كيف سيشكل النفط مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية بعد الاتفاق النووي؟

كيف سيشكل النفط مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية بعد الاتفاق النووي؟

15x36

اعتراضات المملكة العربية السعودية على المحادثات النووية مع إيران تجري على نحو مضاد لأهداف الولايات المتحدة، كما أنها تركت بعض الحيرة بشأن سبب سلوكها القتالي. وتعني صفقة مع إيران، بطبيعة الحال، أكثر بكثير من مجرد خطوة نحو عدم الانتشار النووي العالمي.

وسيتم فتح عوالم جديدة من الإمكانية سواء داخل الأنظمة السياسية الإيرانية أو الأمريكية. ويمكن، على سبيل المثال، أن يؤدي ذلك إلى تحول في الرأي العام الأمريكي نحو إيران على حساب دول الخليج. ولا يمكن للعناصر المحافظة في الولايات المتحدة أن تستمر لأجل غير مسمى في وصف إيران بأنها التهديد الأكبر منذ انتهاء أسطورة ألمانيا النازية، في حين تعتمد الإدارة عليها لتنسيق المعارك البرية ضد «الدولة الإسلامية».

وفي أسوأ الكوابيس الخاصة بها، ربما تجد السعودية أنها ما عادت الشريف الوحيد في المدينة، بل أيضا انخفضت رتبتها إلى النائب. وفي حالة أن المواقف السياسية الغربية فيما يتعلق بإيران تحسنت، فستكون المملكة قد خسرت داعما رئيسيا للسياسات الخارجية الأكثر إثارة للجدل، الكثير منها يهدف إلى منافسة النفوذ الإيراني. النقد اللاذع تجاه إيران ربما يمنع الولايات المتحدة من قبول الذريعة التي تذرعت بها السعودية لقصف اليمن، وهي أن الحوثيين وكلاء إيران يحاولون جلب الثورة الإسلامية الشيعية إلى الفناء الخلفي للسعودية.

ما سيقوم به السعوديون في العام المقبل بشأن سياستهم النفطية يمكن أن يحدد الشكل الأساسي لاستراتيجية إيران بعد توقيع الصفقة. وعلى الرغم من أن احتمالات آلية تأثير الاتفاق على مستقبل المنطقة لا حصر لها بقدر عدم جدواها للتنبؤ، فإن أثرها على النفط الإيراني رغم ذلك يبرز للعيان. وعلاوة على ذلك، فإن رد الفعل السعودي لتطلعات الطاقة الإيرانية يكشف عن فحوى استراتيجيتها للتعامل مع مرحلة ما بعد العقوبات الإيرانية.

البترول الإيراني ما بعد العقوبات

مما لا شك فيه أن إيران سوف تستفيد من تخفيف العقوبات لاستعادة حصتها المقلصة من سوق النفط. وتنتج إيران حاليا نحو 2.9 مليون برميل يوميا بانخفاض إنتاج من 3.6 مليون برميل يوميا وصلت إليه في عام 2011، قبل أن تدخل عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ.

ووصلت الصادرات الإيرانية من النفط الخام إلى نحو 1.1 مليون برميل يوميا، أي ما يعادل نصف مستوى ما قبل عام 2012. وقد حدد وزير النفط الإيراني «بيجان نامدار زنكنه» نية إيران على المدى القصير للاستفادة من رفع أو تخفيف العقوبات لتعزيز الإنتاج الإجمالي بنسبة مليون برميل يوميا خلال «بضعة أشهر». وأعلن في وقت لاحق خطة على المدى الطويل لإنتاج ما متوسطه 5.7 مليون برميل بحلول عام 2018.

وتجادل «سارة فاخشوري»، الذي تذاع تحليلاتها الخاصة بمجال الطاقة على «لوبي لوج»، أن وزارة النفط وضعت أبصارها على أهداف مرتفعة للغاية. وكتبت مؤخرا،أن «ايران ربما تكون قادرة على إضافة ما يصل إلى 800 ألف برميل / يوميا من النفط إلى إنتاجها في مدة تتراوح بين 6 – 12 شهرا». قرار الإنتاج الفعلي لهذا الكم سوف يعتمد أيضا على توقيت تخفيف العقوبات وحالة السوق نفسها. وبغض النظر عن ذلك، تحتاج إيران إلى الوصول إلى الاستثمار والتكنولوجيا على المستوى الدولي من أجل الحفاظ وتوسيع هذه الطاقة الإنتاجية المتوقعة. وتعمل حقول النفط القديمة بأداء ضعيف في غياب أي حقن متطور تقنيا من الغاز والماء.

وتقدر «فاخشوري» أنه منذ عام 2011 فشلت إيران في تلبية أكثر من 60٪ من أهداف الحقن الخاصة بها. وقالت إنها تعتقد أن هدف إيران من التوصل إلى إنتاج 5.7 مليون برميل يوميا طموح أكثر من اللازم. «وسوف يستغرق ما لا يقل عن 3 – 4 سنوات لإيران (من الوقت المطلوب للوصول إلى الاستثمار والتكنولوجيا على المستوى الدولي) لاستعادة القدرة الإنتاجية للنفط الخام قبل العقوبات». وبالنظر إلى القدرة الإنتاجية لإيران التي حلقت لتحقق 4 ملايين برميل يوميا في أواخر العقد الماضي، يمكن لإيران أن تضيف بشكل معقول أكثر من مليون برميل يوميا في السنوات القليلة الأولى بعد التوصل إلى اتفاق.

الاستجابة السعودية

في بداية الأمر، سوف تقاوم المملكة العربية السعودية خطط الإنتاج الإيرانية من خلال الاستمرار في إغراق السوق مع وفرة المعروض من النفط. وسوف يدفع هذا المعروض لخفض الأسعار وتقليل الأرباح لكل الدول المنتجة للنفط. وقد ينعكس ذلك على دول أخرى لتزداد ثراء عن طريق استيعاب حصص أكبر من السوق.

وسوف تطبق المملكة العربية السعودية هذه السياسة على الأقل لبضعة أشهر بعد التوصل إلى الاتفاق. ويأمل بعض السعوديين أن الصفقة قد لا تُنجز، كي لا يتعزز الوضع الاقتصادي والجيوسياسي لإيران في نهاية المطاف. ويمكن للسعوديين تغيير المسار وإعادة استيعاب الدمج الإيراني في السوق، كما أشارت لجنة من الخبراء في مركز «وودرو ويلسون» الخميس الماضي.

ويصف «جان فرانسوا سيزنيك»، زميل في المجلس الأطلسي، اتجاها داخل المملكة العربية السعودية يفضل الانتقال إلى سوق المنتجات النفطية المكررة، أو بلغة الصناعة «المنتجات النهائية». ومن شأن هذا التحول أن يخفض من إنتاج البلاد من النفط الخام، ما يترك مساحة للإمدادات من إيران والعراق. وقال إن «الخدمة المدنية في المملكة العربية السعودية كانت تحاول التعبير عن الفكر الذي لا ينبغي أن يصبح معتمدا على إنتاج النفط الخام. وجهة نظرهم هي أن تأخذ طاقتهم وتضيف إلى ذلك». هذه القيمة المضافة من شأنها توسيع القطاع الأصغر في البلاد من الوظائف المتقدمة والعمالة الماهرة.

وأضاف: «لقد بنوا قدرة في الوقت الحالي وصلت إلى 3.3 مليون برميل يوميا لمنتجاتهم المكررة، وهم يستخدمون 2.2 مليون برميل فقط يوميا في الوقت الراهن، ولكنهم سوف ينتجون 3.3 مليون برميل يوميا بحلول نهاية هذا العام. وسوف يتم الآن تصدير المزيد من البنزين مع استمرار التطور الهائل في صناعة المواد الكيميائية».

واتفق «ديفيد غولدوين»، وهو أيضا زميل في المجلس الأطلسي، مع تحليل «سيزنك»، لكنه تساءل عما إذا كانت القيادة السياسية في البلاد ستواصل سياسة اقتصادية رشيدة، قائلا «لديهم قدرة هائلة على الحفاظ على أسعار منخفضة لسنوات، ولكنها ليست حقا استراتيجية مستدامة على المدى الطويل»، مضيفا «إلى متى يظل استنزاف تلك الاحتياطيات الهائلة حتى يظهر تأثيرها على صناديق التقاعد؟، يمكن للقادة السياسيين في البلاد أن يغفلوا حساب التفاضل والتكامل، لديهم قيادة شابة جدا أثبتت إمكانية سوء التقدير، لذلك أنا لا أتوقع أنهم سوف يغيرون السياسة النفطية، ولكن العقلانية تشير إلى أنه ينبغي ذلك».

ويواجه الأمراء السعوديين الاختيار بين التصرف كما لو أن الصفقة لم تحدث أبدا وبين استيعاب الوجود الإيراني الموسع في كل من السياسة الإقليمية والاقتصاد العالمي.

قبول إيران كقوة إقليمية حديثة يمكن أن يحقق فوائد. وفي التجارة، على سبيل المثال، إيران لديها الموارد التي تحتاجها المملكة العربية السعودية. وتمتلك إيران ثاني أكبر ودائع في العالم من الغاز الطبيعي في حين أن الأخيرة تنفق الأموال الباهظة لتجنب شراء الغاز منها. وفي سوريا، تملك إيران مفتاح هزيمة «الدولة الإسلامية»، في حين أن المملكة العربية السعودية تملك مفتاح تعزيز معارضة إسلامية مقبولة. التعاون في أي مجال مرجح حدوثه، لكن على بعد سنوات من الآن إذا كان ذلك ممكنا. ولكن التحول السعودي في سياستها النفطية سوف يعني خطوة أولى نحو بناء شرق أوسط أفضل من ذلك الذي بسببه تعاني كلا البلدين منذ بدء العقوبات عام 2011.

ترجمة: موقع الخليج الجديد