بين مفترق السياسة والقانون.. هذه إجراءات عزل ترامب

بين مفترق السياسة والقانون.. هذه إجراءات عزل ترامب

أخيرا خرج الديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي من حالة التردد التي تلبستهم خلال العامين الأخيرين، وقرروا البدء بإجراءات عزل الرئيس دونالد ترامب، قبيل نحو عام واحد من انتهاء ولايته الأولى، وفي خضم أزمات سياسية وحالة انقسام كبيرة في الولايات المتحدة.

وقد رفض العديد من المشرعين الديمقراطيين -بمن فيهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي- خلال السنتين الماضيتين الدخول في مسار عزل الرئيس على اعتبار أن ذلك بمثابة إهدار للوقت لأن مشرعي الحزب الجمهوري الذي ينتمي له الرئيس يتمتعون بأغلبية في مجلس الشيوخ، في حين اعتبر نواب ديمقراطيون آخرون أن عليهم التزاما أخلاقيا بالسعي لإقالته مهما كانت النتائج والتبعات.

وجاء قرار النواب الديمقراطيين ببدء إجراءات عزل ترامب بعد تقارير أفادت بأن ترامب ضغط على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتصال هاتفي يوم 25 يوليو/تموز لدفعه لفتح تحقيق عن بايدن، المرشح الديمقراطي الأوفر حظا لخوض انتخابات الرئاسة، وابنه هانتر، الذي عمل بشركة تنقب عن الغاز في أوكرانيا.

تشغيل الفيديووتعتبر عملية عزل الرئيس -أي رئيس في الولايات المتحدة- عملية معقدة من حيث الإجراءات الدستورية والمتطلبات الفنية، ونظرا لذلك فشلت جميع المحاولات السابقة لعزل رؤساء من مناصبهم، حيث يمر المسار الدستوري لعزل أي رئيس بمراحل وخطوات عديدة هذه أبرزها:

ما أسباب العزل؟
سعى المشرعون الأميركيون الأوائل للمواءمة بين أمرين هما المحافظة على الطابع الديمقراطي للبلاد ومنع انحراف الرؤساء وكبار المسؤولين التنفيذيين في الدولة، فاستحدث لأجل ذلك أداة العزل لتوفير إطار قانوني ودستوري يسمح بالتدخل عند الاقتضاء، ولكنهم بالمقابل وضعوا قيودا مشددة على سلطة العزل، من أجل وجود سلطة تنفيذية قوية لا تكون رهينة لأهواء الكونغرس، أو عرضة للإقالة والعزل لأدنى سبب.

ولتجسيد ذلك، حدد الدستور الأميركي ثلاثة أنواع من الجرائم تسمح بإقالة وعزل الرئيس أو نائبه أو القضاة الفدراليين عند ارتكابها أو الوقوع في إحداها، وهذه الجرائم هي:

إجراءات العزل
تمر إجراءات عزل الرؤساء الأميركيين في الحالات العادية عبر مرحلتين (في مجلسي النواب والشيوخ)، وتشمل تلك الإجراءات خمس خطوات هي:

1- تقديم طلب لفتح تحقيق ببدء إجراءات عزل الرئيس. وتفيد تقارير إعلامية أن ستة نواب ديمقراطيين سبق أن قدموا مشاريع إلى مجلس النواب لهذا الغرض، غير أنهم فشلوا جميعا في الحصول على تصويت الأغلبية، وذلك لأن زعماء الديمقراطيين -مثل نانسي بيلوسي- كانوا يعتقدون أن الوقت لم يكن مناسبا.

2- حصول القرار على الأغلبية البسيطة في اللجنة القضائية بمجلس النواب، علما بأنها تتكون من 41 عضوا.

3- حصول القرار على أغلبية بسيطة (النصف + واحد) في مجلس النواب، وهو أمر ميسور بالنسبة للديمقراطيين، حيث يملكون أغلبية في المجلس.

4- إذا صوت مجلس النواب بنعم على اتهام الرئيس، ينتقل مشروع قرار العزل إلى مجلس الشيوخ، الذي يعمل بصفة هيئة محلفين بأعضائه المئة.

5- يبدأ مجلس الشيوخ المحاكمة، ويمثل أعضاء مجلس النواب الادعاء (سلطة الاتهام)، بينما يمثل أعضاء مجلس الشيوخ هيئة المحلفين، فيما يقود المحاكمة رئيس المحكمة العليا الأميركية.

6- يجري التصويت داخل مجلس الشيوخ على اتهام الرئيس، بعد الاستماع للشهود ومرافعات الادعاء ومحامي الرئيس، ويشترط لإدانة الرئيس تصويت ثلثي أعضاء المجلس على القرار.

وفي مجلس الشيوخ حاليا 53 جمهوريا و45 ديمقراطيا، واثنان مستقلان عادة ما يتخذان موقف الديمقراطيين نفسه في التصويت. وتتطلب إدانة الرئيس وعزله 67 صوتا وهذا يعني أنه حتى تتخذ إجراءات لإقالة ترامب فينبغي أن يصوت عشرون جمهوريا على الأقل وجميع الديمقراطيين ضده، بالإضافة إلى الشيخين المستقلين.

يعرف النظام السياسي الأميركي حالة فريدة من الاستقرار السياسي والدستوري، والبعد عن الهزات والاضطرابات التي يشهدها كثير من دول العالم وتعصف بأنظمتها السياسية، وتؤدي في أحيان كثيرة إلى الإطاحة برؤسائها أثناء مأمورياتهم الدستورية.

فمن جورج واشنطن أول رئيس أميركي (1789-1797)، إلى الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب (2017)، لم يعزل أي رئيس أميركي من منصبه على الإطلاق، وتعرض ثلاثة رؤساء فقط من أصل 45 رئيسا لإجراءات عزل فشلت في حالتين ولم تصل نهاية المسار في الحالة الثالثة.

ورغم أن محاولات عزل الرؤساء عبر الطرق الدستورية فشلت في الحالات الثلاث، فقد تمت الإطاحة برؤساء أميركيين آخرين بطرق غير دستورية، حيث شهدت البلاد عبر تاريخها السياسي اغتيال أربعة رؤساء، فضلا عن عدد كبير من محاولات الاغتيال الفاشلة.

تعرض ثلاثة رؤساء أميركيين (ديمقراطيان وجمهوري) لمحاولات عزل من مناصبهم لأسباب ومبررات مختلفة، وهؤلاء الرؤساء هم:

– أندرو جونسون (1808-1875): رئيس أميركي ديمقراطي، انخرط في صراع مع الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، بعد أن اتهم بمخالفة القانون على خلفية إزاحته وزير الحرب الأميركي من منصبه، وهو القرار الذي لم يكن يحق للرئيس أن يتخذه في أعقاب الحرب الأهلية، وجرى سحب الثقة منه من قبل مجلس النواب، ولكن تمت تبرئته في مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد.

– ريتشارد نيكسون: (رئيس الولايات المتحدة الأميركية الـ37، عن الحزب الجمهوري، خلال الفترة 1969-1974) غادر نيكسون البيت الأبيض في عام 1974، قبل ما يقرب من ثلاث سنوات من انتهاء فترة رئاسته الثانية، بعد أن أجبر على الاستقالة نتيجة لثبوت تورطه في فضيحة تجسس عناصر من الحزب الجمهوري على المقر الرئيس للحزب الديمقراطي في واشنطن، في ما عرف بفضيحة ووترغيت.

وتعتبر ووترغيت أشهر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث أدت إلى استقالة الرئيس نيكسون من منصبه ليصبح الرئيس الوحيد المستقيل في تاريخ البلاد، وأصبحت بعد ذلك رمزا للفضائح السياسية في أميركا والعالم.

وكان يمكن -لو أن نيكسون لم يستقل- إدانته بثلاث تهم تتعلق بإساءة استخدام السلطة، وعرقلة سير العدالة، وتحدي قرار المحكمة باستدعائه.

– بيل كلينتون: رئيس الولايات المتحدة الأميركية الـ42 عن الحزب الديمقراطي، قام مجلس النواب الأميركي بإقالته في 19 ديسمبر/كانون الأول 1998، بتهم الكذب في الحلف وعرقلة سير القانون على خلفية علاقته الجنسية بمونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض، لكنه بُرئ من قبل مجلس الشيوخ في 12 فبراير/شباط 1999 وأكمل ولايته الرئاسية.

المصدر : الجزيرة + وكالات