أثرياء بريطانيا يخشون جيريمي كوربين أكثر من بريكست

أثرياء بريطانيا يخشون جيريمي كوربين أكثر من بريكست

بينما ينشغل عموم البريطانيين بدوامة البريكست التي اتسعت بعد قرار بوريس جونسون تعطيل عمل البرلمان، وما أفضى إليه من مواجهات بينه وبين المعارضة وضعت المملكة المتحدة على طريق تنظيم انتخابات عامة في غضون أسابيع، ينشغل أثرياء بريطانيا بوضع خطط استباقية، وتصل إلى حد مغادرة البلاد، في حالة تشكيل حكومة عمالية، يرأسها جيريمي كوربين الذي قال “يتمتع أغنى الأغنياء في مجتمعنا بإعفاءات وهبات وملاذات ضريبية. إنهم يلعبون في الوقت الضائع”.

لندن – قد يشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) دون اتفاق مشكلة كبيرة لبريطانيا ولأطراف عديدة من المجتمع، لكنها ليست كذلك بالنسبة لأغنى أغنياء بريطانيا، الذين تحول هاجسهم الأكبر إلى فكرة وصول زعيم حزب العمال اليساري جيريمي كوربين إلى الحكم، في أي انتخابات قريبة، في ظل حالة الغموض السياسي التي تحيط ببريطانيا بسبب الخلاف حول بريكست.

على مدى أكثر من عام، يستعدّ بعض أغنى أغنياء بريطانيا لانفصال صعب عن الاتحاد الأوروبي، ومقارنة بغيرهم من البريطانيين وحتى الأوروبيين، يعتبرون أفضل حالا، وهم قادرون على تحويل الخروج الفوضوي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي لصالحهم، ولكن احتمالات فوز حزب العمّال، بزعامة كوربين، في الانتخابات العامة المقبلة أصبحت أكثر ما يثير قلقهم.

حكومة عمالية
وفقا لمحاميهم ومستشاريهم الماليين، يخشى الأثرياء احتمال قيام أكثر الحكومات اشتراكية منذ السبعينات في عهد كوربين أكثر من أي شيء آخر. ويقول المستشارون إن تخطيط هذه الفئة لتجنب عواقب أي حكومة عمالية يتجاوز أي خطط وضعوها لمواجهة عواقب بريكست.

ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن كريس كالين، رئيس مجلس إدارة مجموعة “هينلي أند بارتنرز غروب” للاستشارات الضريبية والموجودة في مدينة زيوريخ السويسرية، القول “من الواضح تماما أنه ستكون هناك موجة خروج كبيرة للأفراد والأسر الغنية من بريطانيا إذا وصل حزب العمال إلى السلطة… هذا هو الهاجس الأكبر بالنسبة للأثرياء وليس الخروج من الاتحاد الأوروبي أو حتى الخروج دون اتفاق… فهذا لا يعني أي اختلاف بالنسبة لزبائننا“.

وفي تقرير لها عن مخاوف الأثرياء من التغيير في السلطة في بريطانيا، رصدت وكالة بلومبرغ مجموعة من النقاط الأساسية المثيرة لقلق الأثرياء البريطانيين وهي:

الضرائب: في بيانه السياسي عام 2017 أكد حزب العمال ضرورة زيادة ضرائب الدخل المستحقة على من يزيد دخله عن 80 ألف جنيه إسترليني (97248 دولارا) وكذلك إمكانية فرض ضريبة على الثروة.
ودعا تقرير أعدته لجنة شكلها حزب العمال في وقت سابق من العام الحالي إلى زيادة الضرائب على الوحدات السكنية الخالية، وزيادتها على الشقق الفارهة، وإصلاح ضريبة المواريث وإضافة رسم جديد على العقارات المملوكة للأجانب وهو ما يمكن أن يضر بالعشرات من الأثرياء، ومنهم أمانسيو أورتيغا مؤسس سلسلة متاجر “زارا”.

ويقول مارك ديفيز، المستشار الضريبي للأثرياء والموجود مقر عمله في لندن، إنه يجب التفكير في ضريبة الثروة، في ظل وجود عدد كبير من الأشخاص يعيشون على أجور وظائفهم ويعانون من ارتفاع نفقات الحياة حول لندن، مضيفا “هناك تناقض هائل بين جنوب شرق لندن وباقي مناطقها… يتم النظر إلى كل شيء من منظور أمة واحدة، لكن الحقيقة أن هناك تباينات كبيرة بين مختلف مناطق بريطانيا“.

الشفافية: ستواجه خصوصية البيانات المالية للمواطنين أوقاتا عصيبة في ظل حكومة عمالية يقودها كوربين. ففي تقرير عن الشفافية الضريبية منشور قبل عامين، دعا حزب العمال إلى نشر الإقرارات الضريبية الخاصة بالأفراد الذين يزيد دخلهم السنوي عن مليون جنيه إسترليني. كما أشار التقرير إلى إمكانية إنشاء سجل عام لملاك صناديق الاستثمار وكل المساهمين في الشركات، في حين يقتصر هذا الأمر حاليا على أصحاب الحصص الكبيرة فقط.
وفي الوقت نفسه فإن البيانات التي تسربت من شركات الخدمات القانونية الدولية مثل تسريب بيانات شركة “موساك فونسيكا” المعروفة باسم فضيحة وثائق بنما التي تفجرت قبل ثلاث سنوات، يمكن أن تعزز رغبة الحكومة العمالية القادمة في تحقيق المزيد من الشفافية في مجال المال والأعمال.

تعهد حزب العمال، بزعامة جيريمي كوربن، بالتراجع عن خصخصة الصناعات الرئيسية التي نفذتها رئيسة وزراء بريطانيا المحافظة الراحلة مارغريت تاتشر

وقد شكك وزير خزانة حكومة الظل العمالية جون ماكدونيل في مدى التقدم الذي أحرزته حكومة المحافظين في التحقيقات بشأن الأفراد الذين وردت أسماؤهم في فضيحة وثائق بنما.

التأميم: تعهد حزب العمال بالتراجع عن خصخصة الصناعات الرئيسية التي نفذتها رئيسة وزراء بريطانيا المحافظة الراحلة مارغريت تاتشر التي تولت حكم بريطانيا خلال الفترة من 1979 إلى 1990 ونفذت أكبر عملية خصخصة في تاريخ بريطانيا رغم الاعتراضات العنيفة من جانب النقابات العمالية التي كانت قوية للغاية في ذلك الوقت.
وتعهد كوربين بإعادة ملكية الدولة لقطاعات الطاقة والمياه والسكك الحديدية إلى جانب البريد الملكي البريطاني. ومثل هذه الخطوة يمكن أن تكبد المستثمرين الذين يملكون أسهم هذه الشركات خسائر كبيرة، لأن الحكومة ستعوضهم عن هذه الأسهم وفقا للقيمة الدفترية للشركات وليس وفقا للقيمة السوقية لها.

ورغم أن حق امتياز شركة السكك الحديدية في بريطانيا “فيرجن ترينس” المملوكة للمليارديرين ريتشارد برانسون وبريان وستر، ينتهي خلال الشهور الستة المقبلة، فإن الشركة أعلنت في وقت سابق من العام الحالي اعتزامها إطلاق خدمة قطارات جديدة بين ليفربول ولندن اعتبارا من 2021.

كما تعتزم حكومة العمال المنتظرة مطالبة الشركات التي تضم أكثر من 250 عاملا بوضع 10 بالمئة من أسهمها في “صناديق شمول الملكية” يسيطر عليها العمال. ويستهدف حزب العمال مستثمري القطاع العقاري من خلال تبني سياسة تطالبهم ببيع مشروعاتهم السكنية إلى السكان بأسعار قد تقل عن أسعار السوق.

الحركة عبر الحدود: أثار ماكدونيل المخاوف منذ عامين عندما قال إنه مستعد لمواجهة احتمالات التغير في سعر الجنيه الإسترليني إذا وصل إلى السلطة، وهو ما يفتح الباب أمام فرض قيود على حركة الأموال إذا تم انتخاب حزب العمال. ومنذ ذلك الوقت يحاول وزير خزانة الظل التأكيد على أن الحزب لن يقدم على مثل هذه الإجراءات، ولكن الأثرياء يستعدون بشكل متزايد لمغادرة بريطانيا، بحسب جون إيلدر الشريك المؤسس لشركة إدارة الثروات “فاميلي أوفيس أدفايزورس”.
ويقول إيلدر إنه يعرف عددا من الأسر الغنية البريطانية فتحت حسابات مصرفية جديدة في دول ترحب بالأثرياء من خلال توفير ضرائب منخفضة وإجراءات سريعة لمنحها الجنسية، مثل البرتغال وموناكو ومالطا. كما أن البعض بدأ يستعد لاستخدام الطائرات الخاصة في تحركاتهم إذا تركوا بريطانيا وانتقلوا للحياة في الخارج.

خروج جماعي

كانت قضية الخروج الجماعي المحتمل للأثرياء البريطانيين من البلاد قد ظهرت على السطح في العام الماضي عندما قرر الملياردير جيم راتكليف مؤسس شركة “أينوس” العالمية للكيميائيات وأغنى شخص في بريطانيا الانتقال للحياة في موناكو إلى جانب اثنين آخرين من مديري “أينوس”.

وفي الوقت نفسه لم تعد الرغبة في جذب الأثرياء البريطانيين قاصرة على موناكو أو سويسرا، حيث أقرت إيطاليا منذ عامين نظاما للضرائب، يضمن ضريبة سنوية ثابتة لا تزيد عن 100 ألف يورو بهدف جذب الأثرياء الأجانب بشكل عام.

ومن أشهر الشخصيات التي سعت للاستفادة من النظام الضريبي الجديد في إيطاليا نجم كرة القدم البرتغالي الشهير كريستيانو رونالدو الذي انتقل إلى اللعب في فريق يوفنتوس الإيطالي بمدينة تورينو قادما من ريال مدريد الإسباني في العام الماضي.

وقال ديفيز “الكثيرون من زبائننا يأتون من أنظمة ضريبية ودول كانت فيها أنظمة حكم يسارية متطرفة مثل البرازيل… إنهم يقولون لنا إنه يعرفون ما سيحدث: فرض ضريبة على الأثرياء وبعد ذلك أخذ أموالهم. هذا الأمر يذكرني دائما بواحدة من أشهر أقوال مارغريت تاتشر الملقبة بالمرأة الحديدية وهي: المشكلة مع الاشتراكية هي أنك في ما بعد ستحتاج إلى أموال الآخرين”.

العرب