جهود التهدئة تغالب نوازع التصعيد بعد استهداف مقار الحشد الشعبي في العراق

جهود التهدئة تغالب نوازع التصعيد بعد استهداف مقار الحشد الشعبي في العراق

كبار القادة والمسؤولين العراقيين يدركون جيّدا خطورة التبعات التي سيتحمّلها بلدهم في حال تصرّفت الميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي تحت تأثير صدمة تعرّض مقارّها للقصف وبادرت باستهداف المصالح والقوات الأميركية في العراق، ومن هذا المنطلق تضاعف الرئاسات العراقية الثلاث جهودها لأجل التهدئة، بينما تبدو جهات موالية لإيران بصدد اقتناص الفرصة والدفع نحو تصعيد قد يكون مطلوبا من طهران.

بغداد – أكّد غياب نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس عن اجتماع عقدته، الاثنين، الرئاسات العراقية الثلاث مع أبرز قيادات الحشد، وجود خلافات عميقة حول كيفية التعاطي مع سلسلة الضربات التي تعرّض مؤخّرا عدد من مقار الحشد داخل الأراضي العراقية واتّجهت أصابع الاتهام فيها إلى إسرائيل والولايات المتحدة في غياب أي إعلان رسمي عن تبنّي تلك العمليات.

وبينما تنحو الجهات الرسمية العراقية منحى التريّث واتباع الأساليب القانونية والدبلوماسية في التعاطي مع القضية، تسود الخشية من أنّ صقور معسكر الموالاة لإيران، والمهندس أحدهم، بصدد دفع الأحداث إلى حافة الهاوية، ما يعني توريط العراق المثقل بالمشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية، في صراع بالوكالة بين طهران وواشنطن تدور رحاه على الأرض العراقية.

ويحاول كل من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ورئيس مجلس النواب محمّد الحلبوسي تهدئة غضب فصائل الحشد.

وعقد الرؤساء الثلاثة، الاثنين، اجتماعا في قصر السلام ببغداد حضره كل من رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري والمتحدث باسم تحالف الفتح الذي يقوده العامري نفسه أحمد الأسدي. بينما كان أبومهدي المهندس أبرز الغائبين عنه إلى جانب عدد آخر من زعماء أبرز الميليشيات المشكّلة للحشد، مثل قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ.

وسجّل مراقبون طغيان لهجة مهادنة على البيان الصادر عن الاجتماع، حيث ورد فيه أنّ “الاعتداءات التي تعرضت لها قوات الحشد الشعبي مؤخرا هي محاولات لجرِّ الحشد ومنظومة الدفاع الوطني إلى الانشغال عن الدور المهم المتواصل من أجل القضاء على فلول داعش والتخلص نهائيا من الإرهاب ومخاطره”.

واتهم معظم قادة الحشد إسرائيل بتنفيذ خمس هجمات حتى الآن في محافظات صلاح الدين وديالى وبغداد والأنبار طالت مخازن للسلاح والعتاد ونقاطا عسكرية وتسببت جميعها في حدوث خسائر مادية وبشرية جسيمة. وليس من الواضح حتى الآن، ما إذا كانت إسرائيل تقف فعلا وراء هذه الهجمات، إذ لم تنف تل أبيب أو تؤكد مسؤوليتها عنها، في حين ينص الموقف الرسمي العراقي، حتى الآن، على استمرار التحقيقات لتحديد أسباب التفجيرات في مقرات الحشد وكشْف الجهة المتورطة فيها.

وبالرغم من أنّ وزارة الخارجية العراقية قالت إنها “ستتخذ كافة الإجراءات الدبلوماسية والقانونية اللاّزمة من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومن خلال التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة للتصدي لأي عمل يخرق سيادة العراق وسلامة أراضيه”، إلا أنها لم تحدد الجهة التي تقف وراء هذا الخرق.

وفي هذه الغضون يستثمر قادة الحشد الشعبي في الاتهام الموجه إلى إسرائيل بالمسؤولية عن هذه الهجمات، مع الحرص على توجيه اتهام آخر للولايات المتحدة بتسهيل مهمة الإسرائيليين، من خلال توفير الغطاء لطائراتهم في الأجواء العراقية.

وتعليقا على أنباء قيام طائرتين إسرائيليتين بالإغارة على نقطة للحشد الشعبي قرب الحدود العراقية السورية، مساء الأحد، قال نائب رئيس هيئة الحشد، أبومهدي المهندس، مخاطبا الولايات المتحدة، إن الحشد الشعبي بجميع تشكيلاته تابع للحكومة العراقية ورئيسها عادل عبدالمهدي، القائد العام للقوات المسلحة. وأضاف “لكن لن نسكت على ضربنا” في إشارة صريحة إلى إمكانية خروج الحشد الشعبي عن القرار الرسمي العراقي.

وأضاف المهندس، أن الحادثة التي وقعت قرب الحدود العراقية السورية “كانت ضربة صاروخية واضحة، والآن نحن نحلّل الصاروخ من أين انطلق حيث لدينا بقاياه ولن نسكت على هذه الضربة”.

لكن الاتهامات التي يوجهها الحشد الشعبي لإسرائيل والولايات المتحدة ربما ترتد عليه، إذ أنه يتحول في أنظار الكثيرين في الداخل إلى قوة عاجزة عن الرد على هذه الهجمات.

ويرى يعقوب عميدرور من معهد القدس للاستراتيجية والأمن والمستشار السابق للأمن القومي الإسرائيلي، أنّ “على العراق كدولة ذات سيادة أن تأخذ بالاعتبار أنها أصبحت منصة انطلاق ومكانا محوريا للغاية في الخطة الإيرانية الكبيرة”. ويضيف “لا يمكنك أن تكون جزءا من خطة الإيرانيين والبنية التحتية الإيرانية والآلة الإيرانية وتبقى بعيدا عن اللعبة”.

وفي المقابل ربما يستفيد الحشد من افتعال رواية الاستهداف الإسرائيلي لمقراته في اكتساب تعاطف شعبي، خلال مرحلة تشهد تعرضه لضغوط داخلية واسعة مرتبطة بالسؤال عن سبب استمرار وجوده بعدما انتهت الحرب على تنظيم داعش والتي كانت سببا مباشرا في تأسيسه سنة 2014 بفتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني.

ويربط مراقبون بين تزامن الغارات الإسرائيلية المفترضة على مواقع عراقية وجدل حل الحشد الشعبي، ما سمح للأخير بالتحول من موقع الدفاع إلى الهجوم، فبدلا من أن يضطر قادة الحشد إلى الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بسبب وجود هذه القوة حتى الآن، انتقلوا إلى منطقة توزيع الاتهامات وكسب التأييد مع الإمعان في إحراج الحكومة العراقية.

على ذلك، يتوقع مراقبون أن يستمر هذا الجدل، وربما تستمر أخبار انفجارات مخازن الحشد الشعبي بالظهور، لحين الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية.

لكن هذه القراءة تتجاهل سببا استراتيجيا ربما يدفع إسرائيل إلى التورّط الفعلي في غارات على الحشد الشعبي، يتعلق بالصواريخ الباليستية الإيرانية التي تحدثت المخابرات العراقية ومسؤولون إيرانيون عن نقل عدد منها إلى العراق.

ويستند الخبراء الإسرائيليون على هذه المعطيات عند الحديث عن توسيع تل أبيب لرقعة المواجهة مع إيران لتشمل العراق بعدما كانت مقتصرة على سوريا.

العرب