عدوى انتفاضة العراق تمتد إلى إيران

عدوى انتفاضة العراق تمتد إلى إيران

طهران – بذلت إيران ما في وسعها لتطويق انتفاضة العراقيين ضد النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية، ليس فقط للدفاع عن نفوذ وكلائها، ولكن لمنع الشارع الإيراني من استلهام نموذج هذه الانتفاضة الشعبية.

لكن العدوى سرعان ما امتدت لتشمل العديد من المدن الإيرانية بالتزامن مع قرار السلطات الزيادة في أسعار الوقود. وما يثير الاهتمام بأن المتظاهرين استلهموا النموذج العراقي واللبناني في حرق صور رموز الطبقة السياسية الفاسدة في البلدين، وعمدوا إلى حرق صور المرشد الأعلى علي خامنئي، وهتفوا ضده، كما أحرقوا مؤسسات حكومية، في رسالة واضحة الدلالة على أنهم يريدون تغيير النظام وليس مجرد إصلاحات جزئية أو تراجعا عن قرار الترفيع في أسعار الوقود.

وتحاول السلطات أن تنهي الاحتجاجات دون مواجهة أمنية حادة تخلف أعدادا مرتفعة من القتلى والجرحى ما يجعل التحكم فيها أمرا صعبا، خاصة أن النظام يعيش تحت وقع ضغوط خساراته الخارجية بسبب تهاوي النظام الطائفي في العراق، واهتزاز التوليفة الطائفية السياسية التي يتخفى وراءها حزب الله لإحكام قبضته على لبنان.

وقُتل مدني وأصيب عدد آخر بجروح في مدينة سيرجان الإيرانية، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الطلابية (إيسنا) شبه الرسمية، السبت، بعد يوم من اندلاع تظاهرات فيها ضد رفع أسعار البنزين.

ونقلت الوكالة عن حاكم مدينة سيرجان بالإنابة محمد محمود آبادي قوله “للأسف قتل شخص”، مضيفا أن سبب الوفاة لم يتضح بعد.

ويقول مراقبون إن السلطات الإيرانية لا تريد أن تفتح على نفسها واجهة جديدة في الداخل بعد صدمات مختلفة بالخارج، خاصة ما تعلق بتشديد العقوبات الأميركية على قطاع النفط، والمصارف في إيران، كردة فعل على استهداف أمن الملاحة، وهي رسالة قوية تضغط على طهران لمراجعة أدائها الإقليمي واستهانتها بمصالح دول الجوار والقوى الكبرى.

وأشار هؤلاء إلى أن خامنئي لم يعد بإمكانه أن يلجأ إلى نظرية المؤامرة باتهام الولايات المتحدة أو إسرائيل بتحريك المظاهرات، لأن هذه التهمة لم تعد تغري الشارع الإيراني، بمن في ذلك الذين كانوا يصفقون لشعاراته وفتاواه، مثلما جرى في العراق.

وفي احتجاجات نهاية 2017 وبداية 2018 اتهم علي خامنئي “أعداء” إيران بـ”التآمر ضدها”، وأن “الأعداء اتحدوا مستخدمين وسائلهم، المال والأسلحة والسياسة وأجهزة الأمن لإثارة مشكلات للنظام الإسلامي” الإيراني.

وبدأ الإعلام الرسمي نفسه يبحث عن مبررات واقعية للاحتجاجات من خلال ربطها بقرار الرفع في أسعار المحروقات، وليس بسبب “مؤامرة” إسرائيلية أو أميركية كما يردد خامنئي في إيران وحسن نصرالله في لبنان، وزعماء الميليشيات في العراق.

وخرجت تظاهرات في العديد من المدن الإيرانية، مساء الجمعة، غداة إعلان الحكومة المفاجئ عن زيادة كبيرة في أسعار الوقود في أوج أزمة اقتصادية.

وقدم التعديل على أنه إجراء ستوزع أرباحه على العائلات التي تواجه صعوبات، في بلد نفطي يفترض أن يواجه اقتصاده الذي تخنقه عقوبات أميركية، انكماشا نسبته 9 بالمئة.

وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، السبت، إن التظاهرات كانت “كبيرة” في مدينة سيرجان (وسط) حيث “هاجم أشخاص مستودعا للوقود في المدينة وحاولوا إحراقه”، لكن الشرطة تدخلت لمنعهم.

وأوضحت الوكالة أن احتجاجات “متفرقة” جرت في مدن بينها مشهد (شمال) وبيرجند (شرق) وبندر عباس (جنوب) وكذلك في غشسارات والأهواز وعبدان وخرمشهر وماهشهر (جنوب غرب).

ووفقا لوكالة فارس شبه الرسمية للأنباء، فقد احتج المئات من الأشخاص على ارتفاع الأسعار في مناطق مثل مدينة مشهد في شمال شرق البلاد وفي إقليم كرمان بجنوب شرق البلاد وفي إقليم خوزستان الغني بالنفط.

وأظهر مقطع فيديو نشر على الإنترنت، محتجين في الأحواز عاصمة خوزستان وهم يحثون السائقين على تعطيل حركة المرور وهتفوا قائلين “أيها الأحوازيون الشرفاء. أطفئوا محركاتكم”.

وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني حاول في ديسمبر 2018 زيادة أسعار الوقود لكن مجلس الشورى عرقل تبني القرار بينما كانت تهز البلاد تظاهرات غير مسبوقة نجمت عن فرض إجراءات تقشفية.

وبدأت إيران الجمعة تقنين توزيع البنزين ورفعت أسعاره بنسبة 50 بالمئة أو أكثر، في خطوة جديدة تهدف إلى خفض الدعم المكلف الذي تسبب بزيادة استهلاك الوقود وتفشي عمليات التهريب.

وازداد التهريب في وقت انخفض الريال مقابل الدولار منذ تخلّت واشنطن بشكل أحادي عن اتفاق 2015 النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع طهران وأعادت فرض عقوبات مشددة عليها العام الماضي.

وأوضح روحاني أنه لم يستجب لدعوات داخل الحكومة إلى زيادة سعر البنزين إلى مستويات تقارب الزيادة في دول أخرى في المنطقة، مؤكدا أن من شأن ذلك أن يزيد التضخم.

وأكد السياسي المحافظ أحمد توكلي عبر تويتر أن هذه الزيادة “ستنقل فقط عبء عدم كفاءة الحكومة إلى كاهل الشعب”.

واعتبر الإصلاحي مصطفى تاج زاده أن زيادة سعر البنزين تزامنا مع تنامي التضخم والبطالة والعقوبات هو خيار سيء.

ويقول مسؤولون ومحللون إن الضغوط الأميركية المتنامية التي تقترن بحالة من السخط الشعبي بين الكثير من الإيرانيين على الوضع الاقتصادي بدأت تهزّ النظام دون مؤشرات تذكر على أن قادتها يملكون أي حلول. كما أنها كشفت عن درجة عالية من الفساد الإداري المستشري في البلد.

العرب