تراخي دمشق يجبر الأكراد على السير قدما في الاتفاق التركي الأميركي الملغوم

تراخي دمشق يجبر الأكراد على السير قدما في الاتفاق التركي الأميركي الملغوم

أكراد سوريا لا يملكون ترف الخيار سوى الانصياع إلى الاتفاق التركي الأميركي، في ظل ضبابية الموقف الروسي الذي وإن أعطى بداية ضوء أخضر للجيش السوري للتقدم في بعض المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، إلا أنه سرعان ما فرمل هذا التحرك بانتظار ما ستسفر عنه المباحثات مع تركيا هذا الأسبوع.

دمشق – انسحبت قوات سوريا الديمقراطية الأحد، بشكل كامل من مدينة رأس العين الحدودية، بالتزامن مع إخلاء القوات الأميركية لأكبر قواعدها العسكرية الموجودة على بعد نحو ثلاثين كيلومترا جنوب مدينة كوباني (عين العرب) شمال سوريا، حيث تعتزم تركيا إقامة منطقة آمنة بموجب الاتفاق التركي الأميركي الذي تم التوصل إليه لإنهاء الحرب التي أعلنتها أنقرة قبل نحو أسبوعين تحت عنوان “نبع السلام”.

وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية في بيان انسحاب كافة مقاتليها من المدينة.

وكانت وزارة الدفاع التركية قد كشفت في وقت سابق أن “قافلة تضم نحو 55 عربة دخلت رأس العين، فيما غادرت قافلة من 86 عربة باتجاه تل تمر”، ووزعت الوزارة صورا للعملية.

وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان بدوره انسحاب القوات التي يشكّل المقاتلون الأكراد غالبيتها العظمى، من المدينة المحاصرة.

وقال المرصد، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، أن نحو 500 مقاتل من قوات سورية الديمقراطية انسحبوا بشكل كامل من رأس العين، بعد نقل جثث القتلى والجرحى من البلدة، في وقت سابق.

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أكدت السبت أنه بمجرد السماح لمقاتليها بمغادرة رأس العين (سارييه كانييه)، ستسحب قواتها من منطقة تمتد بين رأس العين وتل أبيض بطول 120 كيلومترا، على خلاف ما تصرّ عليه أنقرة وهو انسحاب تلك القوات من منطقة بطول 440 كيلومترا تصل الحدود العراقية.

وجرى الأسبوع الماضي التوصل إلى اتفاق تركي أميركي يقضي بهدنة لخمسة أيام تنتهي مساء الثلاثاء، تمهد لانسحاب قوات سوريا الديمقراطية من منطقة بعمق 32 كيلومترا لم يحدد طولها، لفائدة الجيش التركي الذي يقول إنه سيحولها لمنطقة آمنة، فيما يرى كثيرون أن هذا التعبير يحتوي مغالطة كبيرة لأنها ستكون في واقع الأمر منطقة محتلة.

ومن المفترض، وفق الاتفاق، أن تتوقف العملية العسكرية التركية “نهائيا ما إن يتم إنجاز هذا الانسحاب”.

ولا يخفى أن هناك حالة انقسام كردية حيال الاتفاق التركي الأميركي، حيث تعتبر قوى سياسية ومدنية أن الاتفاق لا يشكّل فقط ضربة قاصمة لكل المنجزات التي راكمها الأكراد على مدى السنوات الماضية، بل أنه سيقبر القضية الكردية، وسيحوّل أراضيهم التاريخية لما يشبه قبرص شمالية جديدة تحت السيطرة التركية.

وحذّر الرئيس المشترك لجمعية المجتمع الكردستاني (كجك)، جميل بايق من أن تركيا تريد ترحيل الأكراد من الجانبين السوري والتركي، لكي تفصل بين قسميْ كردستان جغرافياً، ودعا سكان المنطقة إلى عدم إخلاء ديارهم لأن “إخلاء المنطقة يخدم السياسة التركية”.

وأضاف بايق في تصريحات لوكالة “روداوو” أن تركيا تهاجم بكل ما أوتيت من قوة مكاسب الأكراد في كردستان سوريا وتريد أن تُخلي المنطقة وتصنع سوريا على هواها، وتثبت فيها الفصائل المسلحة التي تسميها بالجيش الوطني السوري. وفي 9 أكتوبر، أطلق الجيش التركي، بمشاركة ما يطلق عليه “الجيش الوطني السوري”، عملية “نبع السلام” في منطقة شرق نهر الفرات شمالي سوريا، تحت عنوان تطهير المنطقة من وحدات حماية الشعب الكردي التي تصنّفها أنقرة تنظيما إرهابيا على اعتبارها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعا مع الدولة التركية منذ عقود.

وجاء الهجوم التركي بعد انسحاب وحدات أميركية من المنطقة الحدوديةـ ما اعتبر ضوءا أخضر أميركيا لأنقرة للقيام بعمليتها، وهو ما قوبل بموجة تنديد دولي واسع.

وهناك شعور كردي بخذلان أميركي، خاصة وأن الأكراد لطالما شكّلوا للولايات المتحدة ركيزة أساسية في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. ويرى مراقبون أنه رغم حالة المرارة بيد أنه لم يكن لديهم الخيار سوى القبول بالاتفاق الذي توصلت إليه واشنطن مع أنقرة الخميس الماضي، خاصة وأن دمشق وموسكو لم تبديا في واقع الأمر جدية في تنفيذ اتفاق جرى التوصل إليه مع الأكراد للتصدي للهجوم التركي، واقتصر الجيش السوري على استعادة السيطرة على بعض المناطق مع استرجاعه لحقول الغاز والنفط شرقي دير الزور.

وأبدى الأكراد خيبة أمل من طريقة تعاطي النظام السوري، وإن لفتوا إلى أن تراخي دمشق قد يكون لغياب التوافق مع روسيا، “وأن هناك شيئا لا يعلمونه خلف هذا الأمر”.

وسبق وأن أعلنت دمشق خلال عملية الجيش التركي في عفرين العام الماضي عن نيّتها التوجه لصد الهجوم الذي استهدف المدينة ذات الغالبية الكردية، بيد أنها تراجعت عن ذلك بسبب فيتو روسي.

وتقارب موسكو الصراع من زاوية مختلفة على دمشق وهذا واضح في محطات مختلفة، وقد تكون تراهن على لقاء القمة الذي سيجمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في موسكو الثلاثاء لترسيم حدود المنطقة الآمنة المزمعة، وكيفية إدارتها.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة مع القناة السابعة بالتلفزيون التركي الأحد، إن محادثات طارئة بين أردوغان والرئيس بوتين ستجرى هذا الأسبوع.

وأضاف الوزير “سنبحث إخراج إرهابيي وحدات حماية الشعب من على حدودنا، خاصة في منبج وكوباني، مع الروس”.

وكان أردوغان صرّح السبت، أنه سيبحث أيضا مع بوتين انتشار الجيش السوري في شمال سوريا قائلا، إن الاثنين يتعيّن عليهما إيجاد حلّ للمسألة. لكنه قال “سنواصل تنفيذ خططنا” إذا لم يتم التوصل إلى حل.

جاء ذلك بالتزامن مع تصريحات لوزارة الخارجية الروسية بأنّ مسؤولين روس تحدثوا مع الأسد الجمعة بشأن الحاجة إلى تخفيف التصعيد في شمال شرق سوريا.

العرب