ميليشيا النجباء لعبدالمهدي: الاصطفاف مع إيران أو السقوط السريع

ميليشيا النجباء لعبدالمهدي: الاصطفاف مع إيران أو السقوط السريع

تهديد الميليشيات الشيعية بإسقاط حكومة عادل عبدالمهدي في حال تناقض سياستها مع المصلحة الإيرانية يبيّن مدى ضعف حكومة بغداد وارتهانها لمعسكر الموالاة لطهران ويقيم الدليل مجدّدا على فشل طاقم الحكم العراقي الحالي في تطبيق الشعارات التي رفعها في بداية عهده بشأن سيادة القرار الوطني وإرساء علاقات متوازنة مع دول الجوار.

بغداد – حذّرت ميليشيا النجباء حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي من سقوط سريع في حال انتهجت سياسة غير ملائمة للمصالح الإيرانية.

ولا ترغب طهران، ومعسكرها في العراق، في أن تستجيب بغداد لمطلب واشنطن بالالتزام بتطبيق العقوبات الأميركية الصارمة على إيران وبضبط الميليشيات المسلّحة ومنعها من استهداف المصالح والقوات الأميركية على الأراضي العراقية.

وجاء طاقم الحكم العراقي الذي أفرزته انتخابات العام الماضي إلى السلطة رافعا لواء استقلالية القرار العراقي، وإحداث توازن في علاقات العراق ببلدان محيطه الإقليمي والدولي، بينما أظهر رئيس الوزراء عزما على ضبط سلاح الميليشيات وإخضاع فصائل الحشد الشعبي لإمرة الدولة، لكنّ أيا من الهدفين لا يبدو بوارد التحقّق على أرض الواقع.

فلا يزال العراق في عهد حكومة عبدالمهدي مرتبطا بعلاقة وثيقة وغير متوازنة مع إيران التي تمتلك في الداخل العراقي “حرّاسا” أشدّاء لنفوذها من قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الذين ساعدوا عبدالمهدي في الوصول إلى الحكم ويحتفظون بإمكانية إسقاط حكومته.

وحذّر نصر الشمري المتحدث باسم حركة النجباء التابعة للحشد الشعبي الحكومة العراقية من العمل ضد إيران، قائلا إنّ انتهاج تلك السياسة سيؤدّي إلى سقوط الحكومة في غضون أسابيع. وقال الشمري خلال لقائه مع عضو مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي في طهران إن “أي حكومة عراقية تعمل ضد إيران ستسقط”.

وتصنّف ميليشيا النجباء ضمن أكثر الميليشيات العراقية تطرّفا وولاء لإيران، وهي بمثابة المعادل العراقي لحزب الله اللبناني وبينهما صلات تنظيمية وثيقة وتنسيق عملي بشأن تهريب السلاح الإيراني إلى لبنان وسوريا عبر الأراضي العراقية. وسبق لوزارة الخزانة الأميركية أن صنفتها في مارس الماضي على لائحة الإرهاب وفرضت عقوبات على زعيمها أكرم الكعبي.

ودشنّت واشنطن مرحلة ضغط على الميليشيات والشخصيات العراقية الموالية لإيران بهدف تقييد حركتها والحدّ من سطوتها على الحكومة وقرارها السياسي والعسكري. وفرضت وزارة الخزانة الأميركية مؤخّرا عقوبات على قائدي فصيلين من الحشد الشعبي هما ريان الكلداني زعيم ميليشيا بابليون، وآمر اللواء 30 في الحشد الشبكي وعد القدو، بالإضافة إلى محافظ نينوى السابق نوفل العاكوب ومحافظ صلاح الدين السابق أحمد الجبوري بسبب تورّطهم في الفساد والاعتداء على حقوق الإنسان.

وتؤكّد مصادر مطّلعة أن قائمة العقوبات الأميركية ستتّسع في الفترة القريبة القادمة لتشمل الكثير من رموز معسكر الموالاة لإيران، وأنّ على تلك القائمة أسماء عدد من السياسيين الكبار وزعماء بعض أقوى الميليشيات.

ولا تخفي عدّة فصائل عراقية ولاءها لإيران وتطبيقها تعاليم قيادتها الدينية. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن الشمري قوله “إننا نفتخر بانتصارات إيران مثل جميع المسلمين، بل إنّ الأمّة العراقية تُعرّف الولايات المتحدة بالشيطان الأعظم وفقا لتعاليم الإمام الخميني”.

وأضاف أنّ “أميركا تمارس ضغوطا على العراق ليشارك بالعقوبات المفروضة على إيران، لكن العراق لن يشارك في هذه العقوبات بسبب الاشتراك في العقيدة والمرجعية والجغرافيا”.

وبحسب الوكالة ذاتها فقد اعتبر الشمري أنّ “إسقاط الطائرة الأميركية المسيرة من قبل إيران وإيقاف ناقلة النفط البريطانية، يؤكّدان أن الجمهورية الإسلامية مرّغت أنف الغطرسة الدولية بالتراب”، مضيفا “الولايات المتحدة تعتبر قوات الحشد الشعبي تابعة لولاية الفقيه بنيّة تشويه صورة الحشد الشعبي، لكنّ هذا شرف لنا”.

وبحسب متابعين للشأن العراقي فإنّ حديث الناطق باسم حركة النجباء من طهران يتضمّن تهديدا إيرانيا مزدوجا باستخدام أذرعها في العراق ليس فقط ضدّ الولايات المتحدة، ولكن أيضا ضدّ أي طرف يتعاون معها ويتجاوب مع مطالبها بما في ذلك حكومة بغداد ذاتها.

وقال الشمّري خلال زيارته لإيران حيث التقى أيضا بأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، إنّ “القوات الأميركية اضطرت إلى نقل قواعدها في العراق إلى مناطق صحراوية بعيدة كي تفصلها عن مواقع المقاومة، في الوقت الذي تراقب فيه حركة النجباء جميع القواعد في العراق”.

حاولت حكومة عادل عبدالمهدي الذي صعد إلى الحكم مدعوما من تحالف الفتح الممثّل السياسي لفصائل الحشد الشعبي بقيادة زعيم ميليشيا بدر النافذ هادي العامري، انتهاج سياسة تقوم على إبعاد العراق عن دائرة التوترات الأميركية الإيرانية، وسعت في إطار ذلك إلى التوفيق بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وإيران بنوع من التوازن وعدم الانحياز.

وعبّر رئيسا الحكومة والجمهورية عن رفضهما دخول العراق في سياسة المحاور إلى جانب دولة ضد دولة أخرى، إلاّ أن تلك التوجّهات تصطدم بواقع وجود جهات متنفذة في مراكز القرار ومؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والتشريعية تصطف إلى جانب السياسات الإيرانية ضد الولايات المتحدة في العراق والمنطقة.

وسبق لنائب الأمين العام لحركة النجباء أنّ هدّد واشنطن بأنّ “فصائل المقاومة العراقية جاهزة لاستهداف المصالح الأميركية في الوقت الذي تراه مناسبا”، كذلك هدّد قادة ميليشيا عصائب أهل الحق القوات الأميركية المنتشرة في بعض المحافظات العراقية بأنها “لن تكون في مأمن إذا تعرض محور المقاومة إلى ضربات أميركية إسرائيلية”.

ويميل معظم المراقبين إلى أن العراق سيكون في حال تطوّرت حالة التصعيد الجارية بين إيران وواشنطن، أول ساحة قتال محتملة لمواجهات لن تكون بشكل مباشر بين الولايات المتحدة وإيران اللتين تتجنبان الحرب وتعلنان حرصهما على عدم الدخول في دائرتها. وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري في العراق قوامه حوالي 5200 جندي يتوزعون على ثماني قواعد.

العرب