مقتل البغدادي يهدي ترامب نصرا سياسيا لكن التحديات باقية

مقتل البغدادي يهدي ترامب نصرا سياسيا لكن التحديات باقية

لم يكن من الممكن أن تحدث هذه العملية في وقت أفضل من ذلك بالنسبة لترامب الذي يواجه تحقيقا يرمي لعزله يجريه الديمقراطيون في مجلس النواب، حيث يقولون إن محاولته إقناع أوكرانيا بالتحقيق في تصرفات منافسه السياسي جو بايدن تمثل سوء استغلال للسلطة ربما عرض الأمن الوطني للخطر.

كما تعرض ترامب لانتقادات حادة من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء بسبب قراره المفاجئ سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، الأمر الذي فتح الباب أمام اجتياح تركي لاستهداف الأكراد حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

وقال لانهي تشين، الباحث بمؤسسة هوفر، الذي عمل مستشارا لحملة ماركو روبيو في انتخابات الرئاسة عام 2016 وحملة ميت رومني في 2012، “لا أعتقد أن هذا الحدث يغير بالضرورة مسار حياتنا السياسية بأي شكل من الأشكال، لكنه من دون شك انتصار هائل للرئيس”.

ولم يستطع ترامب إخفاء فرحته فنوه بالحدث وبتفاخره المعتاد في تغريدة، مساء السبت بعد دقائق فيما يبدو على عودة القوات الأميركية الخاصة سالمة إلى قاعدتها، قال فيها “شيء كبير للغاية حدث للتو”.

وإدراكا منه لما أتيح له فجأة من رصيد سياسي، أعلن ترامب النبأ الأحد من غرفة الاستقبالات الدبلوماسية في البيت الأبيض وهو يقف أمام أعلام الحرب التي نقلت خصيصا لهذه المناسبة من المكتب البيضاوي. وقدم ترامب تفاصيل دقيقة بل ومروعة في بعض الأحيان عن موت البغدادي والغارة والتي زعم أنها “أكبر” من عملية قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في عام 2011. وبعد ذلك وزع البيت الأبيض كبار المساعدين المختصين بالأمن القومي على البرامج الحوارية التلفزيونية ليوم الأحد للحديث عن الغارة وأهميتها للأمن القومي. وأدى النبأ إلى طوفان من الإشادات من كبار الجمهوريين بمن فيهم السناتور لينزي غراهام حليف ترامب الوثيق الذي وجه انتقادات قاسية لقرار الرئيس الانسحاب من سوريا.

رغم أن موت أبي بكر البغدادي سيكون ضربة نفسية قاسية فإن التنظيم سيختار من يحل محله

وقال غراهام للصحافيين “هذا سيغير قواعد اللعبة. هذه لحظة يجب أن نفخر فيها جميعا بجيشنا الأميركي ومؤسسات استخباراتنا. إنها لحظة يقول فيها أشد منتقدي الرئيس ترامب ‘أحسنت يا سيادة الرئيس’”.

كما أشاد السناتور ميتش مكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، الذي سبق أن انتقد قرار الانسحاب من سوريا بشدة، بنبأ مقتل البغدادي وقال إنه يشعر بالامتنان “للرئيس ترامب وفريقه على أسلوبهما في القيادة”.

بل إن السناتور كيت رومني، أشد الجمهوريين انتقادا لترامب نشر تغريدة شكر فيها الرئيس على إرسال البغدادي إلى “جهنم”. وأدى النبأ إلى هدنة قصيرة مع الديمقراطيين الذين يأملون في الفوز على ترامب في انتخابات 2020 إذا لم يستطيعوا عزله من المنصب قبل ذلك.

لكن في خضم هذه الحماسة، تعلو أصوات تؤكد أن مقتل البغدادي لا يمثل نهاية تنظيم الدولة الإسلامية، وأن ترامب لا يملك استراتيجية في المنطقة. بل وانتقدت الرئيس لخروجه عن العرف بتقاعسه عن إطلاع جميع قيادات الكونغرس التي يطلق عليها اسم “عصابة الثمانية” قبل الغارة.

ومن المستبعد أن يصرف سقوط البغدادي أنظار النواب عن تحقيق العزل الذي اكتسب زخما في أعقاب سلسلة من الشهادات الضارة بموقف ترامب التي يسعى الجمهوريون على نحو متزايد لتفنيد ما جاء فيها.

وقال السناتور جون ثون، ثاني أكبر الجمهوريين في مجلس الشيوخ، للصحافيين في أعقاب شهادة أدلى بها دبلوماسي أميركي رفيع في جلسة مغلقة الأربعاء إن الصورة التي يعكسها التحقيق “ليست طيبة” وذلك في علامة محتملة على تراخي التأييد الجمهوري لترامب. وقال تشين من مؤسسة هوفر “في السنوات السابقة كان بوسعك أن ترى كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى توقف التصريحات السياسية لبضعة أيام على الأقل. لا أتوقع أن يحدث ذلك هذه المرة”.

بن لادن والبغدادي: كيف تعامل أوباما وترامب مع مقتلهما؟

يستبعد مراقبون حدوث تغيير كبير بعد مقتل أبي بكر البغدادي، مشيرين إلى أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن لم ينه مقتله التنظيم الذي ما زال موجودا.

وبينما سرد ترامب تفاصيل العملية بشكل بدا مفاجئا أقحم الكثير من السياسة في روايته بعبارات لم ترتبط بمكافحة الإرهاب بقدر ما ارتبطت بحاجته إلى تعزيز مكانته.

ولم يعتبر أن النصر الذي تحقق بقتل البغدادي هو “الأكبر” فقط، بل أيضا كان لا بد أن يكون أكبر من قتل مؤسس تنظيم القاعدة والعقل المدبّر لهجمات 11 سبتمبر 2001 أسامة بن لادن في عملية مشابهة عام 2011. ولربما يعود سبب ذلك إلى أن عملية قتل بن لادن تمت في عهد سلفه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما.

وقال ترامب “كان أسامة بن لادن مهما لكّنه أصبح مهما بسبب مركز التجارة العالمي (أي هجمات 11 سبتمبر) وأما البغدادي فهو رجل بنى ما ارتأى تسميته بلدا”. وأعلن أنه كان أول من توقّع بأن بن لادن سيتحوّل إلى مشكلة، وهو أمر غير دقيق رغم أنه كتب بالفعل في كتابه الصادر سنة 2000 تحت عنوان “أميركا التي نستحقها” أن الولايات المتحدة تواجه خطر التعرّض لهجوم إرهابي مدمّر. لا تقتصر المشاهدات بين مقتل بن لادن والبغدادي، على مجرد خطاب النصر الأميركي، الذي يقوم بالأساس على الترويج لفكرة نجاح الإدارة، سواء السابقة أو الحالية، في الثأر لدماء الآلاف من الأميركيين الذين قتلوا ضد “الإرهاب”، وإنما امتدت إلى شكل العملية التي قامت بها قوات أميركية خاصة، أو حتى المكان الذي تمت فيه العملية.

ومقتل متزعم تنظيم داعش يتناسب مع العقلية الأميركية في صناعة النصر الإعلامي على التنظيمات المتشددة، فمقتل أسامة بن لادن كان بمنزلة انتصار أميركي في أفغانستان، واليوم مع قرار ترامب الخروج من الأراضي السورية والبقاء فقط حول حقول النفط، يبدو الإعلان عن مقتل البغدادي أمرا مهما، لتؤكد إدارته للشارع الأميركي أن مهمة القضاء على داعش أنجزت بالكامل.

وكان مقتل بن لادن على يد إدارة أوباما بمنزلة نقطة ضوء في تاريخ مظلم للرئيس الأميركي السابق، وكان بداية انطلاق لدعاية جديدة لأوباما لحملته الرئاسية الثانية التي فاز بها على خصومه الجمهوريين.

وبعد أيام من إعلانه مقتل زعيم القاعدة، كشف استطلاع للرأي عن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما تقدم بنقاط عديدة على الجمهوريين الذين نافسوه في انتخابات الرئاسة عام 2012.

العرب