“غاز المتوسط” يهدد تركيا بالعقوبات الدولية

“غاز المتوسط” يهدد تركيا بالعقوبات الدولية

ليس مضيق هرمز هو مسرح النزاع البحري الوحيد المرتبط بإمدادات الطاقة، فكما بدت إيران مُهددةً لأمن “الملاحة النفطيَّة” بالخليج العربي الغني بالنفط، تلعب تركيا دوراً موازياً بمنطقة شرقي البحر المتوسط، التي تشهد طفرةً في اكتشافات الغاز الطبيعي، حسب مراقبين.

جولات مصرية وقمة سابعة
وسط ما اعتبرته قبرص وأوروبا “عدواناً” على سيادة إحدى دول الاتحاد الأوروبي، الذي فرض عقوبات على تركيا لتنقيبها غير القانوني عن الغاز بالمنطقة الاقتصاديَّة الخالصة لقبرص، اتفقت مصر واليونان وقبرص على عقد القمة السابعة لآلية التعاون الثلاثي بينهما في القاهرة نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بعد جولة لوزير الخارجية المصري للبلدين، إذ تسعى اليونان مع تشكيل حكومتها الجديدة إلى البحث، بصورة عاجلة، عن صفقات لتحديث أسطولها الحربي، بهدف حماية حقول الغاز من الاستفزازات التركيَّة.

بعد أسبوعٍ من استضافة القاهرة الاجتماع التأسيسي الثاني لمنتدى غاز المتوسط بمشاركة وزراء الطاقة من الدول السبع الأعضاء، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، واُستبعدت منه تركيا بطبيعة الحال، زار وزير الخارجية المصري سامح شكري كلاً من اليونان وقبرص، وهي زيارة جاءت بعد تشكيل حكومة كرياكوس ميتسوتاكس رئيس وزراء اليونان.

وزير الخارجية المصري سلَّم رئيس وزراء اليونان رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكدت “تطلُع مصر لاستضافة القمة السابعة لآلية التعاون الثلاثي بين مصر واليونان وقبرص في القاهرة قريباً، لترجمة إرادة الدول الثلاث المشتركة إلى مزيدٍ من الخطوات العمليَّة”.

الاستفزازات التركية
اجتماعات شكري في اليونان، التي تضمنت استعراض مجمل التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشرقي المتوسط، وعلى رأسها ما تصفه البلدان بـ”الاستفزازات التركية”، شملت أيضاً إعلاناً مشتركاً مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس يحث تركيا على وقف الاستفزازات في المنطقة واحترام القانون الدولي.

واتهم وزير خارجية اليونان تركيا بتقويض الأمن في شرقي البحر المتوسط بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة قبرص، وقال في ختام مباحثاته مع نظيره المصري إن “أفعال تركيا غير القانونية، التي تتحدى القانون الدولي، تهدد الأمن في المنطقة. وتستحق الإدانة قطعاً”.

عقوبات دوليَّة
وفرض الاتحاد الأوروبي سلسلة عقوبات على تركيا بسبب مواصلة التنقيب “غير الشرعي” عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وشملت تخفيض وقطع مساعدات من الاتحاد والمؤسسات الأوروبية، وتقليص حواره العالي المستوى مع تركيا، وتعليق المفاوضات مع أنقرة حول اتفاق للنقل الجوي الشامل.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لتوسيع العقوبات ضد أنقرة في حال واصلت “خرق حقوق قبرص السيادية”.

فيما أعلن بنك الاستثمار الأوروبي أنه سيوقف أنشطة الإقراض للمؤسسات التابعة إلى الحكومة التركيَّة حتى نهاية العام الحالي، بينما يُعيد تقييم استراتيجيته في البلاد خلال هذه الفترة.

إصرار تركي
مجلس الأمن القومي التركي، من جانبه أكد أن أنقرة مصممة على حماية حقوق ومصالح تركيا و”جمهورية شمال قبرص التركية”، غير المعترف بها دولياً، وتأكيد أنقرة إرسال سفينة رابعة للتنقيب عن الغاز في المياه القبرصية.

واتفق وزيرا خارجية قبرص ومصر، خلال الاجتماع الذي عقد بينهما في نيقوسيا، على “توسيع التعاون الثلاثي بين قبرص واليونان ومصر ليشمل دولاً أخرى بالمنطقة حول موضوعات محددة”، واتفق الجانبان أيضاً على تزويد آلية التعاون الثلاثي بالأدوات اللازمة لمواصلة تطوير الإمكانات والفرص المشتركة، وتقرر إنشاء أمانة دائمة للشراكة الثلاثية، ومقرها قبرص.

منتدى غاز المتوسط
وذكر تحليل لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية أن “سلوك تركيا العدواني في شرقي المتوسط جعلها في عداء مع كل جيرانها بهذه المنطقة”، فيما نجحت مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وفلسطين والأردن وإيطاليا في تشكيل منتدى غاز شرق المتوسط بالقاهرة لتطوير تعاون مشترك وتعزيز البنية التحتية اللازمة لدفع ثورة الطاقة إلى الأمام، واستبعدت المجموعة تركيا بشكل واضح، التي لم تقم بأي اكتشافات للغاز في المياه الخاصة بها حتى الآن.

واعتبر التحليل الذي أعدَّه كينيث جونسون أنه حتى الآن “لم تتأثر عملية تطوير موارد الغاز في شرق المتوسط بالسلوك التركي”.

وقال سايمون هندرسون، في تقرير بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بعد أن “أعلنت حكومة قبرص وتحالف تقوده شركة (نوبل أنرغي)، ومقرها تكساس، في يونيو (حزيران) الماضي، اتفاقاً بشأن عقد استغلال حقل (أفروديت) للغاز الطبيعي الذي يقع على بُعد 100 ميل جنوبي الجزيرة، تحرَّكت تركيا للبحث عن حقوق المستوطنين في المنطقة الشمالية، التي يحتلّها الأتراك من الجزيرة”، فيما تُشجّع واشنطن “منتدى غاز شرق المتوسّط” الجديد القائم بالقاهرة من أجل التعاون في مشروعات الطاقة، على الرغم من أن لبنان وتركيا لم تُدرجا بعدُ في المنظمة.

وزير الخارجية المصري سامح شكري يلتقي رئيس الوزراء اليوناني بأثينا ويسلمه رسالة الرئيس السيسي (الموقع الرسمي لوزارة الخارجية المصرية)

وأشار هندرسون إلى “أن الولايات المتحدة تتحرَّك في سبيل دعم منتدى غاز المتوسط كوسيلة لدعم عملية السلام بالشرق الأوسط”.

بدوره، قال السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق والأمين العام السابق لاتفاقية الشراكة المصرية – الأوروبية، لـ”إندبندنت عربية” إن “مصر بادرت بإنشاء واستضافة منتدى غاز المتوسط لمواجهة محاولات منازعتها في هذا الملف، وفي إطار طموحها لكي تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة”.

وأكد أن “بلاده تدعم حقوق وسيادة قبرص أمام التحرَّكات غير الشرعية لتركيا”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان التوجه المصري في هذا الصدد”.

وأوضح “أن دعم واشنطن ينبع من رغبتها في تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي المقبل عبر تركيا، لوجود مشكلات كثيرة وتوترات في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا بتركيا وروسيا من جانب آخر، لا سيما بعد صفقة صواريخ (أس – 400) الروسية والتوتر الذي أحدثته تركيا في شرقي المتوسط”.

وأكد أن “قبرص، ومن خلال تحالفاتها، ودعم أوروبا وأميركا ومصر وكثير من دول الجوار قادرة على مواجهة تركيا”. مشيراً إلى أن “أنقرة لا يمكنها أن تعادي الجميع، ومعادلات الطاقة في شرقي المتوسط تجمع مصالح كثير من الدول، والسلوك التركي ليس له أي أساس قانوني”.

خلال الشهور الأخيرة أرسلت تركيا ثلاث سفن للتنقيب عن النفط قبالة السواحل القبرصيَّة، ترافقها فرقاطة حربيَّة وسفن مسلحة وطائرات استطلاع، كما سبق أن منعت سفناً لشركة إيني الإيطالية من مواصلة أنشطتها قبالة سواحل قبرص، وهو ما دفع إيطاليا إلى إرسال فرقاطاتها الحربية إلى المنطقة.

تركيا أيضاً المعروفة بقيامها بانتهاك الأجواء اليونانية بمقاتلاتها، قامت خلال شهر مايو (أيار) الماضي بأكبر مناورات بحرية في تاريخها، تحت مسمى “ذئب البحر 2019″، شملت أنشطة في شرقي المتوسط بالتزامن مع إرسال سفن التنقيب والتوتر المتصاعد مع قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي، وتضمنت التدريب على سيناريوهات مستوحاة من فترات الأزمات والتوترات والحروب، والتدريب على عمليات ضرب أهداف على سطح الماء، بما في ذلك بواسطة طائرات مسيرة.

أميركا تدعم تحالفات الطاقة
وكشفت “مجلة الدفاع الأسترالية” عن عملية تفاوض بين أستراليا واليونان لإمداد أثينا بسفن حربية لاستخدامها في حماية حقول الغاز من الاستفزازات التركية، إذ أوضحت أن “اليونان تسعى بشكل عاجل لامتلاك فرقاطات جديدة للقيام بدوريات وحماية حقول الغاز حول قبرص في ظل التوترات المتصاعدة مع تركيا”.

وذكرت المجلة أن “هذه الخطوة ستكون مؤقتة ومرحلية لحين الاتفاق مع الولايات المتحدة على بناء سفن حربية أخرى لليونان محلياً، في ضوء سعي شركة يونانية أميركية لشراء حوض بناء السفن (سيرون) باليونان”.

وأكد التقرير أن “الولايات المتحدة توجّه حاليا دعمها إلى تحالفات الطاقة في شرقي المتوسط بين اليونان وقبرص وإسرائيل، وبين اليونان وقبرص ومصر، ضمن مساعي واشنطن في مواجهة نفوذ موسكو المتزايد في البلقان”.

ومن المقرر أن يشارك مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة فرانسيس فانون، الذي زار مصر مؤخراً، في اجتماع ثلاثي لوزراء الطاقة اليوناني والإسرائيلي والقبرصي في أثينا، في الـ7 من أغسطس (آب) الحالي، وذلك في إطار التعاون بين الأطراف الثلاثة لإنشاء خط الأنابيب “إيست ميد”، الذي وصفه وزير الطاقة اليوناني بـ”الحيوي” بالنسبة إلى أمن الطاقة بأوروبا.

ويأتي ذلك فيما يتوقّع أن تقوم فرنسا بأنشطة بحريَّة لحماية عمليات تنقيب شركة “توتال” الفرنسيَّة عن الغاز قبالة سواحل قبرص، حسبما أعلن مسؤولون فرنسيون، خصوصاً بعد اتفاق التعاون بين البلدين عسكريا، وُقّع في مايو (أيار) الماضي، وبما يشمل حماية شركات النفط الفرنسيَّة العاملة في تلك المنطقة وتعزيز قدرات القوات المسلحة القبرصيَّة، والتعاون في توسيع قاعدة “ماري” البحرية الواقعة بالقرب من ميناء لارنكا القبرصي، بما يسمح لها باستيعاب سفن حربية أكبر حجماً، وجاءت تلك الاتفاقية بعد شهر من زيارة حاملة الطائرات الفرنسيَّة شارل ديغول المياه القبرصية في أبريل (نيسان) الماضي.

اللواء محمد الشهاوي مستشار كلية القادة والأركان بأكاديمية ناصر العسكرية العليا يقول، في تصريحات خاصة، “إن البحرية المصرية، التي تطوَّرت كثيراً خلال السنوات الأخيرة، قادرة على حماية الأهداف الاقتصادية في المياه الإقليمية المصرية”.

وأشار إلى أن “مصر تتعاون مع اليونان وقبرص عسكرياً من خلال التدريبات البحريَّة الجويَّة التي تجرى سنوياً، وعلى رأسها تدريب (ميدوزا) الذي تنفّذه عناصر من القوات البحرية والجوية والقوات الخاصة لكل من البلدان الثلاثة، بما في ذلك حاملتا المروحيات أنور السادات وجمال عبد الناصر طراز (ميسترال)، واللتان تساهمان في حماية حقول الغاز المصرية بالمتوسط”.

اندبندت