انتفاضة العراق توسّع هوة الخلاف بين رئاستي الجمهورية والوزراء

انتفاضة العراق توسّع هوة الخلاف بين رئاستي الجمهورية والوزراء


بغداد – يتسع الخلاف بين الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، منذ خروجه إلى العلن على خلفية تعامل الحكومة مع الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد، حيث انتصر الأول للمتظاهرين.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات في العراق مطلع الشهر الماضي، اختار رئيس الجمهورية أن يقف على مسافة واضحة من الإجراءات الحكومية ضدها، حتى أنه حيّا المتظاهرين ودعاهم إلى الصمود.

وسرب صالح لوسائل الإعلام أجواء الغضب في مكتبه من تورط الحكومة في قتل المئات من المحتجين وجرح الآلاف، فضلا عن الملاحقات وعمليات الخطف والاعتقال التي طالت متظاهرين ونشطاء وصحافيين ووسائل إعلام.

وبلغ الخلاف ذروته عندما تلقى عبدالمهدي استفسارا من صالح، مطلع الشهر الجاري، عن أسباب الزيادة المقلقة في عدد الضحايا الذين يسقطون خلال عمليات تفريق المحتجين في بغداد والمحافظات، فيما كان رد رئيس الحكومة قاسيا، وفقا لمصادر تحدثت لـ”العرب”، إذ اتهم رئيس الجمهورية بأنه يتعامل باستعلاء مع السلطة التنفيذية برغم كونه جزءا منها، وفقا للدستور.

وفي هذه الرسالة، طلب صالح من عبدالمهدي “حقن دماء العراقيين والاستجابة إلى مطالب المتظاهرين والالتزام بالاتفاقات التي أبرمت خلال اجتماعاتهم الثنائية لحل الأزمة”، على حد تعبير المصادر، المطلعة على تطورات العلاقة بين الصديقين القديمين، اللذين تعود معرفتهما ببعض إلى أيام الشباب.

ويقول مستشار في رئاسة جمهورية العراق لـ”العرب”، إن “الرئيس برهم صالح دفع منذ بداية التظاهرات نحو الاستجابة لمطالبها سريعا، حتى إذا كانت تتضمن إقالة الحكومة أو حل البرلمان”، مضيفا أن “صالح لم يخف هذه الأفكار خلال لقاءاته بجميع أقطاب العملية السياسية خلال الأسابيع الماضية، بما في ذلك رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي”.

ويؤكد أن “الإيرانيين كانوا أشد من العراقيين رفضا لهذه الأفكار، إذ أن الثابت الوحيد لديهم الآن هو ضرورة استمرار عبدالمهدي في وظيفته”.

وبلغت الخلافات بين صالح وعبدالمهدي حدّ صمت الأخير على اتهام قيس الخزعلي زعيم حركة عصائب أهل الحق المشاركة في تشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية بتدبير مؤامرة خلال مرحلة التظاهرات للإطاحة بنظام الحكم بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل.

ورغم أن الخزعلي كرر اتهاماته عبر شاشات المحطات الفضائية العراقية لأحد الرؤساء الثلاثة، بالضلوع في المؤامرة المزعومة، قاصدا برهم صالح من خلال الإشارة إلى المدينة التي ينحدر منها دون تسميته شخصيا، إلا أن عبدالمهدي حافظ على صمته، ما كشف للمراقبين عمق الأزمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

ويستغرب مستشارو رئيس الجمهورية من تكريس الحكومة لنظرية المؤامرة الأميركية التي تحرك الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي شارك فيها الملايين من أبناء الشعب العراقي، برغم أن الولايات المتحدة تعيش أضعف مراحلها في العراق، بعد تقليص بعثتها الدبلوماسية إثر تهديد ميليشيات موالية لإيران مقر سفارتها، من خلال قصفها مرارا بصواريخ الكاتيوشا خلال الأشهر الماضية.

ووفقا لمعلومات موظفين في مكتب رئيس الوزراء العراقي فإن رئيس الجمهورية ضالع لا محالة في التنسيق مع الأميركيين للإطاحة بالحكومة من خلال دعم حركة الاحتجاجات.

وتجسدت الخلافات بين صالح وعبدالمهدي علنا مرة أخرى في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، إذ أرسل رئيس الوزراء قوة من الأمن الوطني الذي يشرف عليه رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، لإغلاق مكاتب إحدى المحطات الفضائية التي تغطي الاحتجاجات وتستضيف متظاهرين بشكل يومي. وما أن وصلت هذه القوة إلى مقر القناة، تدخل الحراس الشخصيون لرئيس الجمهورية ومنعوها من العبث بمحتويات المبنى.

وقال شهود عيان إن حراس صالح منعوا القوة التابعة للأمن الوطني من إتلاف أي مواد تابعة للمحطة أو اعتقال أي من موظفيها، لكنهم استسلموا في النهاية لقرار إغلاق المحطة، بسبب وجود أمر قضائي.

ويمثل استخدام برهم صالح لحراسه الشخصيين، وهم في الأغلب أكراد ينتمون إلى قوات البيشمركة، وينتشرون في منطقة الجادرية التي تضم قصر السلام، المقر الرسمي لرئيس الجمهورية، تحديا كبيرا لعبدالمهدي وداعميه الإيرانيين، الذين ورد أنهم يراقبون اجتماعات رئيس الجمهورية في مقر إقامته بطائرات مسيرة.

ويقول مراقبون إن القيود الكبيرة التي يفرضها الحرس الثوري الإيراني على تحركات كبار المسؤولين العراقيين في بغداد، ستحد بما لا يقبل الشك من قدرات رئيس الجمهورية على التأثير في المسار السياسي للمشهد العراقي، لكن جرأة صالح ربما تستند إلى تشجيع أميركي فعلي، فمن غير المعقول أن يتحدى مسؤول عراقي ما الرغبة الإيرانية، من دون أن يكون مدعوما من طرف قوي.

العرب