الاقتصاد الفلسطيني.. بين “اتفاق باريس” و”دعابة” الالتزام العربي

الاقتصاد الفلسطيني.. بين “اتفاق باريس” و”دعابة” الالتزام العربي

يؤمن وزير الاقتصاد الوطني في السلطة الفلسطينية، خالد عسيلة، بأنه ما زال يمكنه جعل الدول العربية والمستثمرين العرب والأجانب يوجهون رؤوس أموالهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية. في نهاية اجتماع للمجلس الاقتصادي – الاجتماعي العربي الذي عقد الأسبوع الماضي في القاهرة بناء على طلب الفلسطينيين، أعلن: “نتطلع إلى حلم استثمار عربي وشراكة فعالة في بناء اقتصادنا وزيادة التعاون التجاري الذي يسمح لنا بالوصول إلى الأسواق العربية والدولية”. في هذه الأثناء، حظي عسيلة فقط بدعابة المصادقة على الالتزام العربي بمنح السلطة الفلسطينية 100 مليون دولار شهرياً من أجل التغلب على العجز الاقتصادي العميق الذي وقع عليها نتيجة خصم أموال الضرائب الذي فرضته إسرائيل.

هذا الخصم، الذي يعارض اتفاق باريس الموقع في أعقاب اتفاقات أوسلو، استند إلى القانون الذي جرى سنه في تموز 2018 وبدأ تطبيقه في شباط، والذي يلزم الدولة بأن تخصم من أموال الضرائب العائدة للسلطة القسم الذي تحوله إلى عائلات فلسطينية قتل أبناؤها في عمليات إرهابية وعائلات السجناء. الحديث يدور عن مبلغ يصل إلى 500 مليون شيكل تخصمه إسرائيل من الدفعات الشهرية، عائدات الضرائب تشكل 60 في المئة من ميزانية السلطة الفلسطينية. ولأن رئيس السلطة محمود عباس قرر أن لا يتسلم من إسرائيل باقي العائدات التي تستحقها السلطة، فإن الأزمة الاقتصادية التي وجدت السلطة نفسها فيها تضع محل تساؤل قدرتها على مواصلة دورها بدون مساعدة فورية.

ميزانية السلطة الفلسطينية التي تأجلت لأكثر من ثلاثة أشهر، تضمنت تقليصات في دفع الرواتب وإعادة أموال كانت دفعت لكبار موظفي السلطة، لكن هذا غير كاف من أجل جسر الهوة في المداخيل التي كانت تتوقعها بدون خصم. بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة برئاسة محمد اشتية، وبوساطة مصرية وموافقة إسرائيلية استندت إلى توصيات الجهات الأمنية، حولت إسرائيل إلى السلطة في آب 2 مليار شيكل كجزء من الاتفاق الذي بحسبه لن تقوم إسرائيل بجباية ضريبة “البلو” على الوقود الذي يصل إلى السلطة، وتحول العائدات من “البلو” التي قامت بجبايتها خلال الأشهر السبعة الأخيرة. كذلك تستطيع السلطة أن تجبي بنفسها ضريبة على الوقود الذي تقوم ببيعه للمستهلكين.

حسب أقوال عسيلة، فإن تحويل الأموال يمنح طول نفس ويمكن السلطة من دفع فوارق الرواتب للموظفين الذين تم تقليص رواتبهم للنصف. ولكن ليس من شأنها أن تُحدث انعطافة اقتصادية تستطيع أن توجه موارد لمخططات تطوير وإقامة بنى تحتية صناعية. من أجل تطبيق مطامح عسيلة بتحويل فلسطين إلى مركز اقتصادي منتج ومسوق للدول العربية، تحتاج السلطة إلى استثمارات بمبلغ يصل إلى 10 مليارات دولار في السنوات الثلاث القادمة، وهو مبلغ بإمكان السلطة الفلسطينية أن تحلم به في هذا الوقت.

تعيين عسيلة يعد اختياراً حكيماً، فهو رجل أعمال ناجح، سار في طريق والده المتوفى زهير عسيلة، وأقام عدة شركات كبيرة وناجحة في المناطق. وهو أيضاً رجل إدارة في الشؤون العامة وله تجربة ومؤهل. كعضو في مجلس بلدية، وبعد ذلك كرئيس لبلدية الخليل، طور نظام جبي ضرائب البلدية، وأقام نظاماً محوسباً لتقديم خدمات، وأوجد النموذج الأول في الضفة لبلدية إلكترونية. علاقاته المتشعبة مع الأردن وإسرائيل ورجال أعمال في العالم، والدعم الذي يحظى به من عباس، وصفاته كمبادر مثابر، كل ذلك يمنحه الإمكانية للدفع قدماً باقتصاد السلطة الفلسطينية، شريطة أن يحظى بتعاون مع إسرائيل.

أحد قراراته الأولى كان شطب حوالي 3 آلاف شركة من قائمة سجل الشركات، لأنها لا تلبي الشروط القانونية المطلوبة. وهو يسعى إلى إعطاء تسهيلات لشركات ناجعة موجهة للتصدير، وتقليص عدد الموظفين العامين وزيادة تدخل القطاع الخاص في إعادة تأهيل الاقتصاد، تحديداً في تجنيد مستثمرين أجانب. في السنة الماضية، استثمر بشكل مباشر في الضفة 203 مليون دولار، 50 مليون دولار أقل من عام 2017، والهدف هو الوصول إلى مليار دولار. لهذه الغاية، يبادر عسيلة إلى تشكيل اللجنة الاقتصادية من أجل فلسطين التي يتوقع أن تنعقد في القاهرة في تشرين الأول المقبل. وحتى ذلك الحين، يعكف على صياغة برامج تطوير واستثمار ستعرض على رجال الأعمال وممثلي الدول التي ستشارك في المؤتمر.

العائق الأساسي الذي يقف أمامه هو ارتباط الاقتصاد الفلسطيني كاملاً بإسرائيل. الحديث لا يدور فقط عن مسارات التصدير التي تمر عبر موانئ إسرائيل أو بقوة العمل الفلسطينية التي تفضل العمل في إسرائيل حيث تحصل فيها على أجر متوسط يفوق ضعف الأجر المدفوع لها في الضفة على الأقل. حسب معطيات بنك إسرائيل، فإن حوالي 83 في المئة من التصدير الفلسطيني هو إلى إسرائيل، و60 في المئة من الاستيراد يأتي من إسرائيل. منع استيراد المواد الخام التي يمكنها -حسب ادعاء إسرائيل- أن تستخدم لأغراض عسكرية، وقيود النقل بين إسرائيل والضفة وبالعكس، وقيود على الإنتاج، ووقف اتفاق شراء النفط من العراق.. كل ذلك يحول أي استثمار في الضفة الغربية إلى أقل جدوى. حسب تقرير البنك الدولي في نيسان الماضي، فإن رفع قيود الحركة وحده يمكن أن يضيف 6 في المئة إلى الناتج القومي الإجمالي الخام الفلسطيني، الذي حجمه الآن لا يتعدى 4 في المئة من الناتج القومي الخام الإسرائيلي.

من يريد أن يستبدل بالسلام السياسي سلاماً اقتصادياً، ومن يرى في مؤتمر البحرين الذي بادر إليه الرئيس الأمريكي ترامب قاعدة مناسبة لبداية عملية سياسية، لا يستطيع الاكتفاء بتجنيد الأموال. تغيير بنية الاعتماد الاقتصادي بين المناطق وإسرائيل، وصياغة اتفاقات تجارية تعطي للسلطة الفلسطينية استقلالاً في إدارة اقتصادها، وتقليص كبير في حجم القيود.. هي شروط ضرورية لنمو يخدم أيضاً مصالح إسرائيل الأمنية.

القدس العربي