هل تشتعل منافسات الرعاية النووية بين روسيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

هل تشتعل منافسات الرعاية النووية بين روسيا والولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟

images

في الوقت الذي تركز فيه كل العيون في الوقت الراهن على مفاوضات مجموعة الخمس زائد واحد حول مستقبل إيران النووي، هناك اهتمام قليل على ما يبدو بالتوجه النووي التاريخي لمنطقة الشرق الأوسط، والذي تقوده روسيا. الاستثمار الاستراتيجي لموسكو في تطوير الطاقة النووية في الشرق الأوسط يعمل على تمتين ودعم النفوذ على المدى الطويل في عواصم تتراوح من طهران إلى الرياض، وأنقرة إلى القاهرة، وحتى عَمّان. وفي ظل تخبط علاقات واشنطن الخاصة مع تلك الحكومات منذ التقارب مع طهران، والعلاقات مع موسكو التي تجري مرة أخرى على مستويات الحرب الباردة، فهل عدم مشاركة الولايات المتحدة في هذه المسألة تعرقل عموما أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟

من المؤكد أن الأساس المنطقي وراء الجهود الإقليمية لتطوير الطاقة النووية يمكن أن يختلف. ويمكن أن يشير إلى «الخروج» إلى المجتمع الراقي، حيث تشير بعض الأشياء النووية الثمينة إلى الهيبة الاقتصادية والوطنية. كما يمكن أن تشير إلى التزام التفكير إلى الأمام لتنظيف وتنويع مصادر الطاقة الثابتة. أو حتى يمكنها أن تلمح إلى احتمال أن بلد يمكن أن يتحرك من أجل التسليح. ولكن، مهما كانت الأسباب لدول الشرق الأوسط لمتابعة الطاقة النووية، فما هو واضح من وراء اتخاذ هذا القرار، أن كل بلد يحتاج مساعدة خارجية هامة، وأن أي مساعدة تأتي بدورها مع نفوذ سياسي كبير.

تدخل روسيا

تقدم شركة «روساتوم» النووية الحكومية في روسيا قائمة من العروض للبلدان التي تسعى للطاقة النووية. ويمكن أن تشمل الأوامر المصممة خصيصا على مجموعة من مصادر التمويل المرن والبناء والتملك وحلول تشغيلية تم ضمانها من قبل موسكو. في بعض الحالات، يكون هناك أوامر تتناول القائمة بأكملها. والنتيجة هي تحقيق روسيا مكاسب على المدى الطويل، بالإضافة إلى علاقة استراتيجية وتجارية مع دول مضيفة.

التعهدات والوعود الروسية لدول الشرق الأوسط بأن تصبح شريكا في سعيهم للحصول على مرآة الطاقة النووية هي تعهدات مماثلة في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. العاصمة السياسية التي تعلق الآمال على الراعي السيادي، روسيا، في مثل هذه الصفقات النووية لا ينبغي الاستهانة بها. التمويل النووي هو عملية طويلة الأجل، ومحاولة معقدة ومكلفة ذات أرباح قليلة أو ربما معدومة على المدى القصير، والفوائد على المدى الطويل يصعب قياسها من الناحية الكمية. ومع ذلك، فإن صفقات نووية روسية هي كرز كل مشاريع البنية التحتية الأخرى، ما يجعل منها صفقات متبادلة المكاسب للطرفين.

المشروع النووي الأول والوحيد حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط الذي تلقى أموالا روسية يوجد في تركيا، والذي من المقرر أن يفتح آفاقا في عام 2016. هذه هي المرة الأولى لإنشاء وامتلاك وتشغيل نموذج تمويل المشاريع في الصناعة النووية. وهناك ترتيبات مماثلة تم اقتراحها للأردن لعام 2017. وفي مصر، هناك المشروع المقترح بـ10 مليارات دولار، فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم مع روسيا، ولكن التوقيت والتمويل لم يحدد بعد. وبالإضافة إلى المصنع الروسي الموجودة في طهران، فقد تعهدت شركة روساتوم بأكثر من مصنعين. ومؤخرا، وقعت المملكة العربية السعودية وروسيا مذكرة تفاهم في يونيو/حزيران بالإضافة إلى خطط لاستثمار 10 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي في روسيا، وسط تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة.

وفي حين أن قرار دخول المضمار النووي يتطلب إنفاق مبلغا كبيرا من المال، وفي حالة تم الالتزام بوعود الالتزام السيادية، فإن ذلك قد يساعد على تجميل الصفقة. ومع ذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي سيحدث في حال أن الضامن السيادي في حد ذاته في حالة تقلبات جيوسياسية ومالية، ولا يفي بأي وعود وتعهدات؟ اعتبارا من منتصف عام 2015، يشهد الاقتصاد الروسي حالة من السقوط الحر، وقد أثر عليه بشدة تراجع أسعار الطاقة، وانخفاض قيمة الروبل، والعقوبات الغربية، وهروب رأس المال، وتضافر جهود أوروبا لتقليل الاعتماد على شركة غازبروم الروسية. احتمالية أن روسيا يمكن أن ترقى إلى مستوى وعودها النووية أمر يبدو محاطا بالشكوك، نظرا لعدد من الالتزامات التي أعطتها إلى بنجلاديش ونيجيريا وفيتنام والمجر وفنلندا وتركيا وإيران ومصر وجنوب إفريقيا والمملكة العربية السعودية وهلم جرا. حتى بالنسبة لروسيا، فإن هذا يبدأ في تشكيل تجميعه مثمرة.

هل تتدخل الولايات المتحدة؟

وتشير القيود الاقتصادية الحالية والمرتقبة في روسيا إلى إمكانية عدم القدرة على الوفاء بتعهدات ومذكرات التفاهم، وبالتالي توفير فرصة للولايات المتحدة من أجل التدخل. وفي حالة أن الولايات المتحدة ترغب بإدارة واستخدام صندوق أدوات قوتها الذكية، فإن تقديم الدعم للصناعة النووية الأمريكية سيكون حاسما. إن فشل إعادة تفويض بنك التصدير والاستيراد الأمريكي هو بمثابة إلحاق الضرر بنفسك. ويتجلى هذا بأهمية أكثر في الوقت الراهن مما كان عليه سابقا في الشرق الأوسط.

ولا يزال الشرق الأوسط وثيق الصلة بمصالح الولايات المتحدة، حتى على الرغم من محور آسيا، والثروة الولايات المتحدة المكتشفة حديثا من ثروات واعدة في الصخر الزيتي والغاز الصخري، ما يقلل من الاعتماد على الواردات على الشرق الأوسط، فإنه لا يزال أحد المجالات الرئيسية لعدم الاستقرار ويتمتع بأهمية استراتيجية. ولا تزال الولايات المتحدة تستورد نفطها وستستمر لعقود قادمة، كما أنها تعمل على إبقاء الممرات الملاحية آمنة ومفتوحة بشكل حاسم أمام التجارة العالمية. وعلى هذا النحو، لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون ضحية لتفكير «نكهة الشهر» في سياستها الخارجية.

من خلال دعم محطات الطاقة النووية في المنطقة، يمكن للولايات المتحدة قتل ثلاثة عصافير بحجر واحد: تقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، ممارسة نفوذها الاستراتيجي ووجودها في ضوء اتفاق إيران للحفاظ على علاقتها مع الحلفاء الإقليميين، ودعم الصادرات المحلية في صناعة الأسلحة النووية. صفقة أو لا صفقة في إيران، هذا هو حساب التفاضل والتكامل الباقي بلا تغيير.

وعلاوة على ذلك، فإنه حيث تشهد الولايات المتحدة نهضة محلية في الابتكار النووي، فعلى ما يبدو أن الوقت مناسب لدعم محطات الطاقة النووية في الخارج، فضلا عن وقف المنافسة الأجنبية في الصناعة النووية، وممارسة النفوذ الإقليمي، والمساهمة في التنمية الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. وبينما كانت الاستراتيجية الامريكية الصناعة النووية منذ فترة طويلة في تراجع، فإن هناك فرصة لتقديم رعاية سيادة لمحطات الطاقة النووية لتعويض النفوذ الإقليمي الروسي في الشرق الأوسط. وقد حان الوقت لإعادة النظر في الدور الذي يلعبه بنك التصدير والاستيراد في ممارسة القوة الناعمة التجارية الأمريكية عالميا. وينبغي أن يكون استعراض القوة من الولايات المتحدة في الخارج غير مقتصر على الاشتباكات العسكرية والإنسانية.

وفي نهاية المطاف، فإنه في الوقت الذي تكافح فيه واشنطن بالفعل لطمأنة الحلفاء الإقليميين المعنيين حول التحوط مع طهران، وليس الانخراط بما فيه الكفاية حول التعاون النووي المدني مع عواصم أخرى في الشرق الأوسط، فإن ذلك بمثابة فرصة ضائعة لإعادة تأكيد العلاقات الاستراتيجية. الصناعة النووية الداخلية في الولايات المتحدة تخاطر بخسارة فرص جديدة حيوية للتصدير. وعند الأخذ معا في الاعتبار، فإن حجة قوية للولايات المتحدة للمشاركة في الترويج للطاقة النووية في الشرق الأوسط يمكن تقديمها. ومن المؤسف أنه في الوقت الذي تستطيع فيه المملكة العربية السعودية وروسيا الانخراط في تجزئة واقعية  لسياساتهما، فإن الولايات المتحدة تبدو أقل مرونة.

ولكن الواقع يقول إن مثل هذه الاستراتيجية ليست خالية من المخاطر، ولا سيما في هذه المنطقة المضطربة. وتعاني منطقة الشرق الأوسط من حركات التمرد المحلية والعابرة للحدود واللاجئين والمنافسة الجيوسياسية وعدم الاستقرار السياسي. وبالتالي، فإن خطر الانتشار النووي والحوادث حقيقي جدا. أي استراتيجية للولايات المتحدة لدعم الطاقة النووية المدنية يجب أن تتضمن حتما الرقابة على الصادرات القوية وعمليات تحقق لضمان الالتزام. ومع ذلك، فإنه بالنسبة للبلدان التي تتطلع إلى أن تصبح لأول مرة من منتجي الطاقة النووية، ومن ثم تناقش الانتشار، والمخاوف بشأن التصعيد السابق لأوانه، فإنها بذلك إلى حد كبير تتخذ الخطوة الأخيرة قبل الخطوة الأولى (تضع العربة أمام الحصان). تمويل المشاريع على نطاق واسع وتطوير البنية التحتية ما هي إلا أدوات استعراض قوة ذات مغزى.

وبأخذ خطوة أو خطوتين إلى الوراء: فإن روسيا لديها خطة استراتيجية، في حين أن الولايات المتحدة على ما يبدو على النقيض.

موقع الخليج الجديد