رصّ الصفوف سياسيا لمواجهة الاحتجاجات في العراق

رصّ الصفوف سياسيا لمواجهة الاحتجاجات في العراق

توصلت القوى السياسية في العراق، بحسب ما تقول المصادر، إلى اتفاق على الإبقاء على السلطة الحالية التي تسعى لإنقاذ نفسها والخروج بأقل الأضرار الممكنة من مأزق الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام، على غرار ما حققته ثورات الربيع العربي، لكن المراقبين يرون أن المتظاهرين العراقيين المنتفضين ضد فساد الطبقة السياسية والمطالبين بالتغيير الجذري لن يرضوا بإجراءات برلمانية أقرب إلى المسكنات من الحلول.

بغداد – كشفت مصادر سياسية وإعلامية عن وجود اتفاق بين القوى السياسية في العراق يقضي بالإبقاء على السلطة الحالية وإنهاء الاحتجاجات المطالبة بـ”إسقاط النظام” حتى لو اقتضى الأمر استخدام القوة لتحقيق ذلك.

وواصلت غالبية القوى اجتماعاتها خلال الأيام الأخيرة، بحسب ما أكدته لوكالة فرانس برس كوادر من أحد الأحزاب التي شاركت في الاجتماعات.

وأشار مصدران سياسيان إلى أن “الأحزاب السياسية اتفقت خلال اجتماع ضم غالبية قيادات الكتل الكبيرة على التمسك بعادل عبدالمهدي (رئيس الوزراء) والتمسك بالسلطة مقابل إجراء إصلاحات في ملفات مكافحة الفساد وتعديلات دستورية”.

وأضاف أن الأطراف اتفقت أيضا على “دعم الحكومة في إنهاء الاحتجاجات بكافة الوسائل المتاحة”.

ويبدو أن هناك توجها قديما متجددا إلى إعادة ترميم البيت الشيعي على أن يكون بمثابة تحالف وطني، وفق المصادر نفسها.

ولفتت مصادر سياسية أخرى أيضا إلى أن الاتفاق بين الأطراف المعنية “بما فيها سائرون والحكمة” جاء بعد “لقاء الجنرال قاسم سليماني بمقتدى الصدر ومحمد رضا السيستاني (نجل علي السيستاني) والذي تمخض عنه الاتفاق على أن يبقى عبدالمهدي في منصبه”.

وأكدت المصادر أن الطرف الوحيد الذي رفض الاتفاق هو تحالف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي يرى أن الحل الوحيد للأزمة هو رحيل عبدالمهدي.

وتحدثت المصادر عن انعقاد جلسة برلمانية، السبت خصصت لعمل اللجان على التعديلات الدستورية، بهدف ترجمة ذلك الاتفاق.

لكن المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي استبعد أن “يتمكن البرلمان العراقي من وضع حدّ للمظاهرات من خلال استضافة رئيس الحكومة، لأن الجميع متورطون في قضايا الفساد وسوء الإدارة”.

ومع بدء رص الصفوف سياسيا، بدأت القوات الأمنية تتقدم في الشارع. وتمكنت تلك القوات من استعادة السيطرة على ثلاثة جسور من أصل أربعة سيطر عليها المتظاهرون في بغداد.

وجرى بحث التطورات الجارية والتعاون بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ودعم جهود الحكومة والإجراءات الإصلاحية التي إتخذتها إستجابة لمطالب المتظاهرين، وسبل حفظ الأمن والإستقرار في عموم البلاد.

ورغم أن الأعداد الكبيرة من المتظاهرين تتجمع في ساحة التحرير المركزية للاحتجاجات المطالبة بـ”إسقاط النظام”، فإن المواجهات تدور منذ أيام عدة على أربعة من 12 جسرا في العاصمة.

وتقدم المتظاهرون أولا باتجاه جسر الجمهورية، الذي يصل التحرير بالمنطقة الخضراء التي تضم مقارّ حكومية. ورفعت القوات الأمنية على الجسر ثلاثة حواجز إسمنتية، يقف المتظاهرون عند أولها.

وبعد ذلك، تقدم متظاهرون آخرون في اتجاه جسور السنك والأحرار والشهداء، الموازية لجسر الجمهورية شمالا.

وشهدت تلك الجسور الثلاثة ليلا مواجهات بين المتظاهرين والقوات الأمنية التي صدتهم.

وقامت القوات العراقية صباح السبت، بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع في اتجاه المتظاهرين المتجمهرين بشارع الرشيد وسط العاصمة. وقال أحد المتظاهرين المتواجدين على جسر السنك “أيقظتنا القوات الأمنية عند الثانية فجرا”. وأضاف الشاب الملثم “أطلقوا القنابل الصوتية وصرخوا فينا: هيا تعالوا اعبروا.. الأمور ليست جيدة لكننا باقون حتى إيجاد حل”.

ودعا المرجع الديني الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني، الجمعة، القوات الأمنية والمتظاهرين إلى ضبط النفس وعدم استخدام القوة.

لكن متظاهرا آخر قال إن “المرجعية قالت أمس: لا تضربوا.. لا رصاص حي ولا شيء آخر”، وتايع “لكنهم اليوم ضربونا، قالوا عنا: مندسين وبعثيين، ولكن نحن لا نملك أي شيء”.

وإلى أقصى الجنوب، في محافظة البصرة الغنية بالنفط، استخدمت القوات الأمنية الرصاص الحي ضد المتظاهرين المتوجهين إلى مبنى مجلس المحافظة. وأسفر ذلك عن مقتل ثلاثة أشخاص وسقوط العشرات من الجرحى، بحسب مصادر طبية.

أما بالنسبة إلى المخيمات التي أقامها المحتجون في ساحات بغداد ومدن الجنوب، فقد فضتها القوات الأمنية بالقوة في البصرة، ورمتها بالقنابل المسيلة للدموع في مدينة كربلاء المقدسة لدى الشيعة.

ومع استمرار قطع الإنترنت قسريا في البلاد منذ بداية الأسبوع، بدأ العراقيون يتخوفون من الأسوأ، مع عودة ذكرى الأسبوع الأول من الاحتجاجات مطلع أكتوبر إلى الأذهان.

واتسمت الموجة الأولى من الاحتجاجات بين الأول والسادس من أكتوبر بتواجد قناصة على أسطح مبان استهدفوا المتظاهرين، لكن هويتهم لا تزال مجهولة بالنسبة إلى السلطة.

ورجح الشريفي، الذي كان ضابطا في سلاح الجو العراقي، استمرار المظاهرات الاحتجاجية في العراق لكونها جاءت على خلفية فساد وسوء إدارة حكومية وأنها لن تنتهي إلا بتغيير جذري للنظام السياسي في البلاد مستبعدا المراهنة على الزمن لإيقافها.

وأضاف الشريفي، لوكالة الأنباء الألمانية، “الحكومة لا تستطيع تجاوز الأزمة الحالية وأعتقد أن حكومة عادل عبدالمهدي ستنهار ونحن باتجاه حكومة طوارئ لا بد أن تكون مقنعة أو ربما عسكرية تشبه ما جرى في مصر”.

وتابع “مشهد المظاهرات العراقية هو أقرب اليوم إلى مظاهرات الربيع العربي، واستخدام القوات العراقية للعنف ستكون له آثار سلبية على مكانة الحكومة دوليا وفي الأمم المتحدة”.

وذكر الشريفي أن “الحكومة العراقية لم تعد قادرة على إقناع الجماهير بسلسلة إصلاحاتها بعد انطلاق المظاهرات بدليل أنها لجأت إلى القوة والعنف ضد المتظاهرين وارتفاع حصيلة الضحايا والجرحى إلى أرقام غير مسبوقة”.

وشهدت الاحتجاجات، التي انطلقت في الأول من أكتوبر الماضي، أعمال عنف دامية أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص ونحو 13 ألف مصاب بحسب إحصائيات للمفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق غالبيتهم من المتظاهرين المطالبين بـ”إسقاط النظام”.

وقال “هناك علامات استفهام حول نوعية المقذوفات التي تستخدمها القوات الأمنية ضد المتظاهرين من حيث الشكل والوزن والتأثير”.

وأضاف أن سقوط عدد كبير من الضحايا “بين المتظاهرين، برصاص القوات العراقية، هو علامة خطيرة، وتتحمله الحكومة العراقية، حتى وإن أكدت أنها لم تعط الأوامر للقوات الأمنية باستخدام السلاح الحي لأنه في كل الأحوال ما يجري يؤكد أن هناك قوات غير منضبطة تقوم بهذه الأعمال الخطيرة وهذا لا يسقط مسؤولية النظام السياسي في هذا الشأن”.

وذكر أن “محركات المظاهرات العراقية اليوم ليست بمطلب جماهيري بعينه حتى تتمكن الحكومة من حله، وإنما المؤثر الحالي هو المطالبة بتغيير أقرب ما يكون إلى ما شهدته البلاد العربية في الربيع العربي”.

ولأول مرة في تاريخ العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، تشهد البلاد مظاهرات شعبية متواصلة منذ بداية الشهر الماضي تطالب بإقالة الحكومة وحل البرلمان وتعديل الدستور.

 

العرب