ثلاثة معايير للحكم على الاتفاق النووي الإيراني

ثلاثة معايير للحكم على الاتفاق النووي الإيراني

441

الحكم النهائي على الاتفاق النووي الإيراني ستحدده ثلاثة أشياء، التحليل الدقيق لوثيقة الاتفاق وملحقاتها، وثانيًا الالتزام والمراقبة لضمان التنفيذ، وأخيرًا انعكاساته على المنطقة وعلى السلوك الإيراني. فالاتفاق سيكون إيجابيًا لو كانت نتيجة هذه الأمور الثلاثة إيجابية، وإلا فإنه قد ينتهي بالمنطقة إلى ما انتهت إليه عمليات المراقبة والتفتيش على نظام صدام حسين، أو ربما أسوأ.
من الطبيعي أن يكون هناك قلق خصوصًا في الخليج والشرق الأوسط لأن تأثيرات الاتفاق تنعكس مباشرة على المنطقة وتوازناتها، وبالتأكيد على أمنها واستقرارها. ومن الطبيعي أيضًا أن تكون هناك مظاهر احتفالية في إيران خصوصًا من المواطنين الذين عانوا بسبب العقوبات، وهو ما أقر به الرئيس الإيراني حسن روحاني في كلمته التي وجهها عقب إعلان الاتفاق. العالم سينتظر الآن مراحل التنفيذ ليرى ما إذا كان الاتفاق «خطوة تاريخية» أم «خطأ تاريخيا».
من ناحية مبدئية يمكن للمرء أن يجادل أنه من حق أي بلد أن يسعى للاستخدام السلمي للطاقة النووية، من دون التقليل من الجدل والمحاذير الأخلاقية والبيئية المتعلقة بهذا النوع من الطاقة. ينطبق هذا على إيران مثلما ينطبق على الدول العربية التي لا يمكن لأحد أن ينازعها حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية لو أرادت اتخاذ خطوات في هذا الطريق بعد الاتفاقية الإيرانية. إذا سلمنا بهذا الحق، فإن اتفاق فيينا بين الدول الكبرى الست وإيران يعتبر خطوة إيجابية نحو ضمان بقاء برنامج إيران النووي في إطار الاستخدام السلمي، ومنعها من تحويله للاستخدام التسلحي العسكري. فالقلق الأكبر كان ويظل أن يتحول البرنامج النووي الإيراني إلى برنامج عسكري، وهو قلق مشروع مثلما هو الحال من القلق من القوة النووية الإسرائيلية. المفارقة أن إسرائيل التي تعترض بعنف على البرنامج النووي الإيراني، تعتبر مسؤولة عن إمكانية إشعال سباق نووي في المنطقة لتمسكها بقنبلتها ورغبتها أن تكون الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، وعرقلتها بالتالي لكل الدعوات لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي.
الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يريد تسويق الاتفاق للكونغرس ولإسرائيل وللدول العربية، كرر أكثر من مرة في خطابه بعد إعلان الاتفاق أنه بسبب هذه الصفقة سيكون المجتمع الدولي قادرًا على التأكد من أن طهران لن تنتج سلاحًا نوويًا، ومن غيرها كان الخيار هو بقاء الوضع على ما هو عليه والمجازفة بأن تنجح إيران في امتلاك سلاح نووي، أو استخدام القوة العسكرية لمنعها من ذلك بكل ما قد يجره هذا الأمر من تبعات تجعل الوضع في المنطقة أكثر خطورة. فالواقع أن إيران بقوتها التقليدية تثير قلقًا كبيرًا، لأنها تملك ما يكفي ويزيد لإثارة القلاقل، واستخدام القوة العسكرية لضرب منشآتها النووية ربما كان سيجعلها أخطر وأشرس. من هذا المنطلق فإن الاتفاق النووي لو أدى إلى تحجيم البرنامج الإيراني ومنعه من التحول إلى برنامج نووي عسكري، فإنه يعتبر خطوة إيجابية مهمة للغاية.
القراءة الأولية لما نشر عن الاتفاق توضح أنه سيقيد الأنشطة النووية الإيرانية، وسيقلص القدرات والمنشآت وكميات اليورانيوم المخصب التي تمتلكها طهران، كما سيفرض مواصلة الحظر على تصدير الأسلحة التقليدية لخمس سنوات وعلى الصواريخ لمدة ثماني سنوات. الكثير سيعتمد بلا شك على التقيد والتنفيذ ونظام المراقبة، لذلك منح الاتفاق دورًا محوريًا لوكالة الطاقة الدولية ولعمليات التفتيش والرقابة، وربط رفع العقوبات بالتقارير عن مدى الالتزام بالاتفاق وتنفيذ بنوده.
الأمر الآخر الذي سيشكل معيارًا مهمًا في الحكم على الاتفاق هو تأثيره على السياسات الإيرانية الإقليمية، فإن جنحت طهران إلى التعاون وكبحت نزعة التدخلات الخارجية واستغلت الموارد التي ستحصل عليها من رفع العقوبات لأغراض التنمية والاستقرار، فإن اتفاقية فيينا ستكون فتحت صفحة جديدة مهمة للمنطقة. أما إذا حدث ما تتخوف منه كثير من دول المنطقة من أن يعطي الاتفاق إيران دفعة قوية لدعم طموحاتها وتدخلاتها الإقليمية، فإن الاتفاق سيكون نكسة إضافية للاستقرار والأمن في المنطقة.
هناك سبب آخر لقلق بعض دول المنطقة وهو أن إيران باتت تملك المعرفة النووية، ومن خلال الاعتراف ببرنامجها النووي «السلمي» المسموح به ضمن الاتفاق – الصفقة، فإنها ستستمر في تطوير هذه المعرفة، بكل ما يعنيه ذلك لموازين القوة وإمكانات التحول لقوة نووية مستقبلاً. صحيح أن هناك دولاً في أرجاء مختلفة من العالم تملك قدرات نووية سلمية من دون أن يثير ذلك مخاوف من تحويل معرفتها نحو الاستخدام العسكري، لكن الأمر في الشرق الأوسط يبدو مختلفًا في ظل الصراعات ودوامة عدم الاستقرار وانعدام الثقة.
لهذا كله يصبح مهمًا ما قيل عن أن الصفقة لم تبن على الثقة بل على آلية الرقابة، والحكم عليها سيعتمد على ذلك، مثلما سيعتمد حتمًا على ما ستفرزه بالنسبة لأوضاع المنطقة.

عثمان الميرغني

صحيفة الشرق الأوسط