هل سيهدي أبو بكر البغدادي “ترمب” فترة رئاسية ثانية؟

هل سيهدي أبو بكر البغدادي “ترمب” فترة رئاسية ثانية؟

الدكتور  عبد الله الشيخ 

بمجرد إلقاء نظرة خاطفة أولى على عنوان هذا المقال، سيتبادر إلى ذهن القارئ الكريم تلك البراغماتية المعروفة لدى أغلب -إن لم يكن كل- الرؤساء الذين تعاقبوا بالجلوس على الكرسي البيضوي في البيت الأبيض.. من حيث السياسات المتبعة من الجميع حول ما يخص استغلال العالم لتحقيق مكاسب سلطوية مهما كانت الوسائل التي تحقق الغايات، والنتائج التي تترتب على هذا الاستغلال، باستناد جميعهم على المبدأ النفعي القائل “الغاية تبرر الوسيلة”.. لكن، هذا المقال سيتمحور تحديداً حول مقاربة -هي بالتأكيد ليست من صنائع الصدفة- بين آخر رئيسين حكما الولايات المتحدة الأميركية وهما “باراك أوباما ، دونالد ترمب” من جهة، وبين أعتى إرهابيين في العصر الحديث هما، “أسامة بن لادن ، أبو بكر البغدادي” من جهة ثانية، من حيث ارتباط كليهما بكليهما.

وعلى الرغم من تداعي التساؤلات وتنوعها والتي تطرح نفسها، إلا أننا سنكتفي بالإشارة إلى هذه التساؤلات التي سنستهل بها مقالنا هذا وكما يلي:
لماذا هذا التشابه بين نهايتي الإرهابيين “أسامة بن لادن” و “أبو بكر البغدادي”؟ ومن المستفيد الأكبر من نهايتهما بالطريقة التي رسمت؟ وهل تم تصفيتهما فعلاً كما هو مشاعٌ للجميع؟ ولماذا هذا التشابه الكبير في ملابسات نهايتهما؟ وهل لنهاية هذين الإرهابيين علاقة فعلية بتحديد مصير من يجلس على كرسي البيت الأبيض؟

وعلى الرغم من يقيننا بأن الوصول إلى إجابات دقيقة عن هذه التساؤلات هو أمرٌ صعب للغاية، كونها تقطن في ثنايا صفحتين متناقضين، إحداهما واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو تحليل، بالاستناد إلى تكرار سيناريوهات البيت الأبيض منذ عقود، في ما يخص هكذا أمور، بينما الصفحة الأخرى -وهي الأكثر تعقيداً- والمليئة بالألغاز والأحجيات، تميزها صعوبة التوصل إلى إجابات دقيقة، نظراً لما يمتلكه البيت الأبيض من قدرات فائقة ، على المراوغة والتضليل، وألاعيب معقدة يصعب فك رموزها، فضلاً عن توجيه الأنظار في اتجاهات غالباً ما تكون أبعد تماماً عن مرابض الحقائق التي يبحث عن خيوطها الجميع.

وبحسب مصادر عالمية، فإن استغلال صلاحيات المنصب إحدى القواعد الأساسية التي يلجأ إليها الرؤساء الأميركيون الذين يواجهون فضائح، وبالعودة السريعة لطرق تشتيت الرؤساء الأميركيين للأنظار كلما علقت بأحدهم فضيحة ما، لا يزال العالم يتذكر كيف أن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون قبل سقوطه في فضيحة ووتر جيت، ذهب في رحلة إلى الشرق الأوسط في عام 1974، على أمل أن يبدو وكأنه رجل دولة، واستقبلته دولة الاحتلال الإسرائيلي استقبال الأبطال، وخرج حوالي 100 ألف شخص لتحية موكبه الذي تحرك في شوارع القدس.
وبناءً على ما تقدم، سنحاول العودة إلى تفاصيل تصفية الإرهابيين العالميين “بن لادن” و “البغدادي” وما حققتا للإدارة الأميركية من مكاسب سياسية، من جهة، وما قدمته من خدمات جِلال لرئيسي الولايات المتحدة “باراك أوباما و دونالد ترمب” من جهة أخرى.

كان مقتل “أسامة بن لادن” في العام 2011 في عهد الرئيس باراك أوباما، وتحديداً حين أصبحت ورقة تصفية “بن لادن” هي الورقة السحرية التي ستضمن لأوباما فترة رئاسية ثانية، تم استخدامها، وفعلاً كانت بمثابة الجوكر الرابح الذي وضع أوباما على كرسي الرئاسة الأميركية للسنوات الأربع المقبلة –آنذاك، ولفترة رئاسية ثانية، على مرأى ومسمع من خصومه الجمهوريين، فبعد أيام قلائل من إعلانه مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن، كشف استطلاع للرأي العام، عن أن الرئيس الأميركي باراك أوباما تقدم بنقاط عديدة على الجمهوريين الذين نافسوه في انتخابات الرئاسة عام 2012، وهنا يأتي سر البيت الأبيض في التوقيت لتصفية بن لادن.

هذه العملية، لاشك أنها لاقت ترحيباً كبيراً من قبل الرأي العام، سواء على المستوى الداخلي الأميركي، أو على المستوى العالمي، خاصةً عند أولئك الذين ذاقوا الويلات على أيدي تنظيم القاعدة الإرهابي .
والمتتبع لهذه المرحلة، يجد أنه تم تناولها وتحليلها وقرائتها من جهاتٍ ثلاث، ففي الجهة الأولى التي يتموضع فيها المتفائلون، أو الذين ينظرون للأمور بسطحية مفرطة، اتفقوا حينها على أن “بن لادن” هو الإرهابي الأخطر على مستوى العالم، وأن تصفيته ستنهي -أو على الأقل- ستضعف كثيراً من قدرة وخطر تنظيم القاعدة الإرهابي، وعلى الجهة الأخرى، يقف الذين يقرؤون الواقع بتمعن أكثر، وهم الذين لم يبالغوا في ردود أفعالهم تجاه تصفية بن لادن، إذ اعتبروا الأمر مجرد ورقة انتخابية رابحة تم اللعب بها في الوقت الذي حُدد لها بدقة كبيرة.

في حين من يقفون على مشارف البعد الثالث، المتشائمون –إن جاز لنا هذا التعبير- فقد جاءت ردود أفعالهم حول تصفية بن لادن، لتثير الشكوك لدى الكثيرين ممن يعتمدون المنطق التحليلي، حين اعتبروا الموضوع برمته مجرد مسرحيةٍ هزليةٍ كتبها موجهو السياسة الأميركية، وأعدوا لها السيناريو الملائم، وحددوا أبطالها، وأطرافها، وبدايتها المفتوحة، ووسطها المليء بالحبكات والأزمات الدرامية التي ربطوها بتشويقٌ أقل ما يوصف به أنه صناعة هوليودية بامتياز، وصولاً إلى نهايتها المغلقة من حيث انتصار البطل الأسطوري الأميركي على الإرهابي الشرير الذي “قيل” أنه تم تصفيته وفق الرواية الأميركية التي لا يمكن التأكد من صحتها، وهي ذات النهاية التي تكررت مع الإرهابيين “بن لادن ، البغدادي” فكلاهما تم تصفيته في ليلة ظلماء، في ظروف غامضة متشابهة تماماً، ثم تم التخلص وفقاً للرواية من الجثتين في البحر، ما يجعل من هاتين النهايتين النهاية ذاتها، والتي وإن كانت نهاية مغلقة من حيث الشخصيات المتصارعة، إلا أنها كانت نهاية مفتوحة، أو دائرية بمعنى أدق وفق المصطلحات الدرامية، من حيث استمرارية الأحداث، وذلك كونها أحالت إلى جزء آخر من المسرحية الهزلية المقبلة التي سيقودها أبطالٌ جدد، وحدها رتابة ونمطية السيناريوهين الهوليوديين، مَن أعطت من يقفون على مشارف البعد الثالث من تحليل هذه القضية -العقلانيون، مصداقية أعلى في التحليل، خصوصاً بالعودة إلى تناقض التصريحات التي يطلقها المسؤولون الأميركيون نهاية كل صفحةٍ يطوونها من صفحات مسرحياتهم الكوميتراجيدية.

وبالعودة إلى تصريحات دونالد ترمب مقارناً بين الإرهابيين، قال ترمب “كان أسامة بن لادن مهما، لأنه اكتسب أهميته هذه بسبب هجمات 11 سبتمبر، وأما البغدادي فهو رجل بنى ما ارتأى تسميته دولة الخلافة الإسلامية”، ملمحاً إلى أن أسامة بن لادن مثَّل خطراً كبيراً على الأمن القومي الأميركي، في حين البغدادي لم يتجاوز خطره الحدود الجغرافية للعراق وسوريا بصفةٍ خاصة، والجزيرة العربية أو أجزاء صغيرة متفرقة منها على وجه العموم.

ليس هذا وحسب، فالمتابع لتصريحات ترمب أثناء تصفية بن لان، والبغدادي، يجد وبما لا يقبل الشك التناقض الواضح في تصريحاته، فقد أعلن أنه كان أول من توقّع بأن “بن لادن” سيتحوّل إلى مشكلة، وهو أمر غير دقيق رغم أنه كتب بالفعل في كتابه الصادر سنة 2000 تحت عنوان “أميركا التي نستحقها” أن الولايات المتحدة تواجه خطر التعرّض لهجوم إرهابي مدمّر.


لا تقتصر المشاهدات بين مقتل بن لادن والبغدادي، على مجرد خطاب النصر الأميركي، الذي يقوم بالأساس على الترويج لفكرة نجاح إدارة البيت الأبيض، سواء السابقة أو الحالية، في الثأر لدماء الآلاف من الأميركيين الذين قتلوا ضد “الإرهاب”، وإنما امتدت إلى شكل العملية التي قامت بها قوات أميركية خاصة، أو حتى المكان الذي تمت فيه العملية.

إن مقتل الإرهابيين “بن لادن والبغدادي” يتناسب مع العقلية الأميركية في صناعة النصر الإعلامي على التنظيمات المتشددة، فمقتل أسامة بن لادن كان بمنزلة انتصار أميركي في أفغانستان، واليوم مع قرار ترمب الخروج من الأراضي السورية والبقاء فقط حول حقول النفط، يبدو الإعلان عن مقتل البغدادي أمرا مهما، لتؤكد إدارته للشارع الأميركي أن مهمة القضاء على داعش أنجزت بالكامل.

وبالعودة إلى طبيعة التشابه بين بن لادن والبغدادي، وعلى الرغم من اختلاف نهجيهما الإرهابي المُتطرف الذي يستخدم الإسلام ذريعة لتحقيق غاياتهما، إلا أن ظروف مقتلهما تشابهت، زعيما أكبر تنظيمين إرهابيين “القاعدة وداعش”، أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي، انتهيا إلى ذات المصير، وعلى نفس الأيادي، وبذات السلاح، وفي نفس التوقيت، دون أي أثرٍ أو صورٍ أو فيديوهات أو شهودٍ أو دلائل، أو غيرها مما يشير إلى حقيقة ما جرى، وهو أمرٌ يثير الريبة بمصداقية الروايتين الأميركيتين، على الأقل لدى أولئك الذين أشرنا إليهم بالعقلانيين في التحليل.

فقبل ثماني سنوات، وتحديداً في العام 2011، حين أعلنت واشنطن مقتل زعيم القاعدة “بن لادن” والمطلوب الأول على قائمة الإرهابيين المطلوبين لديها، دون أن يبقى منه أثر أو صور أو فيديوهات للعملية، ليبقى مجرد سؤال “أين جثة بن لادن؟” وهل أُلقيت في البحر فعلًا كما زعم الجيش الأمريكي؟! سؤالٌ يحمل أكثر من علامةٍ من العلامات الحائرة والتعجب .

وبعد ثماني سنوات على مقتل بن لادن –وفق الرواية الأميركية أيضاً- لم يختلف الأمر كثيرًا مع مقتل البغدادي، فالظروف متشابهة، والمبررات متطابقة، والذرائع ذاتها، فمع مقتل بن لادن، كانت ذريعة الرئيس الأميركي باراك أوباما سحب قواته من أفغانستان، ومع مقتل البغدادي، كانت ذريعة الرئيس الأميركي ترمب سحب قوات بلاده من سوريا، وفجأة يعلن عن مقتل البغدادي زعيم داعش في عملية استخباراتية شاركت فيها أربع دول وفرقة عمليات “دلتا فورس”، أعقبها إعلان وسائل إعلام أميركية، الاثنين الماضي، أن جثة أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، تم إلقاؤها في البحر، كما حدث تماماً مع جثة بن لادن!!

إذاً، وبناءً على ما تقدم، وعلى الرغم من المتشابهات والمتناقضات آنفة الذكر، وبالاستناد على تصريحات هي أكثر من أن نوردها ضمن هذا المقال، لمسؤولين أميركيين كبار، لعل أبرزهم “هيلاري كلينتون”، والتي جميعها أكدت أن التنظيم الإرهابي “القاعدة” أو التنظيم الذي تم تفريخه منه “داعش” هما صناعة أميركية بامتياز، إلا أن الحقيقة التي يكاد يجمع عليها أغلب المتابعين والمراقبين لذات الشأن، أن المستفيد الأكبر من بقاء التنظيمات الإرهابية الكبيرة، أو التي تفرخ عنها، هي الإدارة الأميركية بصفةٍ خاصة.

أخيرا.. أختتم مقالي هذا بهذه التساؤلات: هل ستمثل النهاية المأساوية -أو كما صورت للعالم- للإرهابي ابو بكر البغدادي، الضامن الأكبر لبقاء دونالد ترمب على كرسي البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية كما كانت نهاية بن لادن بالنسبة لأوباما؟ ومتى سيبدأ الجزء الثالث من المسرحية الهزلية (الإرهاب)، وأين سيظهر؟ ومن هم أبطاله؟ وما هي وسائله وغاياته؟ وهل سينتهي إلى نفس نهايات الجزأين السابقين؟
الأيام المقبلة وحدها من ستحمل الإجابة عن هذه التساؤلات..

 

وحدة الدراسات السياسية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية