المرجعية الدينية في العراق توظّف ورقة الفساد لابتزاز السياسيين وتبرئة يدها

المرجعية الدينية في العراق توظّف ورقة الفساد لابتزاز السياسيين وتبرئة يدها

بغداد – فجّرت تساؤلات أطلقتها المرجعية الشيعية العليا في العراق، بشأن الأسباب التي تدعم هيمنة الفساد على مؤسسات الدولة، والجهة المسؤولة عن ذلك، عاصفة من الجدل والتفسيرات المتعارضة، فيما سارعت أحزاب سياسية إلى درء التهمة عن نفسها، في الوقت الذي يعتبر فيه مراقبون أن المرجعية تناور بطرح الأسئلة لمزيد إحكام سيطرتها على الطبقة السياسية وإظهار نفسها فوق الشبهات.

وكان أحمد الصافي، وهو ممثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، قال نهاية الأسبوع الماضي، إن “جميع شرائح المجتمع لديها مجموعة من التساؤلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأغلبها تساؤلات مشروعة”، مشيرا إلى أن “هذه التساؤلات تحمل في طياتها معاناة، وهذه المعاناة ليس من الصحيح أن تبقى من دون حل”.

وأضاف أن “المواطن العراقي يشعر بالحيف، وسؤاله الأول: هل هناك أفق ونور لحل مشاكلنا؟”. وتابع “لماذا دائما نحن متعبون ونعاني.. أما آن الأوان كشعب أن نرتاح وتُلبى أبسط حقوقنا؟”.

وزاد الصافي قائلا إن المرجعية ركزت خلال مواقفها على “قضية الفساد منذ سنين”، متسائلا “لماذا لا يزال الفساد موجودا في مؤسسات الدولة.. أين المسؤولون وأين المتصدون.. وأين تذهب أموال البلد؟”.

واعتبر مراقبون أن هذه التساؤلات، تعكس انهيار ثقة المرجعية الشيعية بحكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، فيما ذهب ساسة إلى أن “المرجعية هي التي يجب أن تقدم الإجابات، بحكم مسؤوليتها الشرعية”.

ومنذ تبنيها شبه العلني، دعم قائمة شيعية خلال انتخابات 2005، لم تدل المرجعية برأي صريح في الشأن السياسي بعد جدل بشأن محاولتها استنساخ تجربة إخضاع السياسة لرجال الدين في إيران.

ومع ذلك، يشيع على نطاق واسع أن اختيار أي رئيس للوزراء في العراق يجب أن يعرض على السيستاني والمقربين منه.

وتدخل نجل السيستاني بشكل صريح لمنع نوري المالكي من الحصول على ولاية ثالثة في منصب رئيس الوزراء العام 2014، فيما تسرب أن ترشيح رئيس الوزراء الحالي عادل عبدالمهدي حظي بمباركة السيستاني.

وقال النائب المسيحي السابق في البرلمان العراقي جوزيف صليوا إن “المرجعية تسأل الشعب، في حين يفترض أن يسألها الشعب”، مشيرا إلى أن المرجعية “ألقت الكرة في ملعب الشعب”.

وأضاف صليوا أن عدم إعلان السيستاني براءته “من الأحزاب الشيعية الإسلامية التي تتخذ من المرجعية ستارا”، هو أحد أسباب استشراء الفساد، مشيرا إلى أن هذه الأحزاب الشيعية “تدعي أنها جند المرجعية الشيعية وأنها تحمي الأرض والعرض والمقدسات باسمها (…) لكنها تقترف جرائم بحق الشعب العراقي كالقتل وفرض إرادات بقوة السلاح المنفلت والاسئثار بالسلطة وفرض أتوات”.

وانتقد صمت المرجعية على تحويل الحشد الشعبي إلى مؤسسة حكومية لتكون “بديلة للمؤسسة العسكرية الدستورية الرصينة”، ما حول الحشد إلى “غطاء شرعي لكثير من المتاجرين بالمخدرات والدعارة وقتل العراقيين وتهجيرهم”.

وتساءل لماذا “لا تعلن المرجعية زوال أسباب استمرارية لمؤسسة تحولت إلى نقمة على الشعب أكثر مما تكون نعمة”، في إشارة إلى هيئة الحشد الشعبي، مضيفا أن “المرجعية لم تتخذ موقفا واضحا مما يمارس من انتهاكات بحق الشعب العراقي باسمها وبغطاء منها”.

ويخلص إلى أن “المرجعية الشيعية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث من فساد وتهديم لبنية الدولة العراقية والمنظومة القيمية من خلال مجاميع تتخذ من المرجعية غطاء لها”.

ويعد موقف صليوا من المواقف النادرة التي تتسم بهذا النوع من الجرأة، إذ أن القدسية التي تحيط بالمرجعية تحصن مواقفها من النقد.

وحاول زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، الذي يقود تيار المعارضة لحكومة عبدالمهدي، استثمار إشارة المرجعية إلى إحباط الخريجين العراقيين من ندرة فرص العمل، مشيرا إلى أن “أبناءنا الطلبة الخريجين وأصحاب الشهادات العليا الباحثين عن العمل يفترشون الأرصفة ويصرخون بألم وشجاعة ليطالبوا بحق العيش الكريم”.

لكن زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي حاول النأي بكتلة “صادقون” النيابية، التي تتبعه، عن دائرة الأطراف المشمولة بتساؤلات مرجعية السيستاني.

وقال الخزعلي، الذي ظهر في صلاة العيد خطيبا، على غير المعهود، إن أطرافا سياسية رئيسية تكرر تساؤلات المرجعية، “كأنها ليست معنية بها”، مشيرا إلى أن “كل من شارك بالعملية السياسية من 2003 وإلى الآن مسؤول عن الأوضاع التي تمر بها البلاد”.

وأضاف أن حركته تتحمل “المسؤولية منذ تسعة أشهر فقط”، وهو موعد دخول العصائب، عبر 15 نائبا، إلى البرلمان في دورته الحالية، مغفلا مشاركة الحركة في انتخابات 2014، وفوزها بمقعد برلماني ضمن ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.

وقال “ما دامت المحاصصة موجودة، فإن الفساد موجود، وما دام الفساد موجودا فوضع البلد يبقى على ما هو عليه”، مشيرا إلى أن “الحل الأفضل لمشكلات البلاد، هو أن يتم تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تسعى المرجعية الدينية فيها إلى وضع مسافة بينها وبين ما يجري في البلاد، لتظهر من خلالها أنها منحازة للشعب وهي صوت من لا صوت له. غير أنها كانت تكتفي دائما بطرح الأسئلة من غير أن تجرؤ على الحث على البحث عن حلول، وهو ما يمكن أن يفعله أي مراقب محايد.

وأكد مراقب سياسي عراقي أن المرجعية لم تكن يوما مؤسسة محايدة، غير أن انحيازها الصامت كان مفيدا للأحزاب التي تدير الحكومة باسم المرجعية كما أنها المسؤولة عن انتشار الفساد في كل مفاصل الحياة بطريقة غير مسبوقة في التاريخ، من جهة سعته وعلانيته وغياب الرادع القانوني والأخلاقي.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن المرجعية لم تكن نزيهة في تدخلها في الشأن السياسي فهي التي ساندت نظام المحاصصة بين الأحزاب الطائفية وهي التي دفعت بالفقراء إلى التصويت بـ”نعم” على دستور ملغوم بالكثير من الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى التفكيك.

كما أن الفساد الذي كانت المرجعية تنوء بنفسها عنه دائما صار مكشوفا ومشاعا وبالغ الكلفة بطريقة تتطلب منها اتخاذ مواقف تدفع في اتجاه التحريض على إقامة نظام سياسي بديل للنظام الذي حظي دائما بدعمها.

واعتبر أن اكتفاء المرجعية بالمواقف العامة من غير الإشارة إلى مسؤولية جهات بعينها عن الفساد يعد نوعا من البطولة الفارغة من أي معنى. بل إن ذلك هو بمثابة دعم للفاسدين من خلال عدم تسليط الضوء على الأحزاب التي تقوم بحمايتهم لقاء عمولات مذهلة في ضخامتها.

وأشار إلى أن أقصى ما يمكن أن تفعله المرجعية هو أن تقف في منطقة وسطى تقع بين الشعب والفاسدين، وهي لعبة يُراد من خلالها عدم إغضاب الأحزاب وفي الوقت نفسه تمييع الاحتجاجات وتخدير الشعب بكلام لا يمكن أن يأخذ طريقه إلى الواقع من خلال إجراءات عملية.

 

العرب