انتفاضة لبنانية تضع مصير النظام السياسي على المحك

انتفاضة لبنانية تضع مصير النظام السياسي على المحك

بيروت – فاجأت الاحتجاجات غير المسبوقة التي يشهدها لبنان منذ مساء الخميس، الطبقة السياسية برمتها، التي لم تتعامل في السابق مع ما يشبه انتفاضة يقوم بها اللبنانيون ضد جميع الصف الحاكم في البلد.

وفيما ذهبت التحليلات الأولية إلى أن هذه التحركات تخضع لأجندات بعض القوى السياسية وتندرج ضمن لعبة المناكفات التقليدية، ظهر بعد ذلك أن الحراك يتطور ويشمل كافة الأراضي اللبنانية من الشمال إلى الجنوب ومن البقاع شرقا حتى السواحل غربا مرورا بجبل لبنان.

وقد غطت وسائل الإعلام المحلية كما القنوات الفضائية العربية الحدث وأظهرت مواقف للمتظاهرين من كل الطوائف تهاجم كامل الطبقة السياسية اللبنانية دون اسثناء. ومع ذلك بقي الكثير من المراقبين متحفظين على الطابع العفوي محاولين اقتفاء آثار أجندات محلية وإقليمية هذا الحراك المباغت.

وتحدثت أنباء في وقت لاحق الجمعة عن مقتل شخص وسقوط 7 جرحى على الأقل في مدينة طرابلس شمالي لبنان.

ونقلت الصور مباشرة إشكالا حصل بين المتظاهرين وسيارة لوزير التربية أكرم شهيب التابع للحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، على نحو أوحى بأن الأمر صادر عن خصوم جنبلاط، ولاسيما تحالف حزب الله والتيار العوني.

وقد أصدر جنبلاط تصريحا قال فيه إن “الرسالة وصلت” وأنه لن يشارك في أي حكومة مقبلة في حال رحيل الحكومة الحالية.

ونقلت الصور لاحقا قيام المتظاهرين بمهاجمة مكتب رئيس كتلة حزب الله النائب محمد رعد، ومكتب هاني قبيسي، وهو نائب من حركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وهاجم متظاهرون العهد وطالبوا باستقالة الحكومة برئاسة سعد الحريري وتنحي رئيس الجمهورية ميشال عون.

وقد حاولت كافة الأحزاب اللبنانية المشاركة بالحكومة التنصل من المسؤولية والنأي بنفسها عن القرارات الضريبية التي اتخذتها الحكومة والدعوة إلى التظاهر دعما للمحتجين. إلا أن مواقف صدرت عن قوى الاحتجاج أعربت عن عدم ثقتها بكل الطبقة السياسية، ورفضت محاولات التبرؤ من قرارات تم اتخاذها بموافقة الجميع داخل مجلس الوزراء.

وفيما بدا ذلك محاولة لامتصاص غضب الشارع أطل وزير الخارجية جبران باسيل من قصر بعبدا محذرا من دخول البلاد في فوضى جراء الحراك الجاري.

يرجح أن يمكن النظام الطائفي من السيطرة على غضب الشارع بعد تقديم تنازلات والقيام بتغييرات لامتصاص النقمة العارمة

واعتبر باسيل، الذي لطالما اتهم بأنه أحد مسببات التوتر السياسي في البلاد، أن الاحتجاجات تأتي نتيجة “تراكم أزمات”، وحذّر من أن “القادم أعظم إذا لم يتم الاستدراك”.

واندلعت الاحتجاجات بعد قرار جديد للحكومة بفرض رسوم على استخدام تطبيقات التواصل المجانية مثل واتساب وزيادة الضرائب على التبغ والمحروقات.

ولم تتراجع حدة هذه الاحتجاجات بعد إعلام وزير الاتصالات تراجع الحكومة عن هذه الرسوم.

ورفض المحتجون تفسير احتجاجهم وفق هذا السبب فقط. واعتبر المراقبون أن المسّ بمجانية التطبيق الأكثر شعبية، حرّك بشكل عفوي جماعي اللبنانيين للتعبير عن الغضب ضد الاهتراء الداخلي الذي تمثل خلال السنوات الأخيرة بمجموعة من الأزمات، كان أشهرها عالميا أزمة النفايات،

وكان أقساها قبل أيام، الحرائق التي اندلعت في مناطق لبنانية أظهرت عجز الحكومة اللبنانية وانهيارها أمام هذه الكارثة.

وبرز موقف جنبلاط الذي دعا الحريري إلى استقالة الحكومة مؤكدا أنه لن يخرج من الحكومة وحده ويترك الحريري. وطالب زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع باستقالة الحكومة التي يملك وزراء فيها، ملمحا إلى أن أسس التسوية الحكومية لم تعد صالحة.

وكان لافتا صدور بيان عن رؤساء الحكومة السابقين، تمام سلام وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي، رفضوا فيه تحميل رئيس الحكومة سعد الحريري مسؤولية الأزمة مذكرين بأن كافة القوى السياسية تشارك بالحكومة وعليها أخلاقيا أن تتحمل مسؤوليتها في إيجاد الحل.

وقد تفاجأت العواصم الكبرى بمجريات الأحداث في لبنان ونشط سفراؤها في وضع تلك العواصم في صورة ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور. وكُشف أن تواصلا حصل ليل الجمعة بين الحريري والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وقالت مصادر قريبة من الحريري أنه أجرى اتصالات داخلية ابتداء بالرئيس عون مرورا بكافة القوى السياسية، وأن ما حصل عليه من معطيات داخلية، كما تلك التي استقاها من الخارج أوصلته إلى الموقف الذي أعلنه مساء الجمعة.

وكان لافتا ما صدر عن أحد منابر حزب الله من رفض لشعار قلب الطاولة، معتبرا أن ذلك يقصي فريقا من اللبنانيين.

واعتُبر هذا الموقف هو رد على ما أعلنه وزير الخارجية جبران باسيل، الأحد، من استعداد حزبه، التيار الوطني الحر، لقلب الطاولة على الجميع. علما أن التصعيد الذي انتهجه باسيل أتى بعد ساعات على لقاء مطول جمعه قبل أيام بأمين عام حزب الله حسن نصرالله.

ويحاول المراقبون عدم المخاطرة كثيرا في استشراف مآلات هذا الحراك لكونه الأول من نوعه في تاريخ البلد منذ الاستقلال. ومع ذلك ترجح بعض الآراء تمكّن النظام الطائفي اللبناني من السيطرة على غضب الشارع بعد تقديم تنازلات والقيام بتغييرات فورية لامتصاص النقمة العارمة.

وتلفت مصادر دبلوماسية أن عواصم كبرى تنصح بضبط الأمور في لبنان الذي يأوي حوالي مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وتحذر من انفلات الأمور على نحو قد يؤثر ويتأثر بالتطورات الجارية والتي ستجري في سوريا.

وتؤكد بعض الأوساط السياسية أن لا مصلحة لحزب الله في اندلاع الفوضى في البلد الذي يحتمي بشرعيات مشاركته الوزارية والبرلمانية داخل مؤسساته الدستورية، خصوصا وأن الاحتجاجات طالت بيئة الحزب الحاضنة داخل الطائفة الشيعية، كما أن المظاهرات تفجرت داخل المدن والقرى التي يسيطر عليها، إضافة إلى أن الهجمات طالت مكاتب نواب الحزب كما أن الانتقادات طالت الحزب المشارك في الحكومة الحالية.

العرب