انحدار الليرة يلهب الأسعار في الأسواق السورية

انحدار الليرة يلهب الأسعار في الأسواق السورية

تصاعدت استغاثات السوريين من تفاقم موجة غليان الأسعار، بعد أيام قليلة من تخلي البنك المركزي عن دعم العملة المحلية، التي تهاوت إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار في وقت لا يزال فيه الاقتصاد يعيش بين ركام الحرب.

دمشق – تسود حالة من التشاؤم بين السوريين من السقوط في حفرة أزمات أعمق بعد أن دفع انحدار قيمة الليرة أسعار جميع السلع في الأسواق إلى الارتفاع بشكل غير مسبوق.

ويقول سوريون إن سعر صرف الدولار في السوق السوداء تجاوز 675 ليرة هذا الأسبوع لتصل العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها منذ تفجر الحرب السورية في عام 2011.

وجاء تدهور الليرة بعد توقف البنك المركزي عن دعمها بسبب تلاشي موارده المالية في ظل الخراب الاقتصادي، الذي فاقمه تشديد العقوبات الغربية خلال العام الماضي.

وأثار ت وضعية العملة وارتفاع الأسعار موجة انتقادات شديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، تتهم الحكومة بالتهرب من مسؤولياتها وتطالبها بوضع حدّ لحالة الانهيار الاقتصادي.

ونسبت وكالة شينخوا الصينية إلى مواطنين في العاصمة السورية تأكيدهم على أن انحدار الليرة ألهب الأسعار بشكل جنوني وانعكس سلبا على حياتهم المعيشية اليومية.

وقال سالم الحاج وهو عامل بأجر يومي “لست مهتما بصعود الدولار أو نزوله، ولكنني مضطر لمعرفة سعره اليومي، لأن الأسعار في الأسواق متعلقة به”.

وأشار إلى أن الكثير من السلع والمواد الغذائية تم رفع سعرها بسبب ارتفاع الدولار أمام الليرة السورية.

واشتكى سالم من لهيب الأسعار الذي تزامن مع افتتاح العام الدراسي الجديد، وشراء بعض الاحتياجات الضرورية لأولاده، الأمر الذي أرهق كاهله، وجعله في ضائقة مادية كبيرة.

وأكدت عفراء وهي ربة منزل على أن تذبذب أسعار صرف الليرة السورية أمام الدولار أنهك المواطنين، وجعلهم في حيرة من أمرهم.

وأوضحت أن التجار يرفعون الأسعار عندما يرتفع الدولار، لكن لا تنخفض الأسعار عندما ينخفض سعره.

675 ليرة السعر الذي بلغه الدولار هذا الأسبوع في سوق العملة بسوريا وهو الأدنى منذ عام 2011

وقالت عفراء أثناء خروجها من إحدى الأسواق في دمشق لشينخوا “أصبح الأمر لا يطاق”، مشيرة إلى أن الأسعار عالية جدا ولا تتناسب مع دخل المواطن السوري، متسائلة “إلى متى سيبقى هذا الوضع؟”.

وتساءلت مستغربة، من المستفيد من رفع سعر الدولار أو بالأحرى من تدهور الاقتصاد السوري؟ مؤكدة في الوقت ذاته أن هناك دولا غربية تريد لهذا البلد الدمار بكل مناحي الحياة.

ويؤكد تجار عملة أنه رغم أن الليرة بلغت مستوى 660 مقابل الدولار لفترة وجيزة في 2016، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تحوم فيها قرب تلك المستويات القياسية المنخفضة لأيام.

ويرى أبوعبيدة، صاحب محل تجاري، أن أسعار السلع تتغير بشكل يومي بسبب ارتفاع سعر الصرف، وتدهور الليرة.

ولفت إلى أنه هو الآخر يخسر عندما يبيع سلعة ما بسعر محدد، وعندما يشتري سلعة أخرى من نفس النوع تكون أغلى بكثير من التي باعها، فيضطر لدفع الفارق من ربحه ليشتري بعض السلع الجديدة.

ودعا أبوعبيدة الفريق الاقتصادي في الحكومة إلى وضع حد لهذا التدهور، من خلال تثبيت سعر الصرف لفترة محددة، مبينا أن هذا الشيء بحد ذاته إنجاز كبير.

وتؤكد الأوساط الاقتصادية في سوريا على أن تراجع قيمة العملة مرتبط بالأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية للبلاد وتأثيرات حزمة العقوبات الغربية المفروضة على دمشق منذ سنوات.

ونسبت وسائل إعلام محلية للباحثة الاقتصادية لمياء عاصي، قولها إن “تذبذب سعر الصرف وانخفاض قيمة الليرة يعكسان الوضع الاقتصادي والسياسي العام”.

وأضافت عاصي، التي تسلمت حقيبة الاقتصاد في الحكومة عام 2010 إن “تكاليف الحرب باهظة جدا، وانعكست على المستوى المعيشي للشعب السوري، إضافة إلى حصول انكماش حاد في الناتج المحلي الإجمالي”.

ويأتي تدني قيمة الليرة تزامنا مع تشديد العقوبات الغربية على البلاد، فيما تسعى دمشق إلى التخفيف من وطأتها من خلال محاولات يائسة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية.

وجرى تشديد العقوبات الأميركية والأوروبية منذ نوفمبر الماضي ليشمل رجال أعمال سوريين مقربين من النظام وغير الأميركيين الذين يتعاملون مع دمشق، ما ردع الشركات الدولية عن الاستثمار في إعادة الإعمار بعد الحرب، ما دام بشار الأسد متمسكا بالسلطة.

ويقول مستثمرون محليون إن العملة تأثرت أيضا بتبدد الآمال في أن تشجع مكاسبُ الأسد في ساحة المعركة الأثرياء السوريين في الخارج على البحث عن فرص في الاقتصاد الذي دمرته الحرب، نتيجة مخاوفهم من العقوبات الغربية.

وأكد رجال أعمال محليون أن العملة تعرضت لضغوط شديدة خلال الفترة الماضية بعدما تخلى البنك المركزي إلى حد بعيد عن جهوده في الأشهر الأخيرة لدعم قيمة الليرة من أجل حماية احتياطاته النقدية الأجنبية المتبقية.

ورغم تلك المحاولة، باتت دمشق مضطرة للاعتماد على الاحتياطات النقدية البالغة 700 مليون دولار فقط، بحسب ما تشير إليه التقديرات بعد أن كانت عند مستوى 18 مليار دولار مع بداية الأزمة.

العرب