مصير نيسان هو خير مؤشر على الأذى الذي سيلحقه بريكست بمناطق شمال بريطانيا

مصير نيسان هو خير مؤشر على الأذى الذي سيلحقه بريكست بمناطق شمال بريطانيا

كنتُ طفلة تبلغ من العمر سنتين فقط عندما جاءت مارغريت ثاتشر إلى الدائرة الانتخابية التي ولدتُ وترعرعتُ فيها. حدث ذلك عام 1986 وكانت ثاتشر تفتتح مصنع سيارات نيسان، لأن “المملكة المتحدة”، على حد قولها، “كانت الأكثر جاذبية في أوروبا بأكملها – من الناحيتين السياسية والاقتصادية – للاستثمار على نطاق واسع وكانت تقدم أعظم الإمكانيات”.

لم أتحسر في يوم من الأيام على أي شيء مرتبط بمارغريت ثاتشر. كيف لي أن أفعل ذلك، بالنظر إلى الأضرار التي أحدثتْها؟ خلال حكمها، اختفى بناء السفن أخيراً من نهر “وير” وأضر إغلاق المناجم بالمجتمعات المحلية عبر شمال شرقي البلاد. لقد تمت خسارة ثلاثين ألف وظيفة خلال عهدها في مدينتنا وحدها. لقد كانت ضربة قاسمة. كان التعدين وبناء السفن أكثر من مجرد صناعات: لقد مثّلت المجتمعات، والهويات، والمستقبل المتوقع لها. كانت تلك المجتمعات متماسكة، تعمل بجد، لكنها منفتحة على العالم.

إن نمو مصنع نيسان، وصناعة التكنولوجيا ومراكز الاتصالات الناشئة لدينا، قد وفرت لنا فرص عمل، ولكن ليس الكثير منها. الآن، أعلنت الشركة للتو عن خفض عدد الوظائف على مستوى العالم بمقدار 12.500 وظيفة – تاركة مصير موظفيها البالغ عددهم 7000 في سندرلاند مُعلقاً في الهواء.

مع ذلك، يبدو الآن أن رئيس وزرائنا الجديد ينوي إتمام ما بدأته ثاتشر واتخاذ خطوات لم تحلم بها الزعيمة السابقة. يفيد تحليل أجراه ’مكتب مسؤولية الميزانية‘، وهو هيئة رقابية مستقلة لخطط الإنفاق الحكومي، أن الخروج بدون صفقة سيدفع اقتصاد المملكة المتحدة إلى ركود لمدة عام وقد يخلف فجوة بقيمة 30 مليار جنيه استرليني في الميزانية العامة.

ولم يكن هذا حتى أسوأ سيناريو اكتشفوه. سيكون بوريس جونسون سعيداً بفرض صعوبات اقتصادية على الناس في دائرتي الانتخابية كي يتعامل مع الفصائل المتطرفة داخل حزبه. بالنسبة إلى حزب المحافظين، فإن فرص العمل ومصادر الرزق في سندرلاند ليست من الأمور التي يهتم بها: إنها أوراق يقامر بها ويضعها على المحك من أجل مصلحته الثانوية.

أولئك الذين يدعمون مغادرة أوروبا بدون صفقة – وهو احتمال نادراً ما تم التطرق إليه في عام 2016 – سيطلقون على هذه النُذُر الرهيبة اسم ’الخوف من المشروع‘. لكن ليس من الجبن أن تخاف من أشياء جليّ أنها كارثية أو تلك التي تـُظهر عدم ثقة بشعبنا وبلدنا. إنه رد فعل عقلاني. عندما أقول لأطفالي ألا يضعوا أيديهم على الفرن لأنها ستحترق، فأنا لا “أتذاكى على أولادي”. عندما أحذر أصدقائي من فعل شيء متهور في حمأة اللحظة، أفعل هذا لأنني أهتم لأمرهم، وليس لأنني لا أثق بهم أو عاجزة عن فهم دوافعهم.

أنا مذعورة جداً مما قد يعنيه الخروج بدون صفقة للعاملين في سندرلاند وفي الشمال الشرقي. كل الدلائل تشير إلى أن الضرر سيلحق بمنطقتنا أولاً وسيكون الأشد. تتعرض صناعة السيارات لدينا بشكل خاص لخطر التأخير على الحدود والمعاملات الإدارية التي لا نهاية لها وارتفاع الرسوم الجمركية وتكاليف التجارة. في الواقع، لقد بدأنا بالفعل نشهد التأثير الهائل لبريكست مع خسارة الاستثمارات والفرص، مع تخلي نيسان عن إنتاج سيارات ’إكس تريل X-Trail‘ في سندرلاند وتقليص آلاف الوظائف.

لهذا السبب أرحّبُ بموقف حزب العمال الجديد المتمثل بدعم استفتاء “القول الفصل”، حيث سنشن حملة للبقاء في الاتحاد الأوروبي تماشياً مع قيمنا المتجسدة في الدولية والديمقراطية والحرية والتضامن. لهذا السبب أنا أؤيد التصويت الشعبي في الشمال، الذي يسعى إلى زيادة دور منطقتنا في إنهاء أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولهذا كنت فخورة بالانضمام إلى مئات الناشطين في مركز ’بيكون أوف لايت‘ (معلمة النور) في سندرلاند في وقت سابق من هذا الشهر، الذين كانوا يطالبون بالتصويت الشعبي.

لا يهدف هذا التحرك في أي جزء منه إلى تجاهل مخاوف أولئك الذين صوتوا لصالح المغادرة في عام 2016. أراد الناس مستقبلاً أفضل لعائلاتهم. إن الحكومة التي دعت إلى إجراء استفتاء يُبقي الأمور على حالها، بعد سنوات من ركود الأجور، وتدني مستويات المعيشة، والخدمات العامة المتدهورة، لم يكن من المفترض أن تتوقع حصولها على تأييد. إن قيادة حزب المحافظين التي أمضت عقدين من الزمن في التقليل من شأن الفوائد التي جلبها لنا الاتحاد الأوروبي، لم يكن عليها أن تنتظر منا أن نصدقها عندما قالت الحقيقة في النهاية.

لكن الواقع في عام 2019 بعيد جداً عن الوعود التي قُطعت في عام 2016 من قبل بوريس جونسون وزملائه. ينبغي علينا جميعاً أن نكون واضحين حول ما إذا كنا نريد المضي قدماً مع أي شكل من أشكال الخروج التي من شأنها الإضرار أولاً وبصورة أشد بمجتمعات مثل مجتمعاتنا، ويُلحقها بنا رئيسُ وزراء غير مفوض للقيام بذلك.

لأنني، وعلى عكس حكومة ثاتشر أو حكومة جونسون هذه، لن أقف جانباً وأراقب صناعاتنا تتحول إلى تاريخ. لن أدع مجتمعنا يواجه البؤس الذي أعقب عمليات إغلاق المناجم وباحة بناء السفن. لن أتسامح مع إيذاء منطقتنا بسبب الركود لأن الحكومة تخاف من أتباعها الهامشيين. سأقاتل بكل ما أوتيت من عزم من أجل مستقبل أفضل لساندرلاند.

لقد أوصلنا الاستفتاء إلى هذه الفوضى، والآن يستطيع الاستفتاء وحده أن يخرجنا منها. لقد آن الآوان كي يصوت الناس: لقد حان الوقت لتصبح أصواتنا جميعاً مسموعة.

تنظم حملة “صوت الناس – دعونا نُسمع أصواتنا” – سلسلة من المسيرات خلال الصيف للاحتجاجات الديمقراطية في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وستبلغ ذروتها في مسيرة في لندن في 12 أكتوبر/تشرين الأول.

اندبندت