تعليم العراق… عودة إلى المدرسة وسط أزمات وبلا وزير للتربية

تعليم العراق… عودة إلى المدرسة وسط أزمات وبلا وزير للتربية

اليوم، الإثنين 30 سبتمبر/ أيلول 2019، ينطلق عام دراسي جديد في العراق مع تسعة ملايين تلاميذ، وسط أزمات تختلف طبيعتها غير أنّها تصبّ كلها في سياق التعليم في البلاد والعثرات التي تعرقله

مع عودة التلاميذ العراقيين إلى مقاعدهم الدراسية وبدء آخرين مشوارهم التعليمي، لا يبدو المشهد مشرقاً في العراق. فالقطاع التعليمي من دون وزير للتربية وشغور في مناصب أساسية، إلى جانب آلاف المدارس المتهالكة التي لا تصلح لاستقبال التلاميذ، ونقص في المناهج، ومشاكل مختلفة في المواد العلمية، ونقص في عدد المدرّسين، واكتظاظ الصفوف. وذلك الاكتظاظ تسبب في معاناة كثيرين من أهالي التلاميذ الذين راحوا يبحثون في خلال الأشهر الماضية عن مدارس لأبنائهم، مفضّلين أن تكون قريبة من مواقع سكنهم.

يقول عضو نقابة المعلّمين العراقية حارث عبد الله لـ”العربي الجديد” إنّ “العام الدراسي الحالي ينطلق بعجلة في داخل حقل طين، بالكاد قادرة على الدوران”. ويشرح أنّ “هذا العام بلا وزير للتربية فيما تُدار مفاصل مهمّة بالوكالة، بالإضافة إلى ثلاث دوامات في عدد من المدارس نتيجة قلّة عددها. فكثيرة هي المدارس التي دمّرتها الحرب والعمليات العسكرية المختلفة، فيما تأتي مبان أخرى متهالكة إذ إنّها تعود إلى ستينيات أو سبعينيات القرن الماضي في المدن الجنوبية، علماً أنّ النظام الجديد بعد عام 2003 لم يبنِ شيئاً”. يتابع عبد الله أنّ “المدارس مشكلة والمدرّسين كذلك يمثّلون مشكلة، إذ إنّ ثمّة نقصاً يُسجَّل في عددهم إلى جانب سوء تدريسهم للتلاميذ وسوء المناهج. تُضاف إلى ذلك زيادة عدد التلاميذ المنتقلين من المدارس الحكومية إلى المدارس الأهلية، وعدد المتسرّبين من الدراسة”. ويلفت عبد الله إلى أنّ “الوزارة تعاني من جرّاء سوء الإدارة منذ عام 2003، فيما يكثر فيها الفساد المالي والإداري والتسيّب ونفوذ الأحزاب والصراعات الداخلية”.

وكانت وزارة التربية العراقية التي يديرها اليوم بالوكالة وزير التعليم العالي والبحث العلمي قصي السهيل، قد أعلنت قبل مدّة في بيان مقتضب عن موعد انطلاق العام الدراسي 2019-2020، من دون التطرّق إلى أيّ من العثرات التي قد تؤثّر سلباً لا بل تعرقل مسار العملية التعليمية في مدارس البلاد ككلّ.

شاكر نصرت من أولياء الأمور العراقيين الذين راحوا يشكون من الواقع، يخبر “العربي الجديد”: “حاولت تسجيل ابني وسام (ستّة أعوام) في مدرسة قريبة من مكان سكننا، خوفاً من إرساله إلى مدرسة بعيدة. لكن بعدما سلّمت الملف إلى مدير تلك المدرسة، أبلغني بأنّه لا يحقّ لي ذلك لأنّ سكننا ليس من ضمن الرقعة الجغرافية المحددة. بالتالي رحت أبحث عن وساطة لتسجيله في تلك المدرسة لأنّها الأفضل في المنطقة”. يضيف لـ”العربي الجديد” أنّ “اختيار المدرسة ليس فقط موضوع معاناتنا قبيل كل عام دراسي جديد. فأنا لديّ ثلاثة أبناء آخرين في المدارس وأعرف تماماً المشاكل الكثيرة”، شارحاً أنّ “ثمّة إخفاقاً كبيراً في ما يتعلق تسليم المناهج الدراسية للتلاميذ، فيما لم تعد المدارس تتكفّل بمعظم القرطاسية. وهذا أمر يمثّل عبئاً كبيراً علينا كأهال، يُضاف إلى المصاريف المختلفة، منها مصروف التلميذ اليومي وتكاليف الدروس الخصوصية وغيرها، في ظل وضع اقتصادي متردٍّ”.

من جهتها، تشكو رشا صالح وهي كذلك من أولياء الأمور، من “قلة المباني المدرسية، فهي تمثّل وحدها مشكلة يواجهها أبناؤنا التلاميذ”. وتشرح لـ”العربي الجديد” أنّ “تلك المباني تكون غالباً مكتظة بعدد أكبر من الواجب قبوله في المدارس، وهذا ما يجعلنا نواجه صعوبة في إلحاق أبنائنا بمدارس قريبة من مكان سكننا. والاكتظاظ يدفع الإدارات إلى اعتماد دوامَين أو ثلاثة دوامات وهو ما يؤثّر سلباً على العملية التعليمية كذلك”. تضيف صالح أنّ “في العام الماضي، حصل ابني عمر (تسعة أعوام) على علامات ضعيفة لأنّ عدد التلاميذ في الصفّ الدراسي تجاوز 40 تلميذاً. ومن غير الممكن لجميع التلاميذ فهم الدروس بشكل جيّد في ظلّ ظروف مماثلة”. وتأسف صالح لأنّه “على الرغم من تكرار المشكلة في خلال الأعوام الماضية، فإنّ الجهات المسؤولة ومن ضمنها وزارة التربية، لم تجد حلاً لها من خلال إنشاء مدارس جديدة”.

أولياء الأمور ليسوا وحدهم الذين يشكون من سوء الحال، فالمدرّسون يفعلون كذلك. زينة عبد الله مدرّسة رياضيات في مدرسة عمرو بن كلثوم في بغداد، تقول لـ”العربي الجديد”: “نحن كهيئة تدريسية نعاني مثلما يعاني التلاميذ وأهلهم. فالمناهج تتغيّر في كل عام، فضلاً عن تأخّر توزيع المنهاج على التلاميذ بسبب عدم تسليمها من قبل الوزارة في الوقت المحدّد، علماً أنّها تُباع في المكتبات خصوصاً في سوق المتنبي قبل وصولها إلينا”. تضيف أنّه “لا يمكننا غضّ النظر عن مشكلة نقل الكوادر التعليمية من مدرسة إلى أخرى أو تنسيبها، الأمر الذي يسبّب خللاً في العملية التعليمية. والتلاميذ يتأثّرون سلباً بتبدّل المدرّسين، إذ إنّهم يكونون قد تعوّدوا على مدرّس معيّن وعلى طريقة شرح معيّنة ثمّ يأتي آخر مع طريقة مختلفة. لذا لا بدّ من إيجاد حلول لمثل هذه المسائل قبل بدء عام دراسي جديد، من خلال وضع خطة تلحظ احتياجات المدارس للتخصّصات المطلوبة وتسهيل المهمة أمام المدرّسين لاختيار المدرسة التي تناسبهم”.

في السياق، تقول المشرفة التربوية في محافظة ديالى سولاف محمود لـ”العربي الجديد” إنّ “واحدة من المشاكل التي تتكرر في كل عام دراسي هي مسألة تقسيم التلاميذ بحسب الرقعة الجغرافية لكلّ مدرسة، سواءً أكانت ابتدائية أو متوسّطة، وهو ما يسبّب إرباكاً للأهالي لأنّ كتاب وزارة التربية في هذا الشأن يكون واضحاً غير أنّ التقسيم لا يكون صحيحاً نظراً إلى صعوبة الأمر. بالتالي يُستعان غالباً بالمختارين ومدراء المدراس في تحديد الرقعة الجغرافية للمدرسة. وثمّة مشكلة أخرى تتمثّل في أنّ مناطق معيّنة تضمّ مدرستَين للجنس نفسه، مثلاً مدرستان للبنات أو اثنتان للبنين. وهذا أمر قد يتسبّب في تسرّب مدرسيّ”. وتشير محمود إلى أنّ “الأهل يأخذون سمعة المدرسة بعين الاعتبار في أحيان كثيرة، لا سيّما تميّز كادرها التدريسي، لذلك يسعون إلى تسجيل أبنائهم فيها، وهذا ما يجعل مدارس عدّة مكتظة وأخرى تستقبل عدداً أقلّ من التلاميذ، على الرغم من وقوعها في رقعة جغرافية واحدة”. وتشدّد على أنّ “الأمر يرتبط كذلك بتخوّف الأهل من الوضع الأمني، فيبحثون قبل كل شيء عن مدارس آمنة لأبنائهم”.

العربي الجديد