أقباط السودان.. فاعلون في المجتمع ويترقون في دنيا السياسة

أقباط السودان.. فاعلون في المجتمع ويترقون في دنيا السياسة

صمد أقباط السودان في وجه تقلبات أنظمة الحكم منذ الدولة المهدية، ولم تثنهم التطورات السياسية عن التأثير في البلاد، وصولا لاختيار ممثل للطائفة بمجلس السيادة كأرفع منصب سياسي يحوزه الأقباط.

وكانت القبطية رجاء نيكولا عبد المسيح ضمن أعضاء مجلس السيادة للفترة الانتقالية الذين أدوا القسم أمس الأربعاء.

ومخطئ من يؤرخ لأقباط السودان بحقبة الحكم التركي وما تلاها من الدولة المهدية، إذ يسجل التاريخ أن أول دخول للأقباط للسودان كان في القرن الرابع الميلادي عندما انتشرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في دولة النوبة شمالاً.

ورغم غياب إحصاءات دقيقة لعدد السكان بالسودان وتقسيماتهم الدينية، فالمؤكد أن الأقباط باتوا يشكلون جزءا مهما من الطائفة المسيحية بالبلاد بعد انفصال جنوب السودان عام 2011.

الأقباط والثورة
وأسهم الأقباط في الحياة السياسية السودانية منذ فجر الحركة الوطنية، خاصة عبر أحزاب اليسار، وشكلوا حضورا لافتا في ميدان اعتصام الثوار أمام القيادة العامة للجيش بترانيمهم وتراتيلهم الداعية للسلام والمحبة.

وعندما اشتدت خلافات العسكريين وقوى الثورة لم تجد الوساطة سوى منزل رجل الأعمال القبطي أنيس حجار ملاذا لجمع الفرقاء من جديد واستئناف التفاوض بعد فض الاعتصام.

وتحاشى الخبير القانوني نبيل أديب إعطاء إحصاءات لعدد الأقباط بالسودان، لكنه يؤكد للجزيرة نت أنهم أقلية ذات تأثير يفوق عددها؛ لعملهم في مجالات تعزز وجودهم في المجتمع.

ويقول أديب -وهو أحد أبرز وجوه الأقباط في الساحة السياسية- إن أفراد طائفته شاركوا في العمل السياسي منذ وقت مبكر، دون أن تكون لهم مناصب، وانتمى أغلبهم لليسار؛ مثل سمير جرجس ووديع حبشي، وللحزب الاتحادي الديمقراطي؛ مثل عبد الله نجيب.

منصب رفيع
وعدّ الباحث والصحفي عامر محمد أحمد حسين اختيار قبطية في مجلس السيادة تتويجا لحياة طويلة مع مكون يعد جزءا لا يتجزأ من النسيج السوداني، قائلا “إن هذه الأقلية الآن تجد موقعها وحظها”.

وأوضح حسين للجزيرة نت أن ثمة نماذج لأقباط تقلدوا مناصب دستورية مثل موريس سدرة، الذي شغل منصب وزير الصحة في حقبة جعفر نميري.

ويشير نبيل أديب إلى أن المنصب الذي حازته رجاء نيكولا في المجلس السيادي يعد أرفع منصب دستوري يتقلده قبطي في السودان.

ويقول إن الارتياح يعم مكون الأقباط لاختيار ممثل منهم في مجلس السيادة حظي بإجماع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير؛ مما يعني أن الأقباط لا يخضعون لأي استبعاد من المناصب بسبب الدين.

تاريخ النكسات
وعانى الأقباط من تقلبات الأنظمة السياسية منذ تاريخ طويل، ورغم تمتعهم بعقود من الاستقرار منذ وصولهم إلى البلاد مع الوجود التركي المصري سنة 1821، فإنهم عانوا من التضييق عندما رفعت الدولة المهدية راياتها في أنحاء البلاد (1885-1898).

وأجبرت الدولة المهدية الأقباط المحتمين بحي المسالمة في عاصمتها أم درمان على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، فآثر كثير منهم التظاهر بالإسلام، في حين تمكن آخرون من الهروب.

ومن جديد، تدفق الأقباط على البلاد، وعاد من بقي منهم إلى مسيحيته مع الاحتلال الإنجليزي (1898-1955)، ليعيشوا عقودا أخرى من الاستقرار اقتربوا فيها من دواوين الدولة في مجال الصيرفة والإدارة والتعليم.

ويعزو الباحث عامر محمد أحمد حسين صبر الأقباط على المحن التاريخية التي تعرضوا لها لوطنيتهم وسودانيتهم الضاربة في الجذور.

ومع وصول العقيد جعفر نميري إلى الحكم عبر ما عرف بانقلاب مايو/أيار 1969، أعلن عام 1970 سياسة التأميم التي صادر بموجبها ممتلكات للأقباط، ثم أعلن تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر/أيلول 1983؛ مما أثار حفيظة الأقباط.

ويقول نبيل أديب إن نظام البشير مارس أساليب سيئة تجاه الأقباط؛ مثل عدم الاحتفال بالأعياد المسيحية، فتخوف الأقباط وهاجروا كما هاجر كثير من السودانيين، ورغم أن جيلا ثانيا من أبنائهم ولد في المهجر، فإنهم الآن يمكن أن يعودوا للديار.

تأثير الأقباط
ونجح أقباط السودان في مجال الصناعة والتجارة بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، مثل الأبيض (غرب) وود مدني (وسط) وشندي (شمال).

وارتبطت مجموعات صناعية وتجارية كبرى بالأقباط والمسيحيين الأرثوذكس، مثل حجار وأيلي وبيطار، وفي مدينة شندي (شمالي السودان) يعد القبطي حزقيال توفيق أحد أبرز أعلام المدينة.

وحسب عامر محمد حسين، فإن تأثير الأقباط يمتد لعالم الثقافة، إذ إن القبطي يوسف ميخائيل من رموز مدينة الأبيض كتب أجمل المذكرات عن دول المهدية، كما لا ينسى أهل أم درمان خلوة بولس، وهو رجل من الأقباط تبرع بداره لأهل حي بيت المال الذي يقيم فيه، لكي ينشئوا فيها ” خلوة” لحفظ القرآن عام 1884، فضلا عن نبيل غالي أحد أساطين الثقافة وجمال عبد الملك ابن خلدون الروائي والقاص.

وأنشأ الأقباط أول مدرسة أهلية للبنات عام 1902 والمكتبة القبطية في 1908، لكن تأثيرهم العميق -حسب حسين- كان متجذرا في الأحياء، حيث شاركوا المسلمين أعيادهم، وفي الأسواق حيث عرفوا بالصدق والأمانة.

الجزيرة