المذهب الديني والتوظيف السياسي الخارجي:إيران نموذجاً

المذهب الديني والتوظيف السياسي الخارجي:إيران نموذجاً

Iranian President Hassan Rouhani delivers a speech under portraits of Iran's supreme leader, Ayatollah Ali Khamenei (L) and Iran's founder of the Islamic Republic, Ayatollah Ruhollah Khomeini (R), on the eve of the 25th anniversary of the Islamic revolutionary leader Ayatollah Ruhollah Khomeini's death, at his mausoleum in a suburb of Tehran on June 3, 2014. AFP PHOTO / ATTA KENARE        (Photo credit should read ATTA KENARE/AFP/Getty Images)

تستند أي سياسة يتم انتهاجها من قبل أي وحدة دولية على عدد من الآليات والأدوات؛ لتكون تلك الوسائل مجتمعة هي مقاربة لإيجاد الطريق السليم الذي به يتم نجاح تلك السياسة، وغالبًا ما تسعى الوحدات الدولية إلى الاستناد إلى قواها أيًّا كانت صلبة أو ناعمة لتحقيق تلك الأهداف، فإما أن تعتمد القوة الصلبة، مستخدمة الآلة العسكرية، ويتم هذا عن طريق الحروب، أو باستخدام القوة  الناعمة وهي الأنسب والأقدر على تنفيذ السياسات خصوصًا إن كانت تصب في ما يعرف بالترويج للنموذج السياسي للوحدة الدولية.

من هنا سيتم استعراض أداة ايران الصلبة والمتمثلة بدعم المعارضات والجماعات الشيعية عسكرياً في دول الخليج العربي ذات النسيج الاجتماعي المتنوع مذهبياً لزعزعة أمنها واستقرارها، والتطرق أيضاً إلى محاولة إيران لزعزعة استقرار مصر المذهبي عبر محاولاتها لنشر التشيع في المجتمع المصري.

لم يمض الكثير من الوقت على نشر الباحث الأميركيّ المتخصّص في العالم الإسلاميّ غراهام فولر كتابه الشهير تحت عنوان “العرب الشيعة: المسلمون المنسيّون” في عام 1999م. وقد ركّز فولر دراسته الموسّعة على المجتمعات الشيعيّة المنتشرة في العالم العربيّ من العراق والخليج إلى لبنان واليمن. أمّا اليوم، فلم يبق الشيعة العرب منسيّين كما كانوا طوال تاريخهم البعيد في المنطقة، وذلك بفضل صعود الهويّة السياسيّة الشيعيّة في العراق، والتي مهّدت الجسر الارتباطيّ الواسع بين شيعة إيران والشيعة العرب في المناطق الأخرى من العالم العربيّ، مثل الكويت والبحرين ولبنان.

بسبب الموقع الجيوسياسيّ للعراق، فان علاقات تاريخيّة وطويلة الأمد تربط شيعة العراق بالشيعة الإيرانيّين من جهّة والشيعة العرب في البلاد العربيّة الأخرى. فالعراق يحتوي على أهمّ مؤسّسة دينيّة شيعيّة وأقدمها في مدينة النجف، والتي يجتمع فيها علماء الدين الشيعة من مختلف أنحاء العالم من شبه القارّة الهنديّة، وصولاً إلى إيران، ومختلف مناطق العالم العربيّ. كما أنّ لشيعة العراق علاقات مصاهرة واسعة مع الشيعة الإيرانيّين وشيعة العالم العربيّ، وخصوصاً دول الخليج، بسبب علاقات الجوار التاريخيّة فيما بينهم، واشتراكهم أيضاً في الانتماء إلى العشائر والقبائل العربيّة الكبرى.

وبطبيعة الحال، تشكّل هذ تحدّياً كبيراً للدول للعربية في المشرق العربي الحاكمة، وخصوصاً المجاورة للعراق وإيران. وقد تجاوز التحدّي مجرّد الاختلاف الدينيّ، حيث أدّى صعود الموجة الطائفيّة ضمن مشاريع سياسيّة متنافسية لكلّ من إيران والسعوديّة، إلى تصادم بين تلك الأنظمة ومكوّناتها الشيعيّة.

وقد كشفت الوثائق السعوديّة المتسرّبة في 19 حزيران/يونيو2015م، من قبل موقع ويكيليكس، مدى قلق الأنظمة العربيّة والخليجيّة منها في شكل خاصّ، والسعوديّة في شكل أخصّ، من صعود الهويّة الشيعيّة في المنطقة، وتواصل شيعة بلادهم مع شيعة العراق وإيران. فعلى سبيل المثال، قال ولي العهد الإماراتيّ محمد بن زايد لوزير الطاقة الأميركيّ في 17 كانون الأوّل/ديسمبر ٢٠٠٩ إنّ “إيران تؤسّس إمارات شيعيّة في مختلف مناطق العالم الإسلاميّ كجنوب لبنان وغزّة، ومختلف بلاد الخليج واليمن”.

وفي وثيقة أخرى في 9 نيسان/أبريل ٢٠٠٩، كشف وزير الخارجيّة الإماراتيّ الشيخ عبدالله بن زايد أنّ “السعوديّة غير مرتاحة من صعود آصف علي زرداري إلى رئاسة جمهوريّة باكستان لاعتباره شيعيّاً، وأنّه سيساعد في إيجاد مثلّث شيعيّ مع إيران والعراق”.

وتظهر الوثائق في شكل عامّ أنّ القوّة السياسيّة الشيعيّة، وعلى رأسها إيران تشكّل الهاجس الرئيس الأوّل للسعوديّة وأغلبيّة دول الخليج الأخرى، وذلك أنّ هناك تركيزاً على الارتباط بين المجتمعات الشيعيّة في الخليج ونظيراتها في إيران والعراق.

وقد تصاعد القلق في الآونة الأخيرة في شكل فائق جدّاً، خصوصاً بعد الأزمة اليمنيّة، حيث شعر الجانب الخليجيّ بأنّ خطر التحالفات الشيعيّة أصبح خلف بابه. واتّجه الإعلام الخليجيّ نحو صناعة دعاية إعلاميّة واسعة ضدّ التحالفات الشيعيّة، هادفاً إلى تقييد العلاقات بين شيعة الخليج وشيعة العراق وإيران. ويبدو أنّ الهدف من ذلك هو الحفاظ على آخر الحصون المنيعة ضدّ الامتداد الشيعيّ.

وتعود جذور القلق إلى العام 2003م، عندما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق، وكانت إحدى نتائجه المباشرة منذ الاحتلال وإلى يومنا هذا، تسيّد الأحزاب السياسية الشيعية الحليفة لإيران المشهد السياسي العراقي، بحيث أخضع العراق للنفوذ الإيراني، ليصبح قاعدة انطلاق للتمدد الإيراني عبر أذرعتها العسكرية الطائفية إلى الدول العربية وخاصة الخليجية منها. وكان بداية الانطلاق حينما أسست إيران كتائب “مالك بن الأشتر” التي تعد أول الفصائل الشيعية المسلحة في العراق، وقد نفذت هذه الكتائب عمليات اغتيال لشخصيات عراقية سُنية، أكاديمية وعسكرية وموظفي دولة.

وقد اتخذت السياسة الخارجية الإيرانية عقب الاحتلال مباشرة من الزيارات الدينية للعراق لأتباع المذهب الشيعي مواطني دول الخليج العربي، لتكون وسيلة لتصدير ثورتها له وزعزعة استقراره، وتسيير سياسات إيران الإقليمية، من خلال تأسيس كتائب مسلحة في دول الخليج العربي. والسؤال الذي يقفز إلى الذهن في هذا السياق: كيف يتحول الزائر للمراقد الدينية من زائر ديني إلى مقاتل يخدم السياسة الإيرانية ضد وطنه في إحدى دول الخليج العربي؟

تبدأ القصة من شركات السفر والسياحة التي تعود ملكيتها إلى الشيعة في دول الخليج العربي، حيث تبدأ مع كل مناسبة شيعية بطرح برامج زيارة جماعية للمراقد الدينية في العراق بأسعار زهيدة. وبوصول الزوار المراد تجنيدهم يعمل “فيلق القدس” الإيراني إلى مراقبتهم أولاً، والتأكد بأنهم غير مدسوسين، وذلك قد يتطلب مراقبتهم خلال زيارة واحدة أو أكثر، ثم بعد ذلك التجنيد بعرض الالتحاق بدورات “إيمانية” تمتد ما بين شهر إلى ثلاث أشهر، حسب إمكانية وقدرة الملتحق بها، وهنا تتضح نوايا القائمين على تلك الدورات، فهم-بالإضافة إلى الدروس الدينية- كانت هناك عدة دروس تسبغ غور جانبين، الأول: عن الظلم التاريخي الذي لحق بالشيعة جراء ابعادهم عن ممارسة الحكم في الدولة الإسلامية، والثاني: عن دولة الولي الفقيه، ودولة قائم آل محمد، الذي سيفتح الدول وينصب الشيعة آل محمد لقيادتها.

وفي خضم المشاعر الدينية الجياشة، يتم مفاتحة الزوار بضرورة العمل على أن يكونوا جزءاً من “جيش الإمام”، وبهذا العمل الاستخباراتي من قبل “فيلق القدس” يتم التجنيد العديد من شيعة الخليج العربي، بالإضافة إلى شيعة باكستانيون ويمنيون وأفغانيون، ونقلهم إلى معسكرات خاصة تابعة لـ”فيلق القدس” في صحراء النجف، لتدريبهم على استعمال الأسلحة الخفيفة والثقيلة بأنواعها، واستخدام قذائف الهاون، والمناظير، والتدريب على أعمال خطف الأشخاص والطائرات، والقنص والرماية وكذلك التدريب على صنع المتفجرات والألغام، ليتخرجوا فيما بعد ليشكلوا معارضات مسلحة في دولهم كالمعارضة البحرينية على سبيل المثال.

وما يؤكد صحة ما ذهبنا إليه أمران أولهما: ففي 8 حزيران/يونيو الماضي أحبطت وزارة الداخلية البحرينية مخططاً إرهابياً للمعارضة البحرينية، لتنفيذ سلسلة من الأعمال ضد مؤسسات ومسؤولين في الدولة. وذكرت وكالة أنباء البحرين أن الوزارة تمكنت من تحديد هوية عدد من أعضاء ما يسمى تنظيم “سرايا الأشتر” الجناح البحريني، واعتقلت قياديين ميدانيين بالتنظيم متورطين في ارتكاب سلسلة من “الجرائم الإرهابية” الخطيرة. ونشرت الوكالة ذاتها أسماء 14 متهما بالانتماء إليها.

وقال رئيس الأمن العام البحريني اللواء طارق الحسن، في اتصال أجراه مع قناة العربية إنه “بدأ تشكيل هذا التنظيم في أواخر عام 2012 بهدف استهداف رجال الأمن، وقد تدربت هذه المجموعة الإرهابية في معسكرات تابعة لما يسمى بكتائب حزب الله العراقي، وتتلقى الدعم والقيادة من عناصر موجودة في إيران”، مشيراً إلى أنه” تم تدريبهم في العراق، ويوجد عناصر في العراق وإيران هي التي تدعم هذا التنظيم سواء كان بالتدريب أو بالمواد المتفجرة والسلاح والذخيرة”. وكان مجلس الوزراء البحريني قد أعلن في الرابع من آذار/مارس 2014 تنظيم “سرايا الأشتر” منظمة “إرهابية” وقد سبق أن تبنى التنظيم عدة هجمات على رجال الأمن.

وفي ذات السياق، ولأن الطائفية عابرة لحدود الدول، طالبت الخارجية العراقية في 20حزيران/يونيو الماضي، الحكومة البحرينية بإعادة النظر في الحكم القضائي الذي صدر في 16 من ذات الشهر، بحبس الأمين العام لجمعية الوفاق البحرينية الشيخ علي سلمان لمدة أربع سنوات، معتبرة أن ” القرار القضائي من شأنه تعقيد التعامل مع المطالبات الشعبية بإجراء إصلاحات سياسية”. وعبرت الوزارة في بيان عن “قلقها” إزاء الحكم الصادر بحبس سلمان، مشيرة إلى أنها “ترى أن الحكم يأتي ضمن سياق إجراءات من شأنها تعقيد مشهد التعامل مع المطالبات الشعبية بإجراء إصلاحات سياسية واقعية تحقق عدالة اجتماعية بين مختلف فئات الشعب البحريني الشقيق”.

تجدر الإشارة هنا أن الحكومات العراقية التي تشكلت في أثناء الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني-فيما بعد-  كانت –ولاتزال- ترفض التدخل بشؤونها الداخلية! لكنها ترتعد فرائصها وتتدخل بالأحكام القضائية في دولة عربية طالما الحُكم يمس مواطناً شيعيا في الدولة محل التدخل. أما الظلم الواقع على العراقي السني منذ الاحتلال وإلى يومنا هذا فلا تأبه له، لأن رفع الظلم عنه منوط بوزارة الداخلية وميلشياتها!

وانسجاماً مع السياسة الطائفية المستحكمة في داخل العراق وخارجه، عقد تجمع في محافظة كربلاء للأحزاب والكتل الشيعية للتضامن مع الشيخ علي سلمان، وقد حضر هذا التجمع ممثلين عن كل الأحزاب والكتل وعلماء الدين الشيعة. وقد ألقى على الأديب ممثل حزب الدعوة الإسلامي كلمة تهجم فيها على المملكة البحرينية، ووعد بأنه سيتم الانتقام منها إذا لم يتم اطلاق سراح الشيخ علي سلمان، وبعدها ألقى كل من ممثل مقتدى الصدر أحمد الفرطوسي وممثلي آية الله بشير النجيفي وكاظم الحائري ومحمود الشهرودي، ومحمد تقي المدرسي، خطبا تهجموا فيها على المملكة البحرينية، وفي نهاية التجمع وجهت رسالة باسم المجتمعين إلى أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، والامين العام للأمم المتحدة بان كي مون يطلبون فيها اطلاق سراح الشيخ.

أما على مستوى الإعلام العراقي تقوم القنوات الفضائية الشيعية المرتبطة مع إيران بشن حملة إعلامية شرسة ضد الحكومة البحرينية من خلال بثها أخبار كاذبة كنشر صور لمسؤولين بحرينيين ومنهم مسؤولين أمنيين بالادعاء بأنهم مطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية لقيامهم بأعمال اجرامية ضد أبناء المعارضة البحرينية ومن بين هذه الصور أبناء ملك البحرين وزير الداخلية ومدير الأمن العام وبعض الأجهزة الأمنية. كما يتم عرض في تلك القنوات أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة من الموقوفين من أبناء المعارضة البحرينية وتتهم هذه القنوات المملكة البحرينية بأنها تستعمل الحلول الأمنية دون اللجوء إلى الحوار وتصف هذه القنوات هذه المعارضة بالمعارضة الوطنية وتبطل اي اتهام عن علاقة هذه المعارضة مع ايران والكتل والأحزاب الشيعية في العراق.

ثانيهما: ولكي تحافظ إيران على مكتسباتها بالبيئة العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن تلجأ إلى الحروب الطائفية ولديمومة بقاؤها، ففي الأول من شهر حزيران/يونيو الماضي تم فتح دورة تدريبة لبعض عناصر الحوثيين والباكستانيين والأفغان الشيعة في معسكر تدريب في مدينة النجف العراقية يشرف عليه عدنان الكوثراني شقيق محمد الكوثراني أحد قيادي “حزب الله” اللبناني. وقد اطلق على هذه الدورة شعار”لبيك ياحسين”، وكانت مدة الدورة 45 يوماً تتضمن إلقاء محاضرات دينية طائفية من قبل بعض العلماء الشيعة المرتبطين بإيران. كما تضمنت تدريب العناصر على حرب العصابات بمختلف صنوفها وعلى خطف الطائرات من احدى دول الخليج العربي، وبعد انتهاء الدورة سيلتحق المقاتلين الباكستانيين والأفغان إلى سوريا لدعم حكم بشار الأسد، أما الحوثيين فسيتم ارجاعهم إلى اليمن.

ولم تكتف السياسة الإيرانية الطائفية تجاه الوطن العربي عند هذا المستوى بل سعت -وتسعى- لمد ظاهرة التشيع نحو مصر، حيث كشفت مصادر أزهرية عن حملة جري الإعداد لها للتحذير من المد الشيعي بالبلاد وخطورة التحول المذهبي، لافتة إلى أن الحلقات التليفزيونية التي يقدمها شيخ الأزهر خلال رمضان الحالي والتي تركز على إبراز الفوارق الجوهرية بين منهج أهل السنة والشيعة، هي نبراس الحملة التي سيتم فيها توجيه الدعاة والأئمة الأزهريين لمواجهة تزايد محاولات التشيع التي تحاول التغلغل في مصر، تحت عباءة دينية، وإن كان الغرض الحقيقي منها سياسيا بحتا.

وكان شيخ الأزهر أحمد الطيب قد تطرق في بعض حلقات برنامجه الرمضاني اليومي على شاشة الفضائية المصرية إلى توضيح الفروق المهمة بين منهجي أهل السنة والشيعة، وحذر من الإساءة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بموجب النصوص التي تلزم المسلمين جميعًا أن يضعوا خطوطا حمراء عند الحديث عن الصحابة الكرام، مؤكدا أنه لا يصح لأيّ منتسب لأهل السنة والجماعة أن يعتقد بسقوط عدالة الصحابة، كما هو الحال عند الشيعة، لوجود آيات صريحة في القرآن الكريم وأحاديث نبوية صحيحة تثبت عدالتهم، محذرا من أن اعتقاد الشيعة بعصمة الأئمة من شأنه هدم النبوة.

وإزاء هذا الموقف، تعرض شيخ الأزهر لهجوم عنيف من قبل علماء الدين الشيعة المرتبطين بإيران ولاسيما “عالم” الدين اللبناني آية الله علي الكوراني، بسبب اتهام الشيخ الطيب انه استلم مبالغ مالية من السعودية لغرض التهجم على الحشد الشعبي في العراق واتهامه بالسرقة والقتل. كما تعرض لذات الهجوم من وكالة أنباء فارس الرسمية الإيرانية بسبب ما قالت إنه “تجييش الإمام الأكبر للأزهر لمجابهة فكر أهل البيت والتشيع لهم في مصر”، موضحة أنه دعا علماء الدين والشيوخ في مصر إلى التصدي لتوجهات المصريين وميولهم صوب التشيع (بحسب ما زعمت الوكالة)، كما دعا علماء الدين لأن يمتنعوا عن زيارة إيران.

ويعتبر هذا الموقف من قبل شيخ الأزهر ما هو إلا محاولة منه للوقوف بوجه التمدد الإيراني عبر بوابة التشيع في مصر، إذ بدا ولأول مرة بعض أساتذة الأزهر يوجهون انتقادات للصحابي معاوية بن أبي سفيان وغيره من رموز الصحابة، بعد عصور من الاحترام كسائر تعامل الأزهريين مع مختلف الصحابة. ويرجع هذا التحول في فكر بعض أساتذة الأزهر إلى الزيارات المتكررة لبعضهم إلى إيران، فطهران تريد اختطاف الأزهر ليعود شيعيا، كما بدأ في عهد الفاطميين، ومن أجل تحقيق هدفها استضافت خلال الفترة الماضية العديد من القراء والمشايخ وأغدقت عليهم بالأموال في محاولة لاجتذابهم. ويتضح أن  بعض أساتذة الأزهر أصبحت لديهم ميول شيعية، سواء سياسية أو عقائدية، وأن شيخ الأزهر لمس ذلك بنفسه عقب الحملة التي تعرض لها بعد انتقاده الممارسات الشيعية بالعراق وانتهاكات قوات الحشد الشعبي. وما دعوات إصلاح الأزهر التي انطلقت مؤخرا حق يراد به باطل، وأن علماء الأزهر أصحاب الميول الإيرانية يشنون حملة ضد الشيخ أحمد الطيب بعد مواقفه الأخيرة المناهضة للمد الشيعي والنفوذ الإيراني.

وفي هذا السياق كشف شيخ محمود عبدالخالق الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن إيران تعمل على استقطاب الأزهريين، خصوصا ممن أحيلوا إلى المعاش. وأشار أيضاً إلى أن طهران تسعى للظهور أمام العالم باعتبارها راغبة في التقارب الديني بين المذاهب، لكن هدفها الحقيقي -بحسب رأيه- استقطاب مشايخ يرتدون العمائم الأزهرية ليظهروا في قنواتها وفي وكالات الأنباء الدولية لإرسال رسالة إلى العالم بأن المنتسبين لأكبر منبر سني في العالم يتوافقون مع الشيعة الإيرانيين.

أما وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة ذكر في مقال له نشر خلال الأيام الماضية على موقع الوزارة أن هناك محاولات لاختطاف دور الأزهر في الداخل والخارج، وأن المد الشيعي والدول التي تقف وراءه تنفق ببذخ شديد لبناء أمجاد سياسية على حساب الدور التاريخي للأزهر الشريف، من خلال إنفاق مالي باهظ على بناء المساجد والمراكز والمجمعات الإسلامية المذهبية أو السياسية وتمويلها، بهدف استخدامها فكريًا وثقافيًا لخدمة أهدافها وأغراضها السياسية. في الوقت ذاته بادرت وزارة الأوقاف بالتنبيه على أئمة المساجد رسميا بمنع أيّ طقوس شيعية داخلها مع عقد ندوات تثقيفية للشباب لتصحيح المغالطات وإيضاح الأهداف السياسية التي تقف خلف محاولات نشر المذهب الشيعي في مصر.

وتجدر الإشارة هنا أن المحاولات الإيرانية لنشر التشيع في مصر بدأت تظهر بوضوح عقب الثورة الإسلامية في طهران عام 1979، حيث ترى السلطات التابعة لحكم المرشد الأعلى في نشر المذهب الشيعي وسيلة لتوسيع نفوذها السياسي في البيئة العربية.

نخلص مما تقدم، تعتمد السياسة الخارجية الإيرانية في تمددها في المشرق العربي على بعدين أساسيين الأول يتمثل بالبُعد الطائفي وهو ما يلحظ بشكل جلي تجاه دول الخليج العربي ولاسيما مع بروز الهوية الشيعية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. فهذا البُعد يشكل القوة الضاربة لاختراق دول الخليج العربي، فهي لا تملك غيره لزعزعة استقراها، ولمواجهة ذلك البُعد لا بد من التخلي عن سياسات إقصاء الشيعة نفسها التي انتهجتها بعض دول الخليج العربي، لكونها أصبحت غير مجدية، بل تدعو إلى المزيد من التأزيم لصالح الجانب الإيرانيّ، وهذا ما يدعو تلك الدول إلى التفكير بعمق أكثر والتخطيط الشامل والخلاّق لدمج المواطنين الشيعة في مجتمعات دولها، وإعطائها الشعور بالحقوق المتساوية والكرامة والانتماء إلى وطنها.

أما البعد الثاني للتمدد الإيراني في المشرق العربي ويتمثل بالبعد الاقتصادي – الديني، ويبرز بشكل جلي في مصر، فإيران تغدق الأموال على القُراء والمشايخ والأزهريين الذي أحيلوا على التقاعد، كما تستغل حاجة المعوزين من الفقراء والعاطلين عن العمل، ونظراً لغياب السياسات الاقتصادية التي ترتكز على العدالة الاجتماعية والتي من شأنها أن تعلي من قيمة المواطن  لذا ستجد إيران في غيابها فرصتها للتمدد الطائفي في مصر. أما على الجانب الديني المتعلق بها أيضاً، تحاول إيران أن تتغلغل بين أتباع الطرق الصوفية التي تقوم على محبة بيت رسول محمد عليه الصلاة والسلام مستغلة هذا الأمر، لتدفعهم إلى التشيع، والذي يشجعها على القيام بذلك أيضاً تعدادهم الذي لا يستهان به في مصر، إذ يبلغ عددهم11مليون مصري وفق ما صرّح به شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر الشيخ حسن الشناوي، والذين يتبعون 72 طريقة منتشرة في مختلف أنحاء مصر. وهذا يعد مدخل آخر للتمدد الإيراني في مصر إذا لم تتيقظ الحكومة المصرية لذلك.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية