ما بعد الاتفاق النووي.. السعودية وروسيا دبلوماسية الضرورة

ما بعد الاتفاق النووي.. السعودية وروسيا دبلوماسية الضرورة

download

للاتفاق النووي إلايراني مع دول 5+1 تداعيات كبيرة على الاوضاع السياسية في المنطقة العربية،لكونه سيفتح صفحة جديدة من علاقات إيرانية –امريكية، ذات مشتركات متعددة تتعلق في احد جوانبها بمكافحة الارهاب، ما يعني انتهاج إيران لسياسات صراعية اعمق، تستند على مواصلة دعمها للجماعات المسلحة المرتبطة بها.

وفي المقابل، بدت ردود الافعال بالنسبة لدول الخليج العربية، تنطلق من قناعة جديدة مفادها، عدم الركون إلى الحليف الأميركي كالسابق، لتتجه إلى تنويع رزمة علاقاتها الدولية، وتقوية امتداداتها الخارجية، كما لن يكون خيار “الحرب بالوكالة” بعيدا عن مقارباتها الحركية، مما يعني ان الازمات ستزداد تعقيدا، وقد نشهد المزيد من الصراعات والحروب.

اذ تحدث وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق، علي فلاحيان، عن ان الاتفاق سينتج تحالفا جديدا بين إيران والولايات المتحدة، إذ يدرك صناع القرار في المنطقة أن إيران قد تشعر بفائض قوة من أجل تعزيز أجندتها وتقوية اذرعها العسكرية وزيادة انخراطها في ازمات وحروب المنطقة. واذا ما افترضنا بأن الاتفاق سيصمد لفترة طويلة، فإن سباق الدول وتنافسها في الاقليم سيكون على اشده.

ويضيف المتغير الطائفي، مزيدا من التشدد على مشهد الصراع القائم في المنطقة، فلكل طرف هواجسه ومقارباته المختلفة، الامر الذي يزيد من حدة الصراع وتُعقِّد تفاصيله، فإيران التي اعتمدت على خطاب الطائفية في تشكيل اذرع موالية لها في المنطقة، امنت لها نفوذا في الاقليم، ولن يكون من السهل عليها التنازل عنه، بينما ترى الاطراف العربية، ان انهاء الصراع الطائفي يتطلب تحجيم التمدد الإيراني، والحد من هامش تدخله في عدد من الساحات مثل سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، والخليج العربي.

ان فكرة “انتصار إيران” تقترن لدى منظري هذا التيار وسياسييه، بهجوم سياسي- عقائدي جامح يسير في اتجاه تهميش دور الدول، بما يسمح للفاعلين غير الحكوميين لعب ادوار رئيسة، فالطائفة، وفق هذه النظرة، هي الاساس، اما السياسة فهي تابع لها تتحدد مقارباتها وفقا لحراك الاولى. وبتعبير آخر فان تنشيط حركية الاقليات الشيعية بالضد من حكوماتها والهجوم على الدور التنظيمي للدولة في مجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والامنية، سيضمن ثاثيرا إيرانيا في معادلات المنطقة المتعددة.

نشير هنا إلى توعد توعد المرشد الاعلى إلايراني علي خامنئي بعد ايام من التوصل إلى الاتفاق النووي بقوله “سواء تمت المصادقة على النص المعد أو لا، لن نسمح لأي أحد بالمساس بالأصول الأساسية للنظام الإسلامي… سواء تم التصدیق علی هذا النص أم لا، فاننا لن نتخلی عن دعم اصدقائنا فی المنطقة. ان الشعب الفلسطینی المظلوم والیمن والحکومة والشعب فی سوریة والعراق والشعب البحرینی المظلوم والمجاهدین الصادقین للمقاومة فی لبنان وفلسطین سیحظون بدعمنا علی الدوام.. ان السیاسات الامریکیة فی المنطقة تختلف عن سیاسات الجمهوریة الاسلامیة بنسبة 180 درجة”.

ويقول مسؤولون عسكريون ومحللون ان الصفقة النووية التي من شأنها رفع عقوبات قاسية على إيران، حملت المملكة العربية السعودية على تفعيل تحركاتها ضد النفوذ الإيراني في اليمن وسوريا قبل أن تتمكن طهران من تحقيق الانتعاش الاقتصادي، والذي سيفضي إلى المزيد من تدخلات الاخيرة. ما يتطلب جهودا عسكرية سعودية مضافة قد تشمل استخدام القوات الخاصة في اليمن، مع احتمال توسيع استخدام القوة الجوية في التحالف العربي في سوريا.

وما يقلق العرب، فان اتفاق إيران النووي مع القوى الدولية سيجعل الشرق الأوسط مكانا أكثر خطورة في العالم لو رافقته تنازلات كثيرة، حيث ترى السعودية “في دعم إيران للرئيس السوري بشار الأسد ولحزب الله اللبناني وللحوثيين في اليمن دليلا على سعيها للهيمنة على الشرق الأوسط”.

وما يحاجج به الساسة في المملكة ينطوي على صدقية كبيرة، فإيران مع العقوبات تضخ مليارات الدولارات لعملائها، لزعزعة الاستقرار في اليمن، وسوريا، والعراق، ما يستوجب تحقيق أكبر عدد ممكن من المكاسب المعركة في الدول المجاورة، قبل أن يتم رفع العقوبات عنها خلال العام المقبل، مع تدفق أكثر من 100 مليار دولار سيجري الإفراج عنها من أرصدة إيران المجمدة، كما سيرفع الحظر المفروض على الطيران الإيراني منذ ثلاثة عقود، والحظر المفروض على البنك المركزي الإيراني وشركة النفط الوطنية الإيرانية وخطوط الملاحة الإيرانية والكثير من المؤسسات الأخرى والأشخاص.

التحول الدبلوماسي

المخاوف السعودية، جعلت الولايات المتحدة تعلن عن زيارة مرتقبة لوزير الدفاع الامريكي آشتون كارتر إلى السعودية، وذلك لطمأنتهما وتجديد الالتزام الامريكي بأمن حلفائها في المنطقة، ولا سيما في مواجهة سلوك إيران المزعزع للاستقرار.

ومع ذلك، فيمكن ايجاز النظرة العامة حيال هذه الزيارة بانها لن تكون كافية لمنع تحول كبير في السياسة الخارجية السعودية، إذ تستعد الرياض لوضع الموارد والجهود الكبيرة في نشاط دبلوماسي، يهدف إلى توسيع علاقاتها خارج الولايات المتحدة وأوروبا، وان بوصلتها تتجه إلى روسيا ودول اخرى، وصولا لتنويع علاقاتها الدولية بما يحقق معادلة التوازن المأمول في سياساتها مع القوى الكبرى المؤثرة عالميا.  فضلا عن تنويع مصادر مشترياتها العسكرية والتقنية التي يجب أن تمتلكها القوات المسلحة السعودية؛ ما يمنحها مزيدا من المرونة في الحركة.

وتتضاعف هذه التخوّفات مع استمرار ظهور المؤشرات على تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، وهو الحليف الاستراتيجي الأول والضامن لأمن الخليج العربي، والتي تعززت مع تولي أوباما رئاسة الولايات المتحدة وسحبه للقوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 20011، وتركه الميدان فارغاً لإيران لبسط نفوذها بشكل تام على البلاد، ثم بعد ذلك الاعلان عن استراتيجية للأمن القومي الأمريكي في عام 2012 التي تضمنت التركيز على التوجه الآسيوي. فالفتور في العلاقات السعودية – الامريكية، ناجم عن اصرار إدارة أوباما إلى عقد اتفاقية مع طهران في موضوع برنامجها النووي. فيما ترى السعودية أن تلك الاتفاقية تشكل خطرا مباشرا على مصالحها.

وعليه فان التحول الدبلوماسي اضحى ضرورة سعودية ملحة لمواجهة مستجدات التفاعلات الدولية التي ستنشأ اعقاب الاتفاق النووي، ما يعني تحسبا وتحركا جديدا يبعد الرياض عن الاخذ على حين غرة، لتجد نفسها بعد ذلك تدور في اطار ذات المفاهيم المحافظة في التعامل السياسي الخارجي، الامر الذي يجعلها بعيدة عن الفعل الهادف والمؤثر على صعيد الاقليم وفي العلاقات الدولية.

زخم جديد على مستوى السياسة الخارجية السعودية

لقد بدأ التحول في العلاقات السعودية –الروسية مع تسارع مفاوضات الاتفاق النووي، ومع زيارة نائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى سان بطرسبرج في يونيو/ حزيران الماضي ودعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض. والشروع في حملة دبلوماسية تفضي إلى بناء تحالفات مع موسكو اقتصادية وسياسية، اضافة إلى توقيع اتفاقات مهمة، بينها اتفاق للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، يقضي ببناء ١٦ مفاعلاً نووياً سلمياً. كما تضمنت صفقات أخرى مثل مذكرة تفاهم بين صندوق الاستثمار المباشر الروسي والهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق باستثمار مشترك يصل إلى 10 مليار دولار أمريكي. وفي وقت واحد؛ حضر مسؤولون عسكريون سعوديون منتدى الجيش الروسي الفني لعام 2015 في كوبينكا، واكدوا علنا ​​رغبتهم شراء سفن وصواريخ روسية.

وفي هذا السياق، فإن اللقاء الذي جمع سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الدفاع، ونائب رئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان الأول بهذا المستوى منذ أربع سنوات، وشكل بالفعل حدثا هاما لديناميكية العلاقات الثنائية.

ويأخذ التقارب السعودي- الروسي ابعادا على مستوى معالجة الملفات الإقليمية، وخاصة الملفين السوري واليمني، وبينهما مكافحة الإرهاب، وفي هذا يقول سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، إن العلاقات الروسية – السعودية تحظى بأهمية متزايدة في ضوء تصاعد “خطر الإرهاب”، وأهمية توحيد جهود الأطراف كافة التي تتفهم مدى مخاطر تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية الموجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

ان فحوى هذا الاتجاه السعودي يأتي في غضون توافق خليجي على ضرورة حث روسيا والضغط عليها في سبيل التخلي عن نظام بشار الأسد في سوريا. وبحسب ما قاله مارك كاتز، المحاضر في العلوم السياسية في جامعة جورج ماسون الأمريكية، فان الرياض ترى أنه طالما أن سقوط الأسد واقع لا محالة، فإنه من الأفضل أن تعمل روسيا مع السعودية لضمان زيادة فرص انتقال السلطة إلى المعارضة المعتدلة في سوريا.

وفي ذات المعنى، فان الحوار المباشر السعودي- الروسي، الذي يمكن في سياقه التعويل على قدر أكبر من مرونة في موقف موسكو من الوضع في سوريا، وعلى نهج أكثر تعاونا بشأن المسائل الإقليمية الأخرى. وإلى ذلك، فإن “الحوار دون وسطاء” سوف يساعد في التوصل إلى فهم الدوافع الروسية في المنطقة على نحو أكثر مطابقة للواقع.

التعاون الروسي السعودي حول القضايا الاقليمية وأسواق النفط والطاقة النووية وغيرها من القضايا، لن يكون سهلا حتى لو كانت هناك دوافع لدى كلا الجانبين. وعلى رأس الاختلافات الاستراتيجية بينهما تقف إيران، وما يقال عن دعم سعودي لجماعات اسلامية شيشانية، والاستنتاج المستمد مما تقدم فان التعاون هذا يحتاج إلى سنوات ليأتي بمفاعيله بالنسبة لموسكو والرياض.

وبصرف النظر عن مدى عمق او محدودية هذه الاستدارة السعودية، فانها، خير من كسل العلاقات بينهما، والتحول إلى الديبلوماسية المبادرة. ومع ان التوجه السعودي نحو روسيا قد لا يؤثر على متانة او جوهر العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً وفق ما يعتقده البعض راهناً، فان ثمة ما قد يرسم علامات استفهام مستقبلية خصوصاً في ضوء استمرار سعي إيران للحصول على اقرار اميركي بنفوذها في المنطقة ومحاولة منافسة الدول العربية من خلال تصوير نفسها الأقدر على محاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية