غليان شعبي ضد “هيئة تحرير الشام”: التفكيك أو الاجتثاث

غليان شعبي ضد “هيئة تحرير الشام”: التفكيك أو الاجتثاث

تقف “هيئة تحرير الشام” على مفترق طرق، في ظل تصاعد الغليان الشعبي ضدها، مع اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بتفكيكها، فيما قد يكون التوجه الآخر لاجتثاثها، عبر السماح للروس والنظام السوري بمواصلة الحرب ضد إدلب. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تطورات على صعيد حسم مصير “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، بعد سنوات من ظهورها في المشهد الثوري السوري. ويطالب الشارع السوري المعارض في شمال غربي سورية بحل “الهيئة” للحيلولة دون استمرار الأعمال القتالية من قبل النظام وداعميه الروس والإيرانيين، في وقت تؤكد مصادر مقربة من “الهيئة” أن الأخيرة تشهد خلافات داخل مجلس الشورى، حيث من الواضح أن هناك تياراً يقوده “مشايخ” يرفضون فكرة تفكيكها، ويتمسكون بخيار المواجهة.

ولم يصدر أي بيان أو تصريح رسمي من قيادة “هيئة تحرير الشام” لحسم الجدل القائم حيال مصيرها، لكن من الواضح أن الخيارات أمامها باتت محدودة، فإما حل نفسها، وضم مقاتليها السوريين لفصائل المعارضة السورية، وإيجاد حلول للقادمين من خارج البلاد، أو مواجهة السيناريوهات الصعبة، بما فيها الاجتثاث من قبل قوات النظام والجانب الروسي. وتشهد مدن وبلدات في محافظة إدلب، منذ بدء الهدنة الأخيرة السبت الماضي تظاهرات تدعو إلى تفكيك “الهيئة” وطيّ هذا الملف، الذي لطالما كان ذريعة للنظام وداعميه لضرب فكرة الثورة السورية والفتك بفصائل المعارضة والحاضن الاجتماعي لها. وقال مصدر مقرب من “الهيئة”، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن “قيادة هيئة تحرير الشام لم تتخذ حتى اللحظة قراراً بالحل”، مضيفاً: “هناك خلافات داخلية، خصوصاً داخل مجلس شورى الهيئة”. وأشار إلى أن “الهيئة تتعرض لحرب إعلامية وضغط من الشارع المعارض في شمال غربي سورية من أجل الإقدام على خطوة الحل قبل فوات الأوان”. وأكد المصدر “أن حل الهيئة، من دون إيجاد بديل، أمر غير وارد”، مضيفاً: “هناك نقاشات مستمرة داخل الهيئة على أعلى المستويات”.


قيادة هيئة تحرير الشام لم تتخذ حتى اللحظة قراراً بالحل

“وأكد المصدر أن “هيئة تحرير الشام لن تقبل أي اتفاق لا يحفظ الكوادر والإنجازات الداخلية التي حققتها في محافظة إدلب ومحيطها”، مشيراً إلى أن تياراً، وصفه بـ”القوي”، لا يزال “يرفض فكرة حل الهيئة، يقوده أبو ماريا القحطاني، ومظهر الويس، وأنس خطاب وعدد من الشرعيين”، مضيفاً: “غالبية كوادر الهيئة ترفض فكرة الحل، كما أن قسماً من هؤلاء يعتبر أن تحريك الشارع المعارض مؤامرة على الهيئة”. وأوضح أن المقاتلين القادمين من خارج سورية، أو من يطلق عليهم اسم “المهاجرين” والمنتسبين للهيئة، “يُعَدّون معضلة كبيرة”، مضيفاً: “لم يقدم أي طرف حلاً مجدياً لهذا الأمر”.

وحول اندماج “الهيئة” مع فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، أوضح المصدر أن “الهيئة كانت تقاتل هذه الفصائل إلى وقت قريب، ومن ثم فإن أي تنازل من قبلها على صعيد الاندماج سيفضي إلى انشقاقات كبيرة داخلها”. وأكد أن “الهيئة ستختار المواجهة العسكرية في حال عدم تقديم بديل تكون لها فيه حصة قيادية”. ورجح أن “تبدي الهيئة مرونة على صعيد التنازل عن حكومة الإنقاذ وبعض الأمور الإدارية في محافظة إدلب”، مضيفاً: “لكن، هل سيرضى الروس بهذا القدر؟ لا أعتقد ذلك”. وقال: “في حال عدم وجود حل حقيقي ومرضٍ للهيئة فهي ستكون أمام خيارين، الأول ضربات مركزة من طيران التحالف الدولي على غرار ما حدث مع تنظيم داعش، أو السماح للروس والنظام بإكمال المعارك، ما يعني حرباً شاملة في محافظة إدلب ومحيطها”.

في هذا الوقت، لا يزال الشارع السوري المعارض “يغلي” في محافظة إدلب، وفق مصادر محلية، منتظراً قرار حل “هيئة تحرير الشام” أو بدء التفاوض معها لتفكيك نفسها قبيل التئام القمة الثلاثية، التي ستجمع رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وإيران حسن روحاني، وتركيا رجب طيب أردوغان، في أنقرة في 16 الشهر الحالي في إطار مسار أستانة. ومن المتوقع أن يكون مصير “الهيئة” على جدول أعمال القمة، إذ تشترط موسكو حلها وفتح الطرق الدولية قبل إرساء اتفاق هدنة دائمة في شمال غربي سورية. ومن المرجح عودة التصعيد العسكري من قبل الروس في حال لم يعمل الجانب التركي على تفكيك “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على غالبية محافظة إدلب ومحيطها، وتديرها من خلال ما يسمى بـ”حكومة الإنقاذ”. وخلقت قوانين “الهيئة” المتشددة في شمال غربي سورية استياء كبيراً في الشارع السوري المعارض الذي كان يرى أنه كان يمكن لها أن تلعب دوراً حاسماً في الدفاع عن المحافظة، وهو ما كان يمنع الشارع عن التعبير عن رفضه لوجودها.

لكن الاستياء برز إلى السطح بعد تراجع عناصر “هيئة تحرير الشام” أمام قوات النظام في ريفي حماة وإدلب، في ظل حديث عن عدم زجّ الهيئة بالسلاح الثقيل في المعارك الأخيرة حتى لا تفقد كامل قوتها، في استعداد واضح لجولة قتال أخرى مع قوات النظام أو مع فصائل المعارضة في حال تحركت بأمر تركي من أجل القضاء عليها. وخرج العديد من التظاهرات الرافضة لوجود “الهيئة” في المحافظة، كان أبرزها في مدن سراقب وبنش وأريحا ومعرة النعمان. وطالب المتظاهرون بحل “الهيئة” ومغادرة عناصرها المدن، كما رددوا هتافات ضد زعيمها أبو محمد الجولاني، ووصفوه بـ”العميل” و”الخائن”. وحاولت شخصيات معارضة، مقربة من “هيئة تحرير الشام” التقليل من شأن هذه التظاهرات، معربة عن اعتقادها بأن الهدف منها خلق فوضى في محافظة إدلب خدمة لـ”المحتل الروسي والنظام”.


تشترط موسكو حل الهيئة وفتح الطرق الدولية، قبل إرساء اتفاق هدنة دائمة في شمال غربي سورية

“ورأى الباحث السوري في الجماعات الإسلامية عباس شريفة أن حل “هيئة تحرير الشام ممكن”، مضيفاً، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الهيئة فقدت شرعية مقاومة نظام الأسد بعد تسليم مناطق شرقي السكة، وفي ريف حماة الشمالي. وعدم زج الهيئة بكل قوتها في المعارك أضعف ثقة الحاضنة الشعبية بها، كما أضعف ثقة المقاتلين بالقيادة، ومن ثم سقطت حجة الهيئة التي ساقتها لمقاتلة فصائل المعارضة، وهي إقامة فصيل قادر على مواجهة النظام”. وأضاف أن “ضعف الأيديولوجيا في الهيئة سبب لسهولة حلها”، مضيفاً: “قامت على فكر تنظيم القاعدة، وهذا الفكر تآكل لأن كُثراً من عناصر الهيئة المؤدلجين باتوا خارجها والتحقوا بفصائل مرتبطة بالقاعدة. وتحولت الهيئة إلى جهة تجمع الإتاوات وتوزع الأموال لشراء الولاءات ما أدى إلى هشاشة بنيتها التنظيمية”. وأشار إلى أن “هناك سخطاً شعبياً على الهيئة بسبب الضغوط الاقتصادية”، موضحاً أن “حكومة الإنقاذ، وهي الواجهة المدنية للهيئة، تفرض إتاوات وتتحكم بالمعابر مع وجود عشرات الآلاف من النازحين الذين لم تؤمن لهم شيئاً، ما أدى إلى نظرة جديدة للهيئة على أنها جسم متطفل يسرق الموارد”.

وأشار شريفة إلى “وجود صراع بين كبار قادة الهيئة”، مضيفاً أن “موجة التظاهرات أثبتت وجود احتقان لدى الشارع أدى إلى شتم الجولاني، للمرة الأولى، وبشكل علني”. ورأى أن “هناك أسباباً لها علاقة بالمزاج الدولي والإقليمي على صعيد تفكيك الهيئة”، مضيفاً: “كل الأطراف لها مصلحة في التفكيك. الأوروبيون يريدون حكومة شرعية في إدلب لإرسال المساعدات، والنظام استنفد الاستثمار بورقة محاربة الإرهاب ووصل الآن إلى المعقل الأخير، وروسيا التي دمرت كل شيء في شمال غربي سورية بسبب وجود هيئة تحرير الشام تريد حلها، وتركيا ترى بالهيئة جاراً ثقيلاً ربما يتسبب وجوده بموجة لجوء كبرى. كما أن الولايات المتحدة لا تريد لروسيا وإيران التمدد أكثر في إدلب، لذلك لا بد من القضاء على الذريعة”. وقال: “هذه الأسباب تدفع باتجاه التفكيك، لكن السؤال: هل هناك إرادة دولية وقرار فعلي بحل هيئة تحرير الشام؟”. ومن المتوقع أن يتصاعد التنديد بـ”الهيئة” خلال الأيام المقبلة، خصوصاً أنه لم يعد أمام نحو 4 ملايين من خيار سوى استمرار التهدئة، والجانب التركي جاد في منع موجات لجوء جديدة إلى داخل أراضيه. ويتخوّف الأهالي في إدلب من استمرار هجوم قوات النظام باتجاه مدينة معرة النعمان، وسراقب شرق إدلب، ما سيؤدي إلى كارثة إنسانية في المنطقة، بحسب فريق “منسقي الاستجابة بسورية”.

العربي الجديد