي بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل إذا أفضت إلى إعادة انتخاب ترامب.

وقد عزز هذا الاعتقاد، فرض ترامب بأمر تنفيذي إلى وزارة الخزانة، عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي اعتبر الخطوة “صبيانية” تكشف أن الإدارة الأمريكية تكذب حين تتحدث عن الحوار بينما هي تُمارس الغطرسة وتنتهك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ولا تعير اهتماماً حتى لأقرب حلفائها الأوروبيين وتحديداً بريطانيا.

وكتب ظريف في تغريدة الأربعاء الماضي: “أمريكا فرضت الحظر عليّ بصفة المتحدث الرئيس لإيران في أنحاء العالم” متسائلاً: “هل الحقيقة مؤلمة إلى هذا الحد؟” ومقللاً من أهمية هذه العقوبات وتأثيرها عليه وعلى عائلته “لأنه لا أملاك أو مصالح” لهم خارج البلاد، وذلك تعليقاً منه على ما قالته الخزانة الأمريكية إن العقوبات عليه تشمل تجميد أصوله لديها ومعاقبة من يدعمه ماليا، وقال متسائلاً “مع من ستتفاوض واشنطن؟”.

ولَم يقف الموقف الأمريكي من ظريف عند فرض العقوبات بل تعداها للحساب الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية بالفارسية على تويتر ليستخدم مصطلحات فارسية تنطوي على إهانة شخصية للوزير ظريف الذي قاد فريق بلاده المفاوض مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وتوصل معها إلى خطة العمل المشترك الشاملة للمسألة النووية الإيرانية، أبعدت شبح الحرب وكان يمكن أن تؤدي إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين واشنطن وطهران.

“غاندو”

وقد رفض معظم الإيرانيين في الخارج على وجه الخصوص، العقوبات الأمريكية على ظريف وأطلقوا هاشتاغ “كلنا ظريف” منددين بالخطوة الأمريكية التي رفضها الأمين العام للأمم المتحدة والدول الأوروبية خصوصاً بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لكن جماعة أصولية متشددة في الداخل بدت وكأنها سعيدة بالعقوبات ويتهمها البعض ومنهم السفير الإيراني في لندن حميد بعيدي نجاد بأنها مهدت لهذه العقوبات وشجعت ترامب عليها.

وكتب حميد بعيدي نجاد، على حسابه في “تويتر” يوم الخميس: “لقد تراجع الأمريكيون عن موقفهم المرة السابقة، بعد رد فعل عالمي حاد عندما أرادوا حظر الدکتور ظريف. نأمل أن إهانات مسلسل “غاندو” لم تكن قد ضللت الأمريكيين” مشيرًا إلى “الإهانات” التي يواجهها الوزير ظريف في ثنايا المسلسل الإيراني المثير للجدل “غاندو” والتي تسببت في شكوى ظريف للمرشد آية الله خامنئي ملمحاً بتقديم استقالته.

وخلال الأيام القليلة الماضية، واجهت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون انتقادات من بعض أعضاء حكومة الرئيس حسن روحاني بسبب بث مسلسل “غاندو” حيث إنهم ينظرون إلى هذا المسلسل الذي بثته القناة الإيرانية الثالثة على أنه هجوم على الحكومة. وتدور قصة المسلسل حول أحداث أمنية في إيران وقضايا تجسس، وتصوّر شخصية ظريف، على أنها “شخصية سياسية مخترقة تميل للغرب” ووزارة الخارجية الإيرانية على أنها “جهاز يعمل ضد المؤسسات الأمنية والمصالح الوطنية”.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي الإثنين الماضي، إن ظريف بعث بالفعل برسالة إلى آية الله خامنئي، مشتكياً من مضمون المسلسل والصورة التي يقدمها عنه وعن الخارجية، لكن موسوي دعا إلى ضرورة أن تكون هناك آذان صاغية لموقف المرشد الصادر في هذه المسألة. وجاء في رسالة ظريف إلى قائد البلاد أنه “في حال كان جزء من هذه الاتهامات صحيحاً، فإن مواصلة مهامي وزيراً للخارجية لا تجوز شرعا”. ورد خامنئي على ظريف بالقول: “إنني لست راضيا بالمطلق عن توجيه أي إساءة لك”.

كان لافتاً أن كتّابا وصحافيين إيرانيين مقيمين في الخارج دافعوا في مقابلتهم التلفزيونية عن ظريف، الذي في المقابل تعرض إلى هجوم حاد من بعض المحسوبين على التيار الاصولي في الداخل الذين ربطوا بين “إهانات” واشنطن لظريف وبين ما سموها “الإرادة الإلهية” وأنها حتمية من ربط مصيره بأمريكا، محملينه مسؤولية إبرام الاتفاق النووي ومآلاته السيئة وعودة العقوبات التي قد تؤدي إلى الحرب … ولو بعد حين!

نذر الحرب

وعلى وقع العقوبات على ظريف، يتجه الوضع إلى التصعيد بين أمريكا وإيران ما ينذر باشتعال أوار حرب لا تبقي ولا تذر في المنطقة، في ظل سيطرة الصقور على إدارة الرئيس الأمريكي وإمكان جره إلى مواجهات لا تحمد عقباها، تستمر الوساطات من كل حدب وصوب، وبرزت الوساطة العراقية على إيقاع الوساطة العمانية التي تبدو شاملة يرفدها دخول رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان على الخط لكن بعيداً عن الأضواء والذي كان في زيارة إلى واشنطن وأبلغ ترامب بما لديه من معلومات خاصة عن إمكانية إيران وما يمكن أن يحصل في عموم المنطقة والعالم فيما لو وقع ما لم يكن في الحسبان. وتقول إيران إن قواتها المسلحة على أهبة الاستعداد وإن الانتشار العسكري الأمريكي لا يشكل تهديداً بل فرصة لها، خصوصاً وأن حلفاءها في المنطقة وعلى رأسهم عبد الملك الحوثي نجح في استهداف الدمام بصاروخ عبر فوق رؤوس الأمريكيين والسعوديين وتجاوز الرياض إلى ما بعدها ليصل الدمام بما تعنيه من النفط وأرامكو والقواعد الأمريكية.

وليست مصادفة أن تختار حركة أنصار الله تنفيذ عملية مزدوجة في العمق السعودي واستهدفت أيضا عرضاً عسكرياً في عدن، بعد ساعات على فرض واشنطن عقوبات على ظريف، وبعد اجتماع ضم الأربعاء بريطانيا والولايات المتحدة في البحرين لبحث تأمين الملاحة في مضيق هرمز وقد جاء فيما كان وفد عسكري إماراتي رفيع يتفق في طهران على التنسيق والتعاون في الحدود البحرية المشتركة. ولأول مرة تبادر وسائل الإعلام السعودية والرديفة في الخارج، إلى نقل أعداد القتلى المرتفعة (في عدن) بعد القرار الإماراتي اللافت في التحول إلى السلام بعد استراتيجية الحرب في اليمن، وبعد رفض الإمارات توجيه الاتهام لإيران في عملية الفجيرة واستهداف ناقلات النفط في مياهها الإقليمية وحتى الدولية والتي قد تستمر ويبقى الفاعل فيها مجهولاً، ما يعني أن حرباً وشيكة تومض في المنطقة بشكل أكثر سطوعا من أي وقت مضى. وأن قطع سبل التواصل المباشر بين إيران وأمريكا التي يسمح بها حضور رئيس الدبلوماسية الإيرانية إلى اجتماعات دولية تعقد في نيويورك، يعزز من احتمالات التصعيد والهجمات الاستفزازية بين إيران وأمريكا، ويقرب من الحرب رغم أن الطرفين يعلنان أنهما لا يرغبان بها.

القدس العربي