وزير الصحة العراقي يستقيل ؛ النزاهة والفساد لا يتوافقان

وزير الصحة العراقي يستقيل ؛ النزاهة والفساد لا يتوافقان

 

الباحثة شذى خليل*

وزير الصحة العراقي علاء الدين العلوان، هو أحد الوزراء التكنوقراط الذين تضمنتهم حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ولا يتبع لأي حزب سياسي، يقدم استقالته بعد عملٍ متواصلٍ وجهدٍ حثيثا لمسيرة اصلاح وإعادة بناء النظام الصحي في العراق.
في يوم 12-9-2019، قدم العلوان استقالته التي كانت بمثابة صرخة احتجاج على الضغوط والابتزاز والتشهير التي تعرض لها من قبل الفاسدين، إذ تم تكليفه وزيرا للصحة في الـ24 من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي 2018، كان مؤمنا بالعمل الإصلاحي للحكومة ، ومن اجل إعادة رؤية رصينة وخارطة طريق واضحة لتحسين الظروف الصحية والبيئة، والعمل بكل حزم للتصدي للتحديات ومواجهتها، والمتراكمة منذ عقود ثلاثة ماضية، من فساد مالي وادراري انهكت إدارة القطاع الصحي في العراق .
اتسمت سياسية العلوان الإدارية برؤيه مستقبلية ناجحة، والاعتماد على التخطيط السليم في تحديد المشكلة، ووضع الحلول المناسبة للظروف الاستثنائية التي يمر بها العراق، إذ يعتمد العلوان على التوجيهات الاستراتيجية في محاربة الفساد الإداري الذي استشرى في وزارة الصحة العراقية، في ظل مالية صعبة من قلة التمويل، وتحديات كبيرة في محاربة الفساد والفاسدين في هذا القطاع الحيوي.

ومن أهم إنجازات وزير الصحة علاء الدين العلوان، التي خطط لها بشكل علمي مدروس، وباستراتيجية واضحة، ومنهجية علمية لم يسبقه أحد إليها، في بدء مسيرة الإصلاح التي تبناها، رغم الفترة القصيرة التي تولى بها إدارة الوزارة، حيث قامت الوزارة بإعداد مراجعة ودراسة معمقة للوضع الصحي ، وتحديد التحديات.
• اعتمدت المراجعة على دراسة علمية للمؤشرات الصحية، وتقييم متخصص للبرامج الصحية الأساسية للوزارة، بمشاركة عدد كبير من الاستشاريين من داخل وخارج العراق، بالإضافة الى خبراء منظمات دولية تقود العمل الصحي في العالم .
• قدم وثيقة صدرت من وزارة الصحة والبيئة في شهر أيار 2019 تشخص وبدقة عالية الوضع الصحي في العراق، وأين تكمن مواطن الضعف والخلل الحقيقي للحالة المأساوية التي يعيشها الواقع الصحي، بما في ذلك الأولوية المتدنية للصحة في التخصيصات الحكومية، وقلة في الانفاق على الصحة، والتراجع الخطير في الخدمات المقدمة للمواطن العراقي الذي يعيش في أغنى بلدان العالم .
• كذلك قدمت الوثيقة رؤية استراتيجية شاملة، وخارطة طريق لإصلاح النظام الصحي في العراق، وإذا ما استمر تنفيذها وتطبيقها على ارض الواقع، كان من الممكن ان تكون حجر الأساس لانتشال الواقع الصحي المتدني.

• محافظة البصرة.. تم إعداد دراسة شاملة لتقيم الوضع الصحي في المحافظة، وكيفية التصدي للملوثات المستمرة لمياه الآبار في العراق، حيث تم ولأول مرة إعداد قاعدة بيانات متكاملة للقطاعات الملوثة، مع تحديد نوعية وكمية ومصدر النفايات والصرف الصحي التي ترمى في الابار، وإعداد خطة وطنية شاملة لخفض متلوثات المصادر المائية التي بدأ تنفيذها من قبل بعض القطاعات الحكومية خلال الأشهر الماضية بدعم من مجلس الوزراء .
• استحداث آلية لمراقبة تلوث نهري دجلة والفرات وشط العرب، تعمل بشكل دوري في كل شهر، وتعتمد على الفحوصات، تجريها مختبرات وزارة الصحة دوريا، واطلعت الحكومة على الإنجازات خلال السته أشهر الأولى من عملها .

• عمل على تحقيق الامن الدوائي، حيث عملت الوزارة بإدارة العلوان على توفير الادوية للاحتياجات الطارئة المنقذة للحياة، والتي غاب معظمها عن المؤسسات الصحية لسنوات عدة، من خلال تنظيم القطاع الصيدلاني، وتوريد الادوية للخروج من الازمات الدوائية الخطرة المفاجئة، والتي قطعت الوزارة شوطا لتحقيق الانسيابية في الحصول على الادوية، حيث باشرت الوزارة بالتعاون مع القطاعات الأخرى، المنافذ الحدودية والجمارك والمؤسسات الأمنية ونقابة الصيدلة، بتنفيذ خطة متكاملة للتعامل مع الفوضى الدوائية في القطاع الخاص، بما في ذلك السيطرة على المنافذ الحدودية، واتخاذ إجراءات وأساليب جديدة في تسجيل الادوية والشركات والتسعيرة للأدوية، وتعزيز أجهزة التفتيش والمراقبة حفاظا على حياة المواطن العراقي .
• استئناف العمل في المستشفيات الكبرى (التركية والألمانية) التي تم التعاقد معها منذ اكثر من عشر سنوات، والتي واجهت مشاكل أدت الى توقف كامل للعمل فيها للسنوات الأربع الماضية .
• تميزت فترة إدارة العلوان للوزارة بمهنية عالية، رغم التحديات لتي تهدد الامن الوطني للبلد.
• التصدي لسوء استخدام المال العام ومقاومة الفساد الإداري وتقوية الإدارة النزيهة في الوزارة.
• قامت الوزارة خلال عمل الوزير وبدعم من مجلس الوزراء بإزالة الأعباء المالية التي تستوفي المواطنين لقاء الخدمات الصحية عن طريق إلغاء معظم الأجور، والتي فرضت في الأعوام السابقة التي كانت تشكل عائقا وثقلا ماديا كبيراً للمواطن العراقي الفقير أمام حصوله على الخدمة الصحية .
• باشرت الوزارة بإعداد مشروع التأمين الصحي مع لجنة الصحة والبيئة في مجلس النواب العراقي .

• أهم المعوقات التي واجهت عمله الوزاري:
 التدخلات والضغوط السياسية في عمل الوزارة.
 من تتعارض مصلحته مع هذا الإصلاح والتغيير.
 من لا يريد ان ينهض العراق ويعود الى مكانته المرموقة بين دول المنطقة في إنجازاته العلمية والابتكار.
 من تضرروا بهذا الإصلاح وشفافية العمل الرشيد الذين لجأوا الى وسائل رخيصة بتشوية الحقائق في وسائل الاعلام وصفحات التواصل الاجتماعي واستخدموا كافة ادواتهم لإيقاف المسيرة الإصلاحية للقطاع الصحي، كونه يتعارض مع طموحاتهم الفاسدة لتدمير العراق وأهلة.
حيث قال العلوان: توصلت إلى قناعة راسخة بعدم إمكانية الاستمرار بالعمل في هذه الظروف، واستقالتي بدأت فعليًا من يوم الخميس الماضي (12 سبتمبر/أيلول 2019).
كان العلوان قد قدم استقالته من المنصب بتاريخ (19 فبراير/شباط 2019)، لكن رئيس الوزراء رفض الاستقالة، وأقنعه عدد من رؤساء القوى السياسية بالعدول عنها أيضًا.
العلوان قال: وصلت إلى قناعة راسخة بعدم إمكانية الاستمرار بالعمل في هذه الظروف، وقدم الشكر لرئيس الوزراء عادل عبد المهدي على ثقته الغالية وتوجيهاته ومساندته المتواصلة للقطاع الصحي والبيئي، وله شخصياً أثناء أداء عمله في الأشهر الماضية، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على حرصه ونزاهته، وعدم تمسكه بالمنصب، وان عصابات الفساد والتدمير لم تعطي الفرصة للوزير المهني والنزيه بالعمل وتنظيف الصحة من التشويه والفساد وإنقاذ العراقيين.

إن استقالة وزير الصحة علاء الدين العلوان، تؤكد النزاهة والمهنية التي يتسم بها الوزير، والتي لا تتوافق مع الحزبية وقوة الفاسدين وسيطرتهم على مفاصل مهمة بالدولة العراقية.
لكن ما العمل؟ هل يبقى الفاسدون هم من يسطرون على إمكانيات ومقدرات البلد؟ متى ننهض بالعراق؟
علاء الدين العلوان مثال مشرف يحتاج الى دعم واسناد، ليستمر في مسيرة الإصلاح، ويحتذى به كل شريف .. نحتاج الى تكاتف جميع الشرفاء والغيارى لتغيير الواقع المرير، وبتر أياد الشر التي تعبث بالنزيهين والشرفاء.. لنقف صف واحد ضد الشر…

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية