مشكلة الخيار الوحيد في لعبة أميركا وإيران

مشكلة الخيار الوحيد في لعبة أميركا وإيران

أوروبا أسيرة الابتزاز الإيراني باسم الاتفاق النووي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلعب بين أميركا وإيران على طريقة ماوتسي تونغ في مقاربة المشاكل، الزعيم الثوري الصيني رأى “أن كل مشكلة قابلة للتجزئة إلى مشكلة أساسية ومشكلة فرعية”.

والرئيس الوسطي الفرنسي فتح ثغرة لتجزئة المشكلة بين واشنطن وطهران، واختار بالطبع بدء الوساطة من معالجة المشكلة الفرعية على أمل أن يقود المسار إلى المشكلة الأساسية، المشكلة الفرعية هي العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على جمهورية الملالي بعد الخروج من الاتفاق النووي، ومقابلها تصعيد إيران المتدرج لخفض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

أما المشكلة الأساسية، فإنها تتجاوز الاتفاق النووي إلى مواجهة المشروع الإقليمي الواسع لإيران والذي من عناصره تطوير الصواريخ الباليستية و”زعزعة الاستقرار” في البلدان الصديقة لأميركا.

وما اصطدم به ماكرون بعد البداية التي أوحت أن اللقاء بين ترمب والرئيس حسن روحاني بات ممكناً ومعه تخفيف العقوبات والحصار على بيع النفط وتراجع إيران عن خفض التزاماتها النووية، هو شيء فرعي وشيء أساسي. الفرعي هو أن الرئيس الأميركي متقلب المزاج وميال إلى سياسية الارتجال، والرئيس الإيراني ليس صاحب السلطة والقرار، إذ إن الكلمة العليا للمرشد الأعلى علي خامنئي، والأساسي هو أن شروط الحوار تفرض ضمان النتائج قبل بدء الحوار، وبالتالي حل المشكلة الأساسية، فضلاً عن أن الفارق في الأسلوب، كما صوره منوشهر متقي الذي كان وزيراً للخارجية الإيرانية، هو “أن الأميركيين يلعبون البايسبول ويضربون بعضهم بعضاً، ونحن نفضل الشطرنج واتخاذ القرارات بالتأمل الهادئ”.

قمة بياريتس: إدارة الأزمات في عالم متغير إلى الوراء
حتى وليم بيرنز الديبلوماسي والنائب السابق لوزير الخارجية الأميركية الذي قاد المفاوضات السرية والعلنية مع مسؤولين إيرانيين، فإنه يقول في كتابه “القناة الخلفية” أن ترمب دفع نحو “همجية الديبلوماسية الأميركية التي تركت الأصدقاء مشوّشين وخصومنا متجرئين”.

ومختصر السياسة، في رأي مسؤول إيراني، هو أنه لدى إيران “أهداف ثورية ومصالح قومية، وهي تبني سياستها الخارجية على الحكمة لتحقيق الأهداف والمصالح”، لكن العمل للمشروع الإقليمي الإيراني على حساب العالم العربي يتم بالقوة والمناورة والخداع والتوظيف المذهبي وليس بالحكمة.

وما تريده إدارة ترمب، بحسب الإستراتيجية المعلنة، هو ضرب المشروع الإيراني عبر منع طهران من تحقيق “الأهداف الثورية” وتحديد “المصالح القومية” المقبولة داخل حدود إيران، والمشكلة في الإستراتيجية الأميركية هي ممارسة “الضغط الأقصى” على إيران من ضمن خيار وحيد هو دفعها إلى التفاوض من دون أن يكون على الطاولة خيار آخر اسمه استخدام القوة. والمشكلة في السياسة الإيرانية هي التهديد بالوكلاء والرهان على أوروبا للضغط على أميركا أو كبديل من أميركا لضمان مصالح إيران الاقتصادية والمالية.

فما يرافق التحركات الأميركية والإيرانية هو تكرار كل طرف أنه لا يريد الحرب، وما يستمر الهرب منه هو تقديم أجوبة عن أسئلة صعبة: ماذا لو تمكنت طهران من تحمل العقوبات الأميركية وظلت مصرة على العمل لمشروعها الإقليمي؟ ماذا لو توقفت أوروبا عن الخضوع للابتزاز الإيراني، وأحدث فصوله تحديد مهلة أيام قليلة للوسيط الفرنسي كي يضمن مصالح إيران، وإلا تنفيذ خطوة جديدة في خفض التزاماتها بالاتفاق النووي، وماذا لو وصلت طهران إلى تنفيذ تهديدها الكبير بالخروج من الاتفاق النووي الذي يعترف روحاني أنه لمصلحة بلاده والعالم؟

عباس عبدي يرى “تحولاً كلياً” في إيران وخوفاً من ست سنوات من العقوبات إذا نجح ترمب، ولا شيء يبدو مغلقاً تماماً، وإن كان خامنئي يرى “أن العداء لأميركا من أسس الثورة، وسيستمر ولو حدث اتفاق”.

في تحقيق نشرته “نيويورك تايمز” رواية عن اجتماع نائب الرئيس إسحق جهانغيري مع مجموعة مستشارين للبحث في الأزمة، وكان رأي المستشار صادق الحسيني أن هناك “نافذة فرصتها ذهبية لن تتكرر في العقد المقبل: مقاربة الانتخابات الأميركية تعطي إيران ورقة نادرة للعب مع ترمب”. وروى أحد الحضور أن من بين ما قيل في الاجتماع أنه “إذا أراد ترمب صفقة أشمل، فإن إيران ستأخذ مطالبه بالاعتبار ذاته، وتناقش جزءاً من برنامجها الباليستي ودورها في المنطقة، مقابل ضمانات أميركية شاملة لمساعدات اقتصادية طويلة المدى”.

أما الإصلاحي سعيد شريعتي، فإنه يضع خطاب رفض الكلام مع أميركا في خانة “التكتيك”، ويرى “أن إيران وأميركا لن تحلا قضيتهما بالكامل، لكنهما قدمتا تنازلات من قبل وعليهما تكرار ذلك”.

والواقع أن كلاًّ من إيران وأميركا في ورطة، ثمن التفاوض مع أميركا خلع أنياب إيران، وكلفة اللاتفاوض هي وضع داخلي صعب لا أحد يعرف بماذا ينتهي، وإذا فشل “الضغط الأقصى” في تغيير موقف طهران، فإن أميركا تواجه انهيار مصالحها في الشرق الأوسط وخسارة أصدقائها أو الذهاب إلى الحرب، والروس يوظفون ذلك في تطوير العلاقات مع إيران.

اندبندت العربي