فنزويلا… منجم الذهب لحزب الله

فنزويلا… منجم الذهب لحزب الله

في التاسع من يوليو (تموز) الماضي، صدر بيان مفاجئ عن وزارة الخزانة الأميركية تعلن فيه أنها “وضعت ثلاثة من قيادات حزب الله على قوائم العقوبات، هم رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب في البرلمان اللبناني محمد رعد والنائب أمين شري، ومسؤول جهاز الأمن في الحزب وفيق صفا”. وكانت المرة الأولى التي تطال فيها العقوبات الأميركية شخصيات نيابية من الحزب بشكل مباشر.

وفي ظل تصاعد العقوبات الاقتصادية على إيران الممولة الأساسية للحزب، يطرح سؤال بديهي من أين يؤمّن الحزب سيولته النقدية ليصرف رواتب محازبيه؟ وكيف يغطي نشاطاته اليومية التي تتطلب وفراً مالياً هائلاً يومياً؟

يقول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الذكرى الـ 30 لتأسيس هيئة دعم المقاومة الإسلامية في 8/3/2019 “بعض الناس يتصور أن هذه المقاومة فقط هي قائمة بناء على دعم بعض الأصدقاء وفي مقدمهم الجمهورية الإسلامية في إيران أو بعض المتمولين، لكن هناك مساحة كبيرة تعتمد على دعم الناس، هنا نتحدث عن الأب والأم، وأولاد المدارس وأبناء وبنات الشهداء الذين يضعون في كل صباح في “قجة المقاومة” مبلغاً من المال وعلى مدى السنة”.

مداخيل “حزب الله” ما زالت مرتفعة

وأضاف نصر الله أن هذا الدعم تواصل “حتى في المراحل التي بدا أن المقاومة تملك إمكانات مالية كبيرة”.

ومع أن نصر الله حرص على أن يظهر بصورة من يتقي هذه العقوبات عبر التوجه إلى المحازبين والمناصرين بالدعوة إلى التبرع باعتباره نوعاً من أنواع الجهاد، والاعتراف بالحرب الاقتصادية المقامة ضد الحزب، إلا أن المصادر تعتقد أن مداخيل حزب الله ما زالت مرتفعة، وان العقوبات الأميركية عليه وإن أثرت، فليس بشكل كبير.

عمل حزب الله على إنشاء مؤسسات منذ الثمانينيات، وهي “جهاد البناء” و”شركة وعد” و”القرض الحسن” و”النية الحسنة الخيرية”، وهي تابعة للأخيرة وكانت تعمل على أراضي الولايات المتحدة، ولعبت دوراً محورياً في تأسيس البنى التحتية المالية لحزب الله، وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد حظرت أعمالها منذ العام 2007، واعتبرت أن منظمة “القرض الحسن” ليست إلا واجهة لحزب الله، والذي كان يدير أعمالها حينها المدعو حسين الشامي.

طرق نقل أموال حزب الله؟

ويقول مصدر مراقب أن حركة نقل أموال حزب الله من إيران، ودول أميركا اللاتينية، وأفريقيا، إلى لبنان تحصل عبر مطار بيروت الدولي ومن سوريا براً، ويضيف “اذا ما تابعنا لائحة العقوبات التي تصدرها الولايات المتحدة الأميركية بشكل دوري، وراقبنا البلدان التي تنتمي إليها المؤسسات أو الأشخاص، لوجدنا أنها تغطي مساحة شاسعة جغرافياً من هذا العالم، يعني أن حزب الله لا يعتمد في تمويله فقط على إيران”، كما أن الحزب لا يعتمد في حركته المالية على الحوالات أو الحسابات المصرفية، حتى نواب ووزراء الحزب يتلقون رواتبهم نقداً من الدولة اللبنانية، وهذا معروف، واذا عدنا إلى كلام نصر الله في خطابه الأخير بعد العقوبات التي أُنزلت بنواب الحزب قال “بالنسبة إلينا هي معركة بيننا وبينهم وبالنسبة إلى الأخوة، لا أموال لديهم في البنوك وهي جزء من الحرب القائمة”.

العقوبات ما زالت دون التأثير المطلوب

وبالعودة إلى أسماء البلدان التي طالتها العقوبات في السابق وكانت قد صدرت في أبريل (نيسان) عام 2016، فهي على الشكل التالي:

عبدالله محمد يوسف، أسعد أحمد بركات (البرازيل)، حاتم أحمد بركات وفايز محمد بركات (باراغوي)، شركة بركات للتصدير والاستيراد (تشيلي)، علي زعيتر (الصين)، شركة “إيرو سكيون كو ليميتد” (هونغ كونغ)، مجموعة الإنماء للهندسة والمقاولات (لبنان)، شركة الإنماء للترفيه (لبنان)، شركة الإنماء لمشاريع السياحة (لبنان)، جمعية القرض الحسن (لبنان)، مؤسسة بيت المال (لبنان)، مؤسسة يُسر (لبنان)، سوبر ماركت أميغو (لبنان)، شركة بيبلوس ترافل إيجنسي (لبنان)، شركة “فاستلينك” وغاليري “بايج” وجمعية غودويل تشاريتابيل الخيرية (الولايات المتحدة)، هيئة دعم المقاومة الإسلامية (لبنان)، مؤسسة جهاد البناء (لبنان)، مؤسسة الشهيد (لبنان)، سوبرماركت “كيربا” وهشام نمر خنافر (غامبيا)، كامل أمهز (لبنان)، شركة تاجكو (لبنان)، منتجع ووندر وورلد (نيجيريا)، قاسم عليق (لبنان)، علي عطوي (لبنان)، علي موسى دقدوق الموسوي (لبنان)، محمد جبور (العراق).

هذه اللائحة إن دلت على شيء فعلى تعدد مصادر دخل حزب الله وعلى تنوع مموليه وجنسياتهم، ما يعني، إن استطاعت الولايات المتحدة أن تقطع له ذراعاً فلن تستطيع قطع أذرعه الممتدة إلى أماكن كثيرة حول العالم، وهذا ما دفعها إلى توجيه العقوبات مباشرة إلى نواب الحزب لأن الإدارة الأميركية تعي في مكان ما أن العقوبات ما زالت دون التأثير المطلوب.

عمليات تمويل حزب الله

يضيف المصدر “تعتبر دول أميركا اللاتينية ولا سيما كولومبيا، وفنزويلا، والمكسيك، وباراغوي النقطة الأهم في عمليات تمويل حزب الله، إضافة إلى أفريقيا وتحديداً جمهورية الكونغو، وجمهورية بنين، حيث يقوم الحزب بنشاطاته من عمليات تهريب المخدرات إلى تبييض الأموال، أما عن عمليات تحويل الأموال فتحصل عبر نقلها إما بالشحن عبر الطائرات، علماً انهم يسيطرون على المعابر جواً وبراً وبحراً، والتقارير الدولية تثبت ذلك، وإما براً عبر الطريق الدولية بين دمشق وبيروت، فهم إذ يستطيعون تهريب الأسلحة والصواريخ، ألن يستطيعوا أن يهربوا الأموال؟”.

ويتابع المصدر “كما أن الحزب يتمتع بمردود مادي من خلال تواجده على الأراضي السورية، عدا سيطرته على كل المعابر التي تربط سوريا بلبنان، فهو يسيطر على أسواق ومناطق، وما التقارير الواردة من هناك إلا إثباتاً لهذا الكلام، ومنطقة القصير أفرغت من سكانها السوريين الأصليين، وتملّك أراضيها وبيوتها متنفذون من حزب الله”.

كلام المصدر يتطابق مع ما كشفته صحيفة الـ El Tiempo الكولومبية والـ Panam Post البنمية وغيرهما من وسائل اعلام لاتينية، وبتاريخ 14 نوفمبر (تشرين الأول) 2018 تحت عنوان “EE.UU. e Israel descubren vínculos de testaferro de Maduro con Hezbolá” أي الولايات المتحدة وإسرائيل، تكشف عن صداقة رجل مادورو الأول مع حزب الله”، هذا الرجل هو أليكس صعب رجل الأعمال الكولومبي، وكشف التحقيق عن علاقة صعب مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو والذي قيل إنه رجله الأول، وكشفت التحقيقات التي امتدت حوالى سنتين لمكتب المدعي العام وDijin أي الانتربول الكولومبي، ممارسة صعب وأخويه أمين ولويس تجارة الأقمشة بمبالغ طائلة، وحسب التحقيقات، كانت عبارة عن تجارة وهمية إذ قام صعب بعمليات نقل كبيرة لأموال بين عامي 2011 و2014 بين كندا، وبريطانيا، والولايات المتحدة، وفنزويلا، ومع أن تجارته في بوغوتا العاصمة الكولومبية كانت مزدهرة إلا أنه اقفلها نهائياً عام 2016.

مكتب المدعي العام الكولومبي في ما يبدو كان في صلب تحقيق حول عمليات غسيل أموال، ولكن التعمق في التحقيقات أدى إلى ملاحقة صعب بوصفه أحد المستفيدين من الاستيراد غير القانوني للأغذية بتكلفة إضافية للبرنامج الحكومي الفنزويلي للجنة الإمداد والإنتاج المحلي، وكشفت التحقيقات أن صعب باع ما قيمته 200 مليون دولار أميركي من المواد الغذائية لفنزويلا، عقب مفاوضات وصفقة حملت توقيع مادورو وبكلفة إضافية. ويُعتبر صعب واحداً من أقوى رجال الظل في فنزويلا لذا يُمنع نشر أي معلومات عنه كما تبيّن أن علاقة تربطه بحزب الله.

وأظهرت التحقيقات أن لعمل صعب ارتباطاً بما كشفه كتاب Bumeran Chavez الذي يتضمن شهادة رافائيل عيسى، نائب وزير المال الفنزويلي ورئيس بنك التنمية الاقتصادية والاجتماعية(Bandes)، الذي كان حاضراً في الاجتماع الذي عقد في دمشق العام 2007، بين مادورو الذي كان حينها وزيراً للخارجية والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله جرى فيه توقيع اتفاق شمل الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وإمدادات الأسلحة وتسليم جوازات السفر، وكذلك نشر الخلايا لتلك المنظمة الشيعية المتطرفة في فنزويلا.

وكما تذكر الصحيفة، تعاونت فنزويلا مع حزب الله في قضية غازي نصر الدين (اسمه الحركي في “الحزب” “أبو علي”)، وهو ملاحق من قبل وزارة الخزانة الأميركية منذ عام 2008، وكان مطلوباً من الإنتربول، وشغل القائم بأعمال سفارة فنزويلا في دمشق، وجرت تسميته لاحقاً مديراً للشؤون السياسية في سفارة فنزويلا في لبنان، ومن ثم ظهر في البرازيل حيث أعلنت مصادر لمجلة فيغا Veja البرازيلية عام 2015 أن نصر الدين لديه شبكة من تصنيع وتوزيع جوازات سفر الفنزويلية الأصلية التي جرى توفيرها لإخفاء الهويات الحقيقية للإرهابيين، وتلك التحقيقات أظهرت اسم طارق العيسمي.

طارق العيسمي، نائب الرئيس الفنزويلي سابقاً، ووزير الصناعة، من أصل سوري، مدرج على قائمة الـ 10 المطلوبين الهاربين، بعد أن نشرت دائرة الهجرة والمراقبة الجمركية الأميركية (ICE) اسمه بعد اتهامه بـ “الاتجار الدولي بالمخدرات”.

وقال مارتن روديل، الخبير في قضايا الأمن المرتبطة بفنزويلا “يمثل العيسمي كوكتيلاً خطيراً جداً للأمن القومي للولايات المتحدة، وهو مهرب مخدرات تقليدي من جهة وعلى علاقة مع حزب الله من جهة اخرى”، ووفقاً للتحقيقات التي أجريت، منظمة العيسمي الإجرامية واحدة من الموردين الرئيسيين لشبكة المخدرات التي يديرها حزب الله في أوروبا.

وتابع روديل أن “الأموال المستمدة من مبيعات هذه المخدرات، ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح جزءاً من التمويل الذي يمتلكه حزب الله، ويستخدم في أنشطة تتراوح بين الهجمات الإرهابية والهجمات على إسرائيل”.

ولا يبدو أن العيسمي متورطً فقط في الإرهاب وإصدار جوازات سفر دبلوماسية للإرهابيين، بل كان سيسهل أيضاً شحنات المخدرات من فنزويلا، ووفقا لوزارة الخزانة الأميركية، سيطر العيسمي على الطائرات التي أقلعت من قاعدة جوية فنزويلية، بالإضافة إلى التحكم في طرق المخدرات التي غادرت الموانئ الفنزويلية.

وطور طارق العيسمي، وعلى مدى عقود، شبكة مالية متعددة المستويات تعمل كخط أنابيب للإرهاب الإجرامي لجلب المتشددين الإسلاميين إلى فنزويلا والبلدان المجاورة، وكذلك لإرسال أموال غير مشروعة من أميركا اللاتينية إلى الشرق الأوسط، “وفقاً للولايات المتحدة، فإن ما لا يقل عن 12 شركة في فنزويلا وبلدان أخرى في العالم كانت جزءاً من شبكة تهريب المخدرات”.

لعائلة العيسمي فروع

وكشفت مصادر استخباراتية أن فراس العيسمي، وهو شقيق طارق، ووفقاً للتحقيق، هو المسؤول عن تنفيذ العديد من العمليات، ومن بينها العمل على دخول مواطنين من أصل عربي إلى فنزويلا.

الشخصية الرئيسية في الشبكة هي حسام العيسمي، ابن عم طارق، ويعمل كمستشار للسفارة الفنزويلية في الأردن، ويلعب دوراً فعالاً في تقديم التأشيرات وجوازات السفر للأشخاص المرتبطين بتنظيم حزب الله.

وأخيراً، هناك هيفاء العيسمي، شقيقة طارق العيسمي، وسفيرة فنزويلا في هولندا وممثلة النظام أمام المحكمة الجنائية الدولية، وهي التي تهتم بالعلاقات في المحكمة الدولية لتجنب إجراء مزيد من التحقيقات ضد ديكتاتورية مادورو.

مادورو ينفي

ونشرت مجلة “فنزويلا” الأسبوعية بتاريخ 12 يوليو (تموز) الماضي وتحت عنوان “مادورو ينفي بأن يكون أحد وزرائه على علاقة بحزب الله”، كلاماً للرئيس الفنزويلي جاء فيه “أنا أعرف طارق (العيسمي) جيداً ولا مرة في حياته كانت له علاقة مع أحد من حزب الله”.

وذكرت قناة “أي بي سي” الاسبانية بتاريخ 7 يونيو (حزيران) الماضي، انه تم استدعاء طارق العيسمي إلى التحقيق مراراً وتكراراً كمسؤول عن دخول وتسوية “حزب الله” في فنزويلا، لأنه سهّل مشاركة الحزب في تجارة وتهريب المخدرات، ووزّع تأشيرات وجوازات سفر على أعضاء من الحزب الشيعي اللبناني وعناصر متطرفة أخرى عندما كان وزيراً للعدل والداخلية، بين عامي 2008 و2012.

“الخلايا النشطة”

وفي تحقيق نشرته الفورين بوليسي foreign Policy في التاسع من فبراير (شباط) 2019 تحت عنوان Hezbollah Is in Venezuela to Stay، يقول وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في إجابة على سؤال حول عدم الاستقرار الحالي في فنزويلا ووجود جماعات إرهابية فيها، وتحديداً حزب الله، وحيث أن إدارة دونالد ترمب تعتقد أن “الحزب”، يحافظ على “الخلايا النشطة” في فنزويلا، أجاب أن “الإيرانيين يؤثرون على شعب فنزويلا، لأن حزب الله جرى تدريبه وتمويله وتجهيزه من قبل طهران”.

ويتابع تقرير الفورين البوليسي أن الحزب اتخذ من جزيرة مرغاريتا الفنزويلية التي يقطنها كثيرون من الشيعة اللبنانيين مركزاً آمناً له، وأسس فيها بنى تحتية على مدى عقدين وطوال عهد هيوغو تشافيز واستمر مع الرئيس الحالي.

إن حزب الله له تاريخ طويل في فنزويلا، حلقة تهريب للكوكايين كانت نشطة طوال العقد الأول من القرن الماضي بقيادة مواطن لبناني مرتبط بالحزب يدعى شكري حرب، وهو تاجر مخدرات وغسيل أموال ويطلق عليه اسم “طالبان”، وخصوصاً في منطقة ثلاثية الحدود سيئة السمعة Tri Border، وهي منطقة شبه خالية من القانون تتلاقى فيها الأرجنتين وباراغواي والبرازيل.

وحسب تلك المعلومات، يبدو أن حزب الله بات يملك شبكة علاقات واسعة ما تجعله يؤمن استقلالية مادية قد تغنيه في المستقبل عن التمويل الإيراني.

وهذا ما جاء على لسان نصر الله نفسه “أنا قلت هذا في لقاء داخلي وجيد أن أقوله في الإعلام قبل شهرين، أنا لم اقل على التلفاز أيها الناس تعالوا لنجمع تبرعات لأطفال اليمن، مواقع الإنترنت، إذاعة النور، مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، قامت بنشاط خلال أسابيع قليلة وجرى جمع مبلغ مليوني دولار من هذا البلد لبنان البلد الصغير الذي فيه ظروف قاسية جداً، أنا استلمت هذا المبلغ وأوصلته إلى الأخوة المعنيين في اليمن”.

اندبندت العربي