العراق رهينة بين واشنطن وطهران

العراق رهينة بين واشنطن وطهران

تحت عنوان: “العراق رهينة بين ترامب وإيران”، نشرت أسبوعية “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية تحقيقا حول الوضع القائم في العراق في ظل رفض الميليشيات الشيعية تسليم أسلحتها والتخلي عن تحالفها مع طهران، وذلك في مقابل الوجود الأمريكي في العراق ووعيد ترامب بمعاقبة طهران.

وتنقل الصحيفة شهادات لمواطنين عراقيين يبدون فيها خشيتهم من أن تتحول بلادهم إلى ساحة حرب بين الولايات المتحدة وإيران في حال تفجر الوضع. وتعتبر الصحيفة أن مخاوف العراقيين مبررة بحكم الموقع الجغرافي والمكانة الإستراتيجية لبلادهم التي تشكل في الوقت ذاته حليفا وتابعا للعدوين اللدودين إيران والولايات المتحدة.

وتواصل “لوجورنال دو ديمانش” القول إنه كلما تعمق الخلاف حول الملف النووي الإيراني ازداد التمايز في العراق. الأسوأ من ذلك، تقول الصحيفة، أن كلا البلدين يمتلك على أرض العراق قوى مسلحة تضاعفت عددا وعدة أيام الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) خلال السنوات الماضية.

فمن ناحية، هناك ما لا يقل عن 5200 جندي أمريكي، ومن الناحية الأخرى يوجد في العراق العشرات من أفراد المخابرات والخبراء العسكريين الإيرانيين، بالإضافة للميليشيات الشيعية المسلحة التي لا تخفي نيتها مهاجمة المصالح الأمريكية في العراق بمجرد تلقي ضوء أخضر من طهران.

وتؤكد هذه المعطيات أنه في حال نشوب صراع بين الولايات المتحدة وإيران فسيتحول العراق إلى ساحة مواجهة. ويقول النائب في البرلمان العراقي، حكيم الزاملي، إن العراق يمثل بيدق لعبة إستراتيجية لا دور له فيها.

وتوضح الصحيفة الفرنسية أن العراق يعاني بالفعل من التبعات الاقتصادية لهذه الأزمة، إذ يمتد تأثير العقوبات التي فرضها ترامب على التعامل مع إيران إلى العراق الذي يبلغ حجم التبادل التجاري بينه وبين إيران، الشريك الاقتصادي الأول، 10,8 مليارات يورو. وتنقل “جورنال دو ديمانش” عن رجل الأعمال العراقي، بشير الوندي، قوله إن العقوبات الأمريكية أثرت بشكل كبير في السوق العراقي، حيث لم يعد بإمكان رجال الأعمال العراقيين التعامل بشكل مكشوف مع إيران تفاديا لتصنيفهم من قبل واشنطن ضمن قوائمها السوداء ومعاقبتهم. ويؤكد التاجر في مدينة السليمانية شمال العراق، عطا محمد، أنه بات مجبرا على الدفع نقدا للموردين بسبب القيود على تحويل الأموال.

وعلى المستوى الحكومي، تبدو الأمور أكثر تعقيدا؛ فالعراق يعتمد بنسبة 30% من استهلاك الكهرباء على إيران، وتطالب طهران بغداد بمتأخرات وديون تصل إلى 1,7 مليار يورو، وفي حال عدم تسديد تلك الديون أو محاولة التخلي عن إيران سيواجه العراق أزمة خانقة في الكهرباء كتلك التي حدثت العام الماضي في البصرة جنوب البلاد.

ولتفادي هذا السيناريو، أعلنت الحكومة العراقية أنها ترغب في تبني آلية للتحايل على العقوبات الأمريكية على غرار ما فعله الأوروبيون، وهو ما وافق عليه الأمريكيون لكن فقط إلى غاية شهر أكتوبر/تشرين الأول.

وتسترسل الأسبوعية الفرنسية في رصد مظاهر المواجهة غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران على أرض العراق، إذ تؤكد أن البلاد باتت مسرحا للعديد من الحوادث. ففي شهر مايو/أيار الماضي، هاجم مسلحون بالصواريخ مقر السفارة الأمريكية في بغداد، وفي شهر يونيو/حزيران هوجم تجمع عسكري شمال بغداد، كما استهدفت منشآت تابعة لشركة إكسون موبيل الأمريكية جنوبي العراق.

واتهم الأمريكيون مباشرة إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها بتدبير تلك الهجمات، وهو ما نفته طهران، متهمة واشنطن وحليفها الإسرائيلي باستهداف قواعدها العسكرية، خصوصا قاعدة العامرلي، وتخريب مخازن للذخيرة، وهي الضربات التي جاءت بالتوازي مع استمرار الولايات المتحدة في بناء قواعد جديدة واستجلاب المزيد من الجنود إلى العراق، بحسب ما يقول أسعد شاكر غزالي، النائب العراقي عن كتلة الصادقون التي توصف ذراعها العسكرية “عصائب أهل الحق” بالتبعية لإيران.

وتحاول الحكومة العراقية معالجة الوضع بشكل هادئ رغم التشكيك في قدرتها على ذلك؛ إذ أصدر رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، في يوليو/تموز الماضي مرسوما يلزم كافة الميليشيات ومقاتليها البالغ عددهم 110,000 بتسليم السلاح وإخلاء المقرات العسكرية والتخلي عن أنشطتها العسكرية والاقتصادية. وفي أول رد فعل لها على القرار، أكد الناطق باسم تجمع قوات الحشد الشعبي، مهند ناجم الكعبي، أنهم سيحترمون هذا القرار مثل كافة القرارات الحكومية الأخرى. لكن بعد مرور شهر ونصف، لم يتم الانصياع للقرار، بل طلب قادة التحالفات العسكرية المزيد من الوقت، فيما يرفض بعضها القرار باعتباره إملاءات أمريكية لإضعاف العراق.

القدس العربي