العقوبات تعيد طهران إلى المقايضة والصفقات السرية الصغيرة

العقوبات تعيد طهران إلى المقايضة والصفقات السرية الصغيرة

اقترب اقتصاد إيران من الشلل التام بسبب سياسة واشنطن القائمة على ممارسة “أقصى الضغوط” من خلال عقوبات واسعة النطاق ترافقت مع تزايد القدرة على مراقبة تنفيذها بسبب التطور التكنولوجي.

ويشكك الخبراء بمكابرات طهران وتصريحاتها الاستعراضية عن قدرتها على الصمود. ويؤكدون أنها لم يعد أمامها سوى منافذ ضئيلة لصفقات المقايضة والتهريب وبعض الصفقات السرية الصغيرة.

ويزعم حكام إيران أنهم أنشأوا شبكة من التجار والشركات ومكاتب الصرافة ومحصلي الأموال في دول أخرى من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية المصرفية والمالية.

ونسبت رويترز إلى مسؤول كبير طلب عدم نشر اسمه قوله إن واشنطن “لا يمكنها أن تعزل إيران. إذا نجحوا في وقت مبيعاتنا النفطية، فسوف نصدر المنسوجات والأغذية والبتروكيماويات والخضروات وكل ما يخطر على بالك”.

وأشار علي واعظ مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية إلى أن “إيران صاحبة خبرة كبيرة في العيش تحت الضغط الاقتصادي… وقد طورت شبكات تجارة مع الدول المجاورة مثل العراق وأفغانستان. كما يمكنها تهريب النفط وتحقيق بعض الإيرادات”.

وتؤكد التقارير أن العقوبات الجديدة هي الأشد إيلاما في تاريخ العقوبات الطويلة التي تعرضت لها طوال عقود، خاصة في ظل استمرار تشديدها. وكان آخرها فرض عقوبات على البنك المركزي الإيراني الأسبوع الماضي بعد الهجوم على المنشآت النفطية السعودية.

وتشير بيانات وكالة الطاقة الدولية والشحن البحري إلى أن طهران لم تعد قادرة على تصدير سوى 200 ألف برميل يوميا مقارنة بنحو 2.3 مليون قبل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، أي بانخفاض 93 بالمئة.

ورغم إعفاء الغذاء والدواء من العقوبات إلا أنها أصيبت بالشلل بسبب عدم القدرة على التعامل من خلال النظام المالي العالمي، إضافة إلى قلة الموارد المالية لدى طهران.

وتتوقع تقديرات متحفظة لصندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيراني هذا العام بنسبة 3.6 بالمئة في وقت يرجح فيه البنك الدولي ارتفاع التضخم إلى 31.2 بالمئة في العام الحالي من نحو 23.8 بالمئة العام الماضي.

لكن خبراء يقولون إن الأوضاع أسوأ من ذلك بكثير وأن التضخم تجاوز بالفعل نسبة 40 بالمئة، إضافة إلى فقدان التومان لنحو 70 بالمئة من قيمته منذ مايو 2018 والذي انعكس في ارتفاع هائل في أسعار جميع السلع وبضمنها السلع الغذائية الأساسية مثل الخبز.

ونسبت رويترز إلى المدرس المتقاعد علي كمالي في طهران قوله إن “من السهل على المسؤولين الحديث عن مقاومة الضغط الأميركي. فليس عليهم أن يقلقوا على الإيجار أو أسعار السلع المتزايدة. الأسعار ترتفع كل يوم”.

ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة للعقوبات، حيث أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم الثلاثاء أن الضغوط على إيران سوف تزداد شدة، في وقت تشتعل فيه التكهنات بشأن إمكانية اضطرار طهران للحوار مع واشنطن.

وازدادت التوترات بفعل الهجمات التي وقعت يوم 14 سبتمبر على مواقع نفطية في السعودية، والتي دفعت معظم دول العالم وبضمنها الاتحاد الأوروبي إلى الانضمام إلى واشنطن والرياض في تأكيد مسؤولية طهران عن تنفيذها.

وقال تشاك فرايليتش الزميل بمركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية إن “إيران ليست لها مصادر أخرى كثيرة من الدخل بخلاف النفط ولذا فإن اقتصادها في حالة اختلال… لديها احتياطيات مالية لاجتياز الأشهر القليلة المقبلة، لكن الوضع لا يمكن استمراره”.

وكانت للعقوبات المالية وطأتها الشديدة على البنوك والمؤسسات والأفراد وشركات الواجهة في عدد من الدول مثل تركيا وقطر.

وقد استخدمت إيران نظام المقايضة للالتفاف على هذه العقوبات في الماضي، لكن نطاق استخدامه زاد كثيرا هذه المرة خاصة مع الدول المجاورة ومنها العراق وباكستان وأفغانستان.

وقال مسؤول إيراني كبير آخر “نحن بلد غني بحدود طويلة مع دول عديدة. وإذا بعت أي شيء بأقل من سعره في السوق فبوسعك أن تجد العشرات من المشترين… ويمكن نقل النقد السائل برا أو بحرا أو حتى عن طريق دولة ثالثة”.

وأضاف أنه باع “أطنانا من السلع” في الأشهر الأخيرة وأنه يسافر إلى دبي ثلاث مرات شهريا “لإنجاز المهمة”.

Thumbnail
وقالت رويترز إنها حضرت مؤخرا اجتماعا في إسطنبول بين 3 تجار إيرانيين وتجار أجانب لبحث صفقات لتصدير مواد غير نفطية، وأنه أسفر عن إبرام صفقتين قيمتهما نحو ملياري دولار بعد ساعات من المحادثات وعدة مكالمات مع طهران للحصول على توجيهات بخصوص السعر وموقع التسليم.

وأكد أحد الإيرانيين ويتولى إدارة شركة مرتبطة بالحكومة تعمل في الاستيراد والتصدير “لا تأمين ولا بنوك… نقد سائل فقط”.

وأغلب صادرات إيران غير النفطية مصدرها صناعة البتروكيماويات التي بلغت إيراداتها في السنة الفارسية السابقة التي انتهت في مارس أكثر من 10 مليارات دولار.

ولا تزال إيران تتمكن من تصدير شحنات من البتروكيماويات وغاز البترول المسال إلى آسيا بما في ذلك الصين وماليزيا، لكن واشنطن تواصل مراقبة وإغلاق تلك المنافذ.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمس عن فرض عقوبات على شركات صينية بتهمة “انتهاك تلحظر الأميركي” وأن ذلك يمثل بداية تنفيذ تهديد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشديد العقوبات إذا لم تغير طهران “سلوكها التهديدي”.

وأضاف “نقول للصين ولجميع الدول عليكم أن تعلموا أننا سنفرض عقوبات على أي خرق لعقوباتنا”، لكنه لم يحدد هوية الشركات أو الأشخاص المستهدفين بالعقوبات التي تضاف إلى لائحة طويلة من العقوبات ضد الاقتصاد الإيراني.

العرب