افريقيا الجيوسياسية والاقتصادية بنظر موسكو

افريقيا الجيوسياسية والاقتصادية بنظر موسكو

الباحثة شذى خليل*

تعد أفريقيا من أقدم قارات المعمورة، وتمتلك موارد طبيعية وبشرية كبيرة، وهي تتوسط قارات العالم القديم، كما أنها ثاني قارات العالم مساحة، إذ تبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كلم2.
وتمتلك دول أفريقيا التي يصل عددها إلى 54 دولة، خصائص مشتركة، لكنها تختلف اختلافا بيناً في المساحة، وهي غنية بالموارد الاقتصادية، تؤهل دولها لمكانة تختلف جذريا عما هي عليه الآن.
ورغم أنها قارة ضخمة المساحة، حيث تبلغ كثافتها السكانية 22 نسمة لكل كلم2، ويعيش ثلثي سكان القارة الأفريقية على الزراعة، إلا أن هذه الكثافة في الأراضي الزراعية تصل إلى 163 نسمة لكل كلم2، ومتوسط معدل الزيادة السكانية في القارة يصل إلى حوالي 2.9% سنوياً، مما يمثل ضغطا سكانيا على الأراضي الزراعية، ويدفع الشباب إلى الهجرة إلى المدن حتى لو كانت فرص العمل ضعيفة.
الموارد الاقتصادية الأفريقية:
على الرغم من أن أفريقيا كانت من أولى المناطق التي تم اكتشافها من جانب الأوروبيين، إلا أنها من الناحية الواقعية كانت آخر المناطق اكتشافا من حيث تقدير ثرواتها الطبيعية, حيث كان التركيز الأوروبي قاصرا في البداية على نقل العبيد من القارة الأفريقية عبر المحيط الأطلنطي إلى العالم الجديد في الأميركيتين، ثم بدأت القوى الاستعمارية في إطار تكالبها الاستعماري على أفريقيا بالاهتمام بالثروات الضخمة غير المكتشفة في القارة ومواردها المعدنية والزراعية، فمنذ بداية السيطرة الاستعمارية مع سيطرة البلجيكيين على دولة الكونغو الحرة كان الهدف الأساسي استغلال الثروات الغنية لهذه المنطقة.
ماهي أطماع روسيا في افريقيا؟
كان للاتحاد السوفيتي نفوذا كبيرا في القارة السمراء، لكن وطأته السياسية والاقتصادية انحسرت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، بيد أنها منذ فترة بدأت تتحرك للتمدد في افريقيا من خلال عقود عسكرية تراهن على أن تساعدها في تثبيت وجودها في القارة الإفريقية في مواجهة القطب الأمريكي والنفوذ الغربي.
فكما نعرف أن للولايات المتحدة وجود عسكري قوي في إفريقيا ممثلا في القيادة العسكرية الأميركية المعروفة باسم “افريكوم” وهي وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة البنتاغون، وهذه القوة مسؤولة بالدرجة الأولى عن العمليات العسكرية الأميركية، وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة في أفريقيا عدا مصر التي تقع في نطاق القيادة المركزية الأميركية.
تأسست افريكوم في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2007 كقيادة مؤقتة تحت القيادة الأميركية لأوروبا.
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اتبع استراتيجية جديدة تقوم على استعادة دور بلاده الاقليمي والدولي بعد الضعف والوهن وتراجع الدور الروسي على اثر تفكك الاتحاد السوفييتي.
موسكو تنظر لإفريقيا كمجال حيوي جيوسياسي واقتصادي في مواجهة النفوذ الغربي، ما دفعها للتحرك لتأمين موطئ قدم فيها من خلال اتفاقيات عسكرية واقتصادية.
وفي أحدث تحركاتها في هذا المجال الحيوي، أبرمت روسيا مع الكونغو اتفاقية لإرسال موسكو خبراء صيانة عتاد عسكري إلى برازافيل في سياق تعزيز الحضور الروسي في إفريقيا.
القمة الروسية الافريقية:
انفقت روسيا مبلغ سبعين مليون دولار لاستضافة القمة الروسية–الأفريقية الى جانب المنتدى الاقتصادي الروسي الأفريقي، لتضع موطئ قدم في القارة السمراء، وذلك بالرهان على الحروب التجارية التي تخوضها واشنطن ضد بكين، والتي مثلّت فرصة ذهبية للدب الروسي كي يتسلل ويخترق العمق الأفريقي.
فهذا هو أول منتدى روسي إفريقي على هذه السوية في التاريخ، يناقش بشكل أساسي الجوانب الاقتصادية للتعاون، وقال بوتين: “إن العلاقات الروسية-الأفريقية في ازدهار، واننا نقدم خدمات الى افريقيا على شكل”:
• الدعم السياسي والدبلوماسي.
• المساعدة الأمنية والدفاعية.
• المساعدات الاقتصادية.
• خبرات التحكم في الأمراض.
• المساعدات الإنسانية.
• التدريبات التعليمية والحرفية.
وعندما ننظر الى حجم التعاون الاقتصادي بين روسيا ودول القارة الإفريقية، نجد الأرقام بحد ذاتها ضخمة ومؤثرة، ومخيفة للشركاء الغربيين والصين، المسألة تكمن في أن تغلغل روسيا، بسبب عدد من الظروف، على مدى السنوات الخمس إلى السبع الماضية كان أكثر فاعلية من عقود من الاستعمار الغربي الجديد والتوزيع السخي للأموال من قبل بكين، وقد هيأت لهذا النجاح بعض الممارسات الروسية الخالصة في إفريقيا، لحظات إنسانية بحتة، تجسد بوضوح الأولوية، للسياسة أم الاقتصاد، فحتى الآن، النفوذ العسكري-السياسي، وفقا لمفهوم “الاستقرار أولاً، والربح ثانيا”، يقوم بخطوات سبّاقة إلى الأمام، أما المشروعات الاقتصادية الواسعة النطاق فينبغي أن تعطي نتائج ملموسة، في الفترة القريبة القادمة، ام ستكون حبرا على ورق .
اكدت جميع التقارير أن روسيا تحتل المرتبة الأولى في توفير الأسلحة للدول الواقعة جنوب الصحراء، ويمكن ملاحظة شعار القمة الحالية “من أجل السلام والأمن والتنمية”، والمثير للاهتمام أنه في وقت سابق أطلق على هذا العام “عام أفريقيا لنظام التعاون العسكري التقني الروسي”.
إن الشركات الروسية ستقدم سلسلة من العروض الأولية لأفريقيا، حيث تريد كينيا تزويد روسيا بالمانغو والأفوكادو والزهور والشاي، وساحل العاج تريد تصدير المعادن والكاكاو واللحوم والأسماك إلى روسيا، أما روسيا من جهتها، فستقوم بتسليم 11 مختبرا متنقلا لتشخيص الطاعون في مدغشقر، وستفتتح مركزا للترويج للغة الروسية بالغابون، وأن وزارة التعليم الروسية وقعت اتفاقات في مجال العلوم والتعليم والثقافة مع 13 دولة أفريقية، بينما يتلقى حوالي 17 ألف طالب أفريقي التعليم في روسيا، هذا العدد تضاعف عن ما كان عليه العدد قبل عشر سنوات.
وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة كامبريدج “ها جون تشانغ” ان “أفريقيا الآن في موقع الصين نفسه في التسعينيات، أي مثل النمر المستعد للقفز”، أما بالنسبة لروسيا، فإن فكرة العودة إلى أفريقيا هي الفكرة الأساسية وراء القمة، وقد تم الإعلان عن هذه الفكرة في العديد من المناقشات السياسية ومحاورات الخبراء.

النمو السريع للنفوذ الروسي في افريقيا؟
قال فلاديمير بوتين، إن تقوية العلاقات مع البلدان الأفريقية يعد أحد أولويات السياسة الخارجية الروسية.
في حين أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، العام الماضي، عن خطة أمريكية جديدة في أفريقيا، تهدف بشكل أساسي لمحاربة نفوذ روسيا والصين، وأن روسيا “تبحث جديا عن اتفاقات وعلاقات أمنية”، في حين يستمر تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة.
ففي تسعينيات القرن الماضي، فقدت روسيا اهتمامها بالقارة الأفريقية، فقد أغلقت موسكو في عام 1992 تسع سفارات وأربع قنصليات وعددا كبيرا من المراكز الثقافية في أفريقيا، وعلى مدى عشر سنوات، لم يزر الزعماء الروس أبدا القارة الأفريقية، حتى عام 2005 عندما زار بوتين مصر.
وذكر أنه عند العودة إلى أفريقيا، يتعين على روسيا التنافس مع الولايات المتحدة والصين، اللتين بسطت كل منهما سيطرتها في المنطقة، فحجم تجارة أفريقيا مع الولايات المتحدة يُقدر بحوالي 61 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف حجم تجارتها مع روسيا، وتجارة الصين تُقدر بـ 204 مليارات دولار، وكانت الصين قد بدأت بتنظيم مؤتمرات على غرار ما حدث في سوتشي مع الزعماء الأفارقة منذ عام 2006، وفي عام 2018، وقعت حوالي 150 اتفاقية تعاون، وانضمت 28 دولة أخرى إلى المشروع الصيني “حزام واحد طريق واحد”.
ومن الأهداف الاقتصادية الروسية من النفوذ في أفريقيا:
• تعاني روسيا من نقص في معادن مثل المنغنيز والبوكسيت والكروم، وكلها مهمة بالنسبة للصناعة.
• كما أن لها خبرة في قطاع الطاقة، يمكنها نقلها إلى الدول الغنية بالموارد، والتنقيب عن الألماس يأتي على رأس المشروعات الروسية في أفريقيا.
• تنقب الشركات الروسية حاليا عن البوكسيت في غينيا، وتبرم صفقات لاستخراج الألماس في أنغولا، وتحصل على موافقات لاستخراج الغاز الصخري من موزمبيق.
• ذكرت تقارير أن شركة الطاقة الروسية العملاقة، لوكويل، دشنت مشروعات في الكاميرون وغانا ونيجيريا، وتبحث في الحصول على صفقات في الكونغو.
• لدى روسيا خبرات تكنولوجيا الطاقة النووية لعدد من الدول الأفريقية، من بينها إنشاء أول مفاعل نووي في مصر العام القادم، بقرض قدره 25 مليار دولار.
اما فيما يخص العلاقات العسكرية الروسية:
تعد روسيا شريكا دفاعيا هاما في أفريقيا، وهي أكبر مورد للسلاح في المنطقة، لكن عالميا، لا تعد أفريقيا السوق الأكبر للسلاح الروسي، إذ تتفوق آسيا عليها.
وبين عامي 2014 و2018، بلغ حجم واردات روسيا من السلاح إلى أفريقيا (باستثناء مصر) 17% من إجمالي الواردات الروسية، بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي.
ويبقى التساؤل: هل التعاون الاقتصادي متوازن بين موسكو وافريقيا، أم ان موسكو تستخدم اساليبها الملتوية في محاولة لاستعادة النفوذ والهيمنة المفقودين على مستعمراتها السابقة في ثوب جديد، وتسارع للحصول على أقصى قدر من الأرباح واستغلال القارة”؟!.

وحدة الدراسات الاقتصادية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية