سوريا الاستراتيجية بين الانسحاب الأمريكي والهجوم التركي

سوريا الاستراتيجية بين الانسحاب الأمريكي والهجوم التركي

‪ ‬

الباحثة شذى خليل*
يعد البترول والغاز الطبيعي من أهم الثروات الطبيعية لسوريا، وتليها الفوسفات ثم الملح الصخري والجص والإسفلت كما توجد بعض الموارد الهامة التي تستخدم كمواد أولية في الصناعة كالمارن والغضار والرمال وكذلك في أعمال البناء كالصخور الكلسية والبازلتية والمنغنيز والرصاص والنحاس واليورانيوم والمعدنية كالكبريت والتالك والحرير الصخري (الاسبستوس)‬ ‬
وهي غنية جدا بالثروات الطبيعية والبشرية والحضارية.
وان معظم أصول النفط السورية الرئيسية تقع في الشمال الشرقي الخاضع للسيطرة الكردية، يمكن أن يؤدي المزيد من التنقيب إلى اكتشاف احتياطيات الغاز البحرية، بالنظر إلى وجود رواسب عملاقة في مياه البحر الأبيض المتوسط في أقصى الجنوب بالقرب من مصر وإسرائيل وقبرص.

هذايفسر (الصراع على سورية) بسبب ثرواتها المتعددة وكونها مفتاحاً للمنطقة، بالنسبة الى الروس والإيرانيين كامتداد إلى البحر المتوسط، لا يقتصر على الميدان الجغرا – سياسي، وإنما له شق اقتصادي من خلال اهتمام روسي باكتشافات الغاز في الشاطئ الشرقي للمتوسط والتي وصلت عند شركة غاز بروم للتوقيع على عقود للشراكة في استثمار حقول الغاز الإسرائيلية، ويبدو أن هناك مؤشرات على اهتمامات لدى موسكو تجاه الحقول السورية واللبنانية عند الشاطئ الممتد من الإسكندرون إلى غزة.

وتعد روسيا حليفا لسوريا، بسبب المصلحة الاقتصادية الروسية في سوريا هو سيطرتها على ميناء طرطوس السوري المطل على البحر المتوسط، حيث تحتفظ روسيا بقاعدة بحرية استراتيجية يمكن استخدامها لتوجيه القوة العسكرية إلى عتبة أوروبا.
وعند موسكو هاجس كبير بأن استغناء أوروبا عن الغاز الروسي، الذي يزودها الآن بثلث احتياجاتها، واستبداله بغاز خليجي يصل بسرعة وبتكلفة أقل عبر الساحل السوري، أو عبر أنابيب تصل من الخليج عبر الأردن وسورية وتركيا الى الأراضي الأوروبية، سيجعل روسيا في موقع الضعيف أمام الغرب ويجعلها غير قادرة على التحكم بعصب الاقتصاد الأوروبي، الذي يتهيأ منذ الآن ويخطط لاتجاهات نحو الاستغناء أو التقليل من واردات الغاز الروسية.

ومن خلال مساعدة روسيا النظام على استعادة جميع المواقع تقريبا التي كان يسيطر عليها المتمردون السوريون، برزت روسيا كقوة رئيسة في سوريا، ويعارض بعض حلفاء ترامب السياسيين انسحابا أميركيا في سوريا خشية أن يصب ذلك لصالح روسيا وإيران.
اما في خطورة ( الانسحاب الأمريكي من سوريا ) ترامب برر الانسحاب ودافع عن قراره بسحب القوات الأمريكية من الحدود السورية مع تركيا
وقال في إشارة إلى الحدود الأمريكية مع المكسيك: “لا أعتقد أن جنودنا يجب أن يكونوا هناك خلال الخمسين عاما القادمة لحماية الحدود بين تركيا وسورية في الوقت الذي لا نستطيع فيه حماية حدودنا في الوطن”
يعد الانسحاب الأمريكي من سوريا الآن خطوة متهوّرة. فعلى الرغم من تردّد ترامب، الا ان للولايات المتحدة دورٌ كبير تؤدّيه يحول دون بروز تنظيم داعش الإرهابي من جديد ويواجه النزعة التوسّعية الإيرانية ويحرص على عدم غرق البلاد في حالة من الحرب اللانهائية .
كما تبيّن التجربة العراقية، تترك الانسحابات فراغاً يمكن أن يملأه مستعمرون توسعيين بأوجه عدة مستعارة لسد الفراغ الأمني ، وخلق حركات إرهابية واخذ دور المنقذ منها، كما فعلت في العراق ؛ حيث بادرت إيران إلى الاستفادة من الفراغ التي خلّفه انسحاب الجنود الأمريكيّين في العام 2011.
وكان لتلك الخطوة أثرٌ بالغ في السيطرة الإيرانية في سوريا، لأنّ العراق كان نقطة عبور مهمّة مدّت نظام الأسد بكميّة كبيرة من السلاح وعشرات الآلاف من عناصر الميليشيات طائفية الذين غدوا الآن القوّة الأكثر سيطرة على الأرض ثم خلق تنظيم داعش الإرهابي في العام 2014.

و يشكل الانسحاب الأمريكي الجزئي فرصة لروسيا من ناحيتين : الأولى، أنها ستدفع الأكراد للتوجه نحو النظام السوري، مع ما يعنيه ذلك من خلط للأوراق المحلية.

الثانية، أن سابقة الانسحاب الأمريكي يمكن تكرارها في مناطق أخرى، وتعتقد موسكو أن ممارسة الضغط على الولايات المتحدة سيحقق لها ما تريده كما فعلت تركيا.

وحقيقة الامر بعد ساعات قليلة من سحب القوات الأمريكية، طلبت القوات الروسية من القوات الأميركية الموجودة في مدينة منبج إخلاء مواقعها من المدينة، تمهيدا لدخول قوات النظام السوري.

وأشار مشروع Syrian Civil War Map عبر خريطته، إلى وجود تحركات عسكرية من قبل القوات الروسية وقوات النظام السوري باتجاه منبج.

ولا يستبعد أيضا أن يستغل الروس انكشاف ظهر القوات الكردية لشن هجوم يستهدف المناطق الكردية الجنوبية من ناحية مدينة الطبقة جنوب غربي محافظة الرقة ومناطق أخرى في ديرالزور.

تصريحات ترامب بأن الولايات المتحدة تحملت كثير من التكاليف، تزامنت مع مطالبته دول إقليمية ودولية تحمل مسؤولياتها، هذه التصريحات تشير إلى أن الانسحاب الأمريكي لن يقتصر في المستقبل القريب على مجرد نقطتين، بل ربما يتعداه إلى انسحاب كامل من الجغرافية السورية.

ولم تعد الحرب الأهلية السورية مسألةً تتمحور حول الشعب السوري منذ زمن بعيد، إذ باتت اليوم ساحة المعركة لمستقبل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط ولميزان القوى الذي يرافق هذا النظام.

اهداف الهجوم التركي في سوريا:
قال أردوغان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول بأنه “يعتزم القضاء على الهيكل الإرهابي لحزب العمال الكردستاني و وحدات حماية الشعب الكردية وإنشاء ممر للسلام”.

ويسعى أردوغان إلى بناء 10 مناطق و 140 قرية في هذه المنطقة لإسكان ما لا يقل عن مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا.

لكن السناتور ليندسي غراهام، حليف الرئيس ترامب، وصف خطوة الولايات المتحدة بأنها “كارثة”، بينما قال منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إنها “تستعد للأسوأ”.

وانتقد الجمهوريين وحلفاء ترامب، قال الأخير مهدداً تركيا في تغريدة له بأنه سيقوم بتدمير الاقتصاد التركي تماماً إذا ما قامت الأخيرة بخطوة “غير مقبولة”.

اما المرشحة السابقة للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون كتبت في تغريدة لها: “لقد انحاز الرئيس للسلطات الاستبدادية في تركيا وروسيا على حساب حلفائنا المخلصين والمصلحة الأمريكية، وقراره هذا خيانة مقيتة للكرد وللقسم الذي أداه”.

وقالت المندوبة السابقة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي:”إذا أردنا أن يدعمنا حلفاؤنا فعلينا دعمهم بنفس القدر. لعبت قوات سوريا الديمقراطية دورا فعالا في حربنا الناجحة ضد التنظيم في سوريا، وتركهم لمواجهة الموت خطأ كبير”.

اما الدافع الاقتصادي: للتدخل التركي بسوريا هو أن الأتراك يريدون جعل أراضيهم ملتقى أنابيب الغاز والنفط الخليجية، إضافة الى أنابيب غاز ونفط القوقاز وآسيا الوسطى السوفياتية السابقة، لتكون تركيا ممراً لها نحو القارة الأوروبية، وهذا على الأرجح سبب انخراطهم الكثيف في الصراع السوري، إضافة إلى حلمهم بجعل دمشق و «شام شريف» مفتاحاً للمنطقة يشبه مرج دابق عام 1516 لتكون اسطنبول من جديد زعامة العالم الإسلامي السنّي.

اما أطماع ايران التوسعية في سوريا والعراق وهي مد خط لأنبوب غاز إيراني يمتد للساحل السوري عبر الأراضي العراقية.
هذا الانخراط الكثيف للروس والإيرانيين في الصراع السوري له أيضاً أوجه دفاعية وقائية على الصعيد الاقتصادي: مع تهديد إيران المستمر بإغلاق مضيق هرمز، ومع اضطرابات اليمن والصومال والقرصنة البحرية، ومع عدم قدرة قناة السويس على أن تعبرها ناقلات نفط وغاز عملاقة، هناك مؤشرات على أن هناك تفكيراً عند دول الخليج الخمس (عدا عُمان، بالطبع) نحو جعل الساحل السوري مصباً لأنابيب النفط والغاز الخليجيين، وفي جعله مرفأ لبضائع الخليج في الاستيراد والتصدير، ويبدو أن التكلفة الاقتصادية أقل من الطرق البحرية إذا استعملت القطارات والشاحنات وهي كذلك أسرع.

يريد الروس والإيرانيون منع حصول ذلك من خلال تثبيت كلمتهم في سورية عبر الصراع المستعر الآن في وعلى الأرض السورية.

تداعيات الهجوم على الاقتصاد التركي :
لابد من انعكاسات للهجوم التركي على اقتصادها خاصة بعد تهديد ترامب بمحو الاقتصاد التركي ؛
اذ هددت قيادات بالكونغرس الأميركي بعقوبات تضر بالليرة وتعزز حدة عدم ثقة تركيا في الحلفاء الغربيين.
وبلغت العملة التركية، التي عانت من أزمة قبل عام لأسباب منها عقوبات ورسوم جمركية أميركية، أدنى مستوياتها في نحو أربعة أشهر بعد انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا وأمرت أنقرة بشن هجمات ضد القوات الكردية هناك.
وكانت الليرة قد استقرت في الأشهر الأخيرة وتراجع التضخم، في مؤشر على أن الاقتصاد التركي الذي يبلغ حجمه 766 مليار دولار، وهو الأكبر في الشرق الأوسط، ابتعد عن أسوأ تراجع له فيما يقرب من عشرين عاما.
وتتضمن المخاطر ارتفاع العجز وتكاليف الاقتراض وتباطؤ السياحة إذا انخرط الجيش التركي في العملية لفترة طويلة، لكن التهديد الأكبر، وهو التهديد الذي يقول المستثمرون إن الأصول التركية لا تضعه في الحسبان، هو إصرار جديد لدى كبار الجمهوريين في الولايات المتحدة على معاقبة تركيا لمهاجمتها أكراد سوريا، وهم من حلفاء واشنطن الرئيسيين في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي.
وقبل أيام انضم السيناتور الجمهوري لينزي غراهام، وهو عادة من المدافعين بقوة عن الرئيس دونالد ترمب، إلى سيناتور آخر ديمقراطي في الكشف عن إطار عمل لعقوبات، مع تمسكه بانتقاد قرار الرئيس سحب القوات الأميركية.
وسيستهدف اقتراح غراهام أصول مملوكة للرئيس رجب طيب إردوغان ومسؤولين كبار آخرين، وفرض قيود على إصدار تأشيرات السفر، وعقوبات على أي أحد نفذ تعاملات عسكرية مع تركيا أو دعم إنتاج الطاقة.
وأيضا قد تواجه تركيا عقوبات أوسع نطاقا بموجب خطة غراهام في ضوء قيامها بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس – 400 هذا العام رغم اعتراضات واشنطن القوية.
وقال أولريش لويختمان، رئيس أبحاث العملات لدى كومرتس بنك في فرانكفورت، إن مزيدا من العقوبات «سيغير الصورة الاقتصادية لتركيا تماما وسيكون علينا أن نضع في الحسبان احتمالية ركود جديد في ظل وضع الاقتصاد فيه هش بعد أزمة 2018.
ولم يتضح ما إذا كان الكونغرس سيدعم عقوبات جراهام أو ما إذا كانت ستحصل على أغلبية تصويت ثلثي الأعضاء اللازمة للتغلب على أي معارضة من ترمب الذي تجمعه بإردوغان علاقة عمل جيدة وتحدث معه قبل سحب القوات الأميركية.
ولم يتضح أيضا ما إذا كان ترمب سيدعم العقوبات بعد أن قال في وقت سابق هذا الأسبوع إن الولايات المتحدة «ستمحو» اقتصاد تركيا إذا فعلت أي شيء «خارج الحدود» في سوريا دون أن يحدد ماذا يعني.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية