أفريقيا تسارع الخطى خارج مدار كوكب الأرض

أفريقيا تسارع الخطى خارج مدار كوكب الأرض

كانت حلقة الدول الأفريقية التي تمتلك أقمارها الاصطناعية الخاصة ضيقة ومتكونة من أربع دول فقط، وهي؛ الجزائر ومصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، لكنها توسعت منذ سنة 2017 ولا تزال بصدد التوسع بعد أن تقرر إنشاء وكالة أفريقية للفضاء، ومن احدث الملتحقين بهذا السباق هي إثيوبيا، ومن المتوقع أن تساهم مبادرات الدول الأفريقية في تقدم القارة على مستويات عديدة وفي مجالات مختلفة.

جوهانسبرغ – عندما شارك مارك شوتلورث وهو من أصحاب الملايين في جنوب أفريقيا، في رحلة انطلقت إلى محطة الفضاء الدولية عام 2002 على نفقته الخاصة في إطار برنامج للسياحة الفضائية، أصبح أول شخص يحصل على لقب رائد فضاء أفريقي.

وعلى الرغم من عدم إقبال أي شخص أفريقي آخر على تقليده، فإن عددا كبيرا من الدول في مختلف أنحاء القارة الأفريقية صارت تتطلع نحو النجوم وتدخل سباق الفضاء بسرعة ملحوظة.

فقد دشنت نحو 20 دولة أفريقية برامج فضاء خاصة بها، ومن بينها ثماني دول أطلقت بالفعل قرابة 40 قمرا اصطناعيا إلى المدار الخارجي لكوكب الأرض، ونفذ نصف عدد هذه الأقمار الاصطناعية رحلات إلى الفضاء خلال العامين الماضيين فقط.

وكان عام 2017 استثنائيا وزاخرا بالأنشطة الفضائية بالنسبة إلى القارة الأفريقية، حيث أطلقت أربعة أقمار اصطناعية تابعة لدول تنتمي إلى هذه القارة، وأصبحت أنغولا الدولة الأفريقية السابعة التي تملك آلة ذات مدار ثابت فوق الأرض.

وكالة الفضاء الأفريقية
بعد اختتام مؤتمر طوكيو الدولي السابع للتنمية في أفريقيا (تيكاد 7) الذي انعقد خلال الفترة من 28 حتى 30 أغسطس الماضي، رحب المشاركون بإنشاء وكالة الفضاء الأفريقية والتي تهدف إلى تدعيم العلوم والتكنولوجيا والابتكارات في مجال التنمية المستدامة في القارة.

وتعدّ وكالة الفضاء الأفريقية من بين المشاريع المهمة في القارة، والتي نجحت مصر خلال فبراير الماضي، في الفوز باستضافة مقرها بشكل دائم، وخصصت قطعة أرض بمنطقة القاهرة الجديدة لبناء هذا المقر اتساقا مع “أجندة 2063.. أفريقيا التي نريدها”.

وتعد هذه الخطوة محاولة أفريقية جادة للدخول في سباق الفضاء واللحاق بعصر التكنولوجيا، بما يخدم خطط التنمية والكشف عن ثروات القارة المختلفة.

وتهدف الوكالة إلى استحداث نقل وتوطين وتطوير علوم وتكنولوجيا الفضاء، وامتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الاصطناعية وحمايتها، ودعم البحث العلمي، ودفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الأفريقية وفقا لأجندة أفريقيا 2036.

وأكدت المفوضية الأفريقية، أن أجندة 2036 هي خطة أفريقيا الأصيلة للتحول الذاتي حيث تسعى لتسخير المزايا النسبية للقارة.

وتعمل الأجندة على ربط أفريقيا من خلال بنية تحتية ذات مستوى عالمي ومن خلال حملة منسقة لتمويل وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية في قطاعات النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

دول أطلقت بالفعل قرابة 40 قمرا اصطناعيا إلى المدار الخارجي لكوكب الأرض

ويرى علاء النهري نائب رئيس “المركز الإقليمي لتدريس علوم وتكنولوجيا الفضاء لغرب آسيا” التابع للأمم المتحدة، أن إنشاء وكالة فضاء أفريقية ضرورة للقارة تستخدمها في مجالات حيوية للتنمية، كالزراعة والتعدين والبيئة والاتصالات.

ويقول النهري، “سوف تساعد الوكالة أيضا في اكتشاف ثروات القارة الهائلة التي لم تُكتشف بعد، وفي الرصد السلبي للمخاطر الطبيعية وكذلك مصادر المياه”.

ويلفت النهري إلى أن الوكالة ستمثل مجالا للتعاون بين الدول الأفريقية التي تمتلك أقمارا اصطناعية، مثل جنوب أفريقيا وكينيا ونيجيريا والمغرب والجزائر، وأنغولا التي دخلت حديثا مجال علوم الفضاء، مشيرا إلى أن هذا سوف يعمل على تغطية القارة بالكامل. وكان من أهم أهداف الاتحاد الأفريقي الداعية إلى إنشاء وكالة الفضاء هو التقليل من “ازدواجية الموارد والجهود”، وهذا يعني، أن بلدانا أفريقية عديدة كانت لديها طموحات لبرامج فضاء منفردة، لكن الأحوال الاقتصادية أعاقتها لمدد طويلة، في حين سوف تتعاون هذه البلدان الآن وتتقاسم المنافع المحتملة من إنشاء الوكالة.

وينص مشروع النظام الأساسي للوكالة على أن من أهداف الوكالة “تعزيز البعثات الفضائية من القارة؛ لضمان الوصول الأمثل إلى البيانات والمعلومات والخدمات والمنتجات الفضائية”.

ويتوقع أن يؤدي مثل هذا الوصول الرحب إلى حماية الغابات من أضرار إزالة أحراجها وحسن التخطيط للكوارث، وهي فوائد ذات أهمية بالغة للقارة؛ نظرا لتزايُد ما تتعرض له أفريقيا من تأثير تغيُّر المناخ عند المقارنة بالقارات الأخرى.

يشار إلى أن قرار إنشاء برنامج فضاء أفريقي اتّخذ عام 2012 من قِبَل وزراء الأرصاد الأفارقة، وشكلت مفوضية العلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الأفريقي مجموعة عمل من بعض الدول المهتمة بمجال الفضاء، لإعداد رؤية مبدئية للسياسات والاستراتيجيات الفضائية.

وكان الاتحاد الأفريقي قبل ذلك، يسعى إلى سد عجزه في البيانات المستقاة من الفضاء بالتعاون مع برنامج كوبرنيكس التابع للمفوضية الأوروبية، بما يسمح للعلماء الأفارقة بالوصول المجاني إلى بيانات تتعلق مثلا بالتصوير الجوي الرقمي والطبوغرافيا وتغيُّرات النباتات وأنماط الطقس وغيرها.

صارت إثيوبيا أحدث دولة تلتحق بسباق الفضاء من بين الدول الأفريقية، حيث تطلق هذه الدولة الكائنة في شرقي أفريقيا قمرا اصطناعيا خاصا بها لرصد أحوال المناخ خلال شهر سبتمبر الحالي بدعم من الصين، وبالتالي فهي ستؤسس معهد علوم وتكنولوجيا الفضاء في العاصمة أديس أبابا، والذي سيتولى في المستقبل مهمة تحليل البيانات التي سيرسلها القمر. وجاء ذلك بعد إطلاق مرصد فلكي أطلقت عليه اسم “إنتوتو”، وهي محطة فريدة من شأنها أن تسمح لإثيوبيا بمراقبة سماء نصف الكرة الشمالي والجنوبي.

وتعتزم إثيوبيا الانضمام إلى المحطة الفضائية الدولية بحلول عام 2025، من خلال إطلاق قمر اصطناعي لها عبر مرصد “إنتوتو”. وأوضح الخبير تولو بيشه، رئيس قسم الأرصاد الجوي في مرصد إنتوتو، أن “إطلاق القمر الاصطناعي سيساعد إثيوبيا على التعامل مع المعلومات وجعلها تواكب التطور بدلا من الاعتماد على البيانات التي توفرها الأقمار الاصطناعية للدول الأخرى”.

وأوضح، أن النقص الحاد في الطاقة البشرية الماهرة والتكنولوجيا الحديثة أصبح عائقا أمام تطوير علوم الفضاء.

وقال بيشه، إن مرصد إنتوتو تديره الجمعية الإثيوبية للعلوم الفضائية، وإنه أُقيم على ارتفاع 3200 متر فوق مستوى سطح البحر بمنطقة جبال إنتوتو المطلة على أديس أبابا، ويغطي 360 درجة في جميع أنحاء الكون.

وأشار، إلى أن المرصد نشط في جمع المعلومات والتفاعل داخل الكون، متوقعا له بأن يعمل على إجراء المزيد من الأبحاث الفضائية العلمية.

وكانت إثيوبيا قد كشفت النقاب عن المرحلة الأولى من برنامجها لاستكشاف الفضاء من خلال إنشاء مرصد إنتوتو قبل ثلاث سنوات الذي يعد الأكبر من نوعه في شرق أفريقيا لتشجيع البحوث الفلكية في المنطقة. ويضم المرصد تليسكوبين لرصد المزيد من الكواكب والأنواع المختلفة من النجوم والمجرات العميقة ودرب اللبانة بتكلفة قدرها 3.5 مليون دولار.

إمكانيات غضة
يقول جيمس بارينغتون براون رئيس شركة “نيو سبيس سيستمز (أنظمة الفضاء الجديدة)” في كيب تاون، إن “صناعة الفضاء في أفريقيا لا تزال غضة، غير أنها تتمتع بإمكانات هائلة”، وتصدر هذه الشركة التي يعمل بها 22 موظفا مكونات الأقمار الاصطناعية إلى الخارج.

وبينما تعتمد الكثير من الدول الأفريقية على الدعم من الصين أو أوروبا أو اليابان، يرى بارينغتون براون، أن جنوب أفريقيا والمغرب دولتان رائدتان في هذا المجال، ويقول إن “جنوب أفريقيا تعد واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي يمكنها أن تصنع أقمارها الاصطناعية”.

وأشار بذلك إلى برنامج للفضاء تم تدشينه أثناء فترة نظام الفصل العنصري، كما أن الجامعات بهذه الدولة يتخرّج منها مهندسون يتمتعون بمستوى تعليمي جيد.

واكتشفت شركة أيرباص، أن القارة الأفريقية باتت سوقا لأنشطتها التجارية، حيث تقوم بتصدير منتجاتها لدول شمال أفريقيا على وجه الخصوص، كما أسست برنامجا تعليميا وتدريبيا لإعداد المواهب الشابة للعمل في هذه الصناعة.

وبالإضافة إلى جنوب أفريقيا، دخلت كل من الجزائر وأنغولا ومصر وغانا وكينيا ونيجيريا والمغرب في صفوف الدول الأفريقية المشغلة للأقمار الاصطناعية، وتركز معظم هذه الدول على الأقمار الاصطناعية المستخدمة في أغراض الاتصالات ورصد المتغيرات البيئية على كوكب الأرض، وهو اتجاه تسير على نهجه مناطق أخرى من العالم، وذلك وفقا لدراسة أجراها الباحثون بمركز “ماركت فوركاست” أي التنبؤ بمتغيرات السوق.

يذكر أن نيجيريا أنشأت وكالة فضاء عام 1999 وهي “الوكالة الوطنية للبحوث والتنمية الفضائية”، وقد باشرت العمل في أغسطس 2001 ثم أطلقت أول قمر اصطناعي بعد سنتين “نيجيرياسات-1”، الذي صنع بالتعاون مع الوكالة البريطانية.

ورغم أن جنوب أفريقيا لم تنشئ وكالة فضاء “سانسا” سوى في 2010، إلا أن أول قمر اصطناعي جنوب أفريقي، سنسات، أطلق في 1999 بمساعدة وكالة الفضاء الأميركية ناسا.

وقالت الدراسة، إن “صناعة الفضاء تبرز كواحدة من أكثر الصناعات جذبا وربحية على مستوى العالم”.

ونتيجة للتطور التقني صارت الأقمار الاصطناعية أصغر حجما، وبالتالي متاحة بدرجة أكبر، كما تتزايد الحاجة إلى بيانات موثوق فيها مثل متابعة التغير المناخي ومراقبة مخزون واحتياطيات المياه والبيانات اللازمة للتخطيط العمراني والأرصاد الجوية، كما أن القطاع الرقمي في أفريقيا آخذ في الازدهار ويتطلب قنوات اتصالات موازية.

ألمانيا تنتبه
انتبهت ألمانيا لجهود أفريقيا في الوصول إلى الفضاء، وفي هذا الصدد، قال جيرد موللر وزير التنمية الألماني خلال زيارة قام بها مؤخرا إلى دول أفريقية، إن “القارة الأفريقية تعدّ أسرع سوق نموا لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في العالم، واستخدام الأقمار الاصطناعية لبناء بنية تحتية رقمية هو مسألة أساسية”.

ويعد الوصول إلى البيانات بمساعدة الأقمار الاصطناعية وتبادل هذه البيانات هو أساس الاقتصاد الرقمي، حيث أن الافتقار إلى البيانات يجعل التقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبرى عاجزة عن العمل.

وأضاف، “وفي هذا المجال يجب على أفريقيا أن تكون لاعبا مهمّا، وهي ستكون كذلك”.

ومع ذلك، ليس من المتاح التعرف على أرقام موثوق بها حول صناعة الفضاء الأفريقية، حيث أن الكثير من الدول تتبادل المعلومات فقط في إطار قطاع الفضاء، ويقدر أن ما يقل عن عشرة آلاف شخص يعملون في هذه الصناعة، ويعمل أغلبهم في برامج تشرف عليها الدولة.

وكانت محاولات القطاع التجاري العامل في صناعة الفضاء لدخول سوق هذه الصناعة في الماضي لا تذكر، على سبيل المثال حاولت شركة “أوتراج” الألمانية اختبار صواريخ لإطلاق الأقمار الاصطناعية في غابة بالكونغو الكائنة في الجنوب الشرقي من أفريقيا والتي كان يطلق عليها وقتذاك الزائير، وذلك خلال أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي، ولكن بعد أن تم إنهاء عقد إيجار قاعدة إطلاق الصواريخ ، دخلت هذه القاعدة بسرعة في طيّ النسيان.

العرب