في أواخر كانون الأول/ديسمبر، قام مسؤولون أمريكيون بتزويد مجلس الأمن الدولي بالنتائج الأولية التي توصّلت إليها التحقيقات في هجمات 14 أيلول/سبتمبر على منشآت أرامكو السعودية في بقيق وخريص. ووفقاً لوكالة رويترز، تضمن التقرير صوراً لحطام الأسلحة المستخدمة في الهجوم، وكشف عن مكوّناتٍ مماثلة لتلك الموجودة في أنظمة الأسلحة الإيرانية المعروفة. وعلى وجه التحديد، محرّك وجيروسكوب عمودي يعودان لمركبة جوية بدون طيار مستخدمة في هجوم أرامكو – ومصنّفة في التقرير على أنها من نوع “آي آر أن-05” – ومتطابقة في ظاهرها بالمكونات التي تم انتشالها من طائرة “شاهد 123” بدون طيار الإيرانية الصنع الموجودة حالياً في “معرض المعدات الإيرانية” في “قاعدة أناكوستيا- بولينغ المشتركة”. وهذه هي المكونات نفسها الموجودة في المركبات الجوية الإيرانية بدون طيار التي تم استردادها في العراق وإسرائيل واليمن.
وتثير هذه النتائح تساؤلات عمّا صرّح به الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريس أمام مجلس الأمن مؤخراً. ففي 10 كانون الأول/ديسمبر، قال إن الأمم المتحدة “غير قادرة على التأكيد بشكل مستقل على أن الصواريخ الجوالة والمركبات الجوية بدون طيار المستخدمة في الهجمات [على منشآت أرامكو] إيرانية المصدر” – وهذا استناجٌ تم التوصل إليه بعد أن أرسلت الأمم المتحدة فريقاً من المحققين إلى السعودية للتدقيق في حطام الأسلحة. وفي حين أن التفاصيل الكاملة لتحقيق الأمم المتحدة ستبقى غير واضحة إلى حين صدور التقرير النهائي، إلا أن تقارير سابقة للأمم المتحدة قد وجدت أن إيران متواطئة في نشر المعدات العسكرية في المنطقة استناداً إلى بعضٍ المكونات نفسها التي تم استردادها من موقع الهجوم على منشآت آرامكو.
التحديات التي تواجه الحقيقة
من المعروف أن إيران تترك بصماتها حين تشن هجمات دون أن تتبناها أو حين تنقل الأسلحة وغيرها من العتاد بصورة غير شرعية إلى وكلائها في المنطقة. وبدءاً من شعار المصانع، ووصولاً إلى لوحة تاريخ الصنع أو الكتابة اليدوية الفارسية على المكونات الداخلية، تشكل هذه الخصائص التي يسهل التعرف عليها دلالات يمكن استخدامها لنسب التهم.
وعلى الرغم من أن الأدلة المعروفة تدعم ظاهرياً الادعاء بأن الأسلحة المستخدمة في هجوم أرامكو إيرانية المصدر، إلا أنه من الممكن أنّ يكون قد تم إعاقة تحقيقات الأمم المتحدة بعض الشئ من قبل فرق الاستكشاف الأمريكية، التي قامت في البداية بتمشيط مكان الهجوم وإزالة بعض حطام الأسلحة. وقد يؤدي ذلك إلى قيام الأمم المتحدة – التي تستوجب الحصول على أدلة شبه مؤكدة قبل توجيه أصابع الاتهام – إلى تجنب النتائج المثيرة للجدل من خلال التذرع بمعاييرها المنهجية المتمثلة في “الشفافية والتحقق”. وربما كان بيانها الصادر في الشهر الماضي متأثراً فعلاً بهذه الذهنية.
بغض النظر عن الظروف المحيطة بالتحقيق، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين بذل قصارى جهدهم لضمان انخراط الأمم المتحدة بالكامل ودون عراقيل في عملية الاستكشاف. فقد نجحت الأمم المتحدة، بالتعاون مع منظمات مستقلة معنية بجمع الاستخبارات التقنية الخاصة بالأسلحة، في إنتاج أفضل المعلومات المفتوحة المصدر حتى الآن عن عمليات النقل غير المشروعة للمعدات العسكرية الإيرانية. ولهذا فإن انخراطها لا يوفر فقط تدقيقات مهمة من طرف ثالث، بل سيقدّم في غالب الأحيان نتائج أساسية تدعم في النهاية التأكيدات الأمريكية.
المكونات المشتركة عبر الأنظمة الإيرانية
توفر المكونات الداخلية أفضل طريق يرشد إلى نقطة المصدر. فالعمل في ظل العقوبات الدولية لسنوات عديدة قد حدّ من نطاق مجموعة المكونات ذات الاستخدام المزدوج المتاحة لإيران. وتنعكس هذه القيود على منظومة المكونات الفريدة الموجودة في العتاد الذي تصنّعه إيران ويتم إرساله بواسطة وكلائها، وفقاً لما تكشفه العديد من التقارير العامة منذ عام 2016.
وتحتوي المركبات الجوية بدون طيار والأجهزة المتفجرة المرتجلة التي يتم التحكم فيها لاسلكياً التي تم الاستحصال عليها من المقاتلين في البحرين والحوثيين في اليمن، على العديد من المكونات المماثلة التي تشير إلى وجود مصدر تصنيع مشترك، شأنها شأن المركبات الجوية بدون طيار الإيرانية الصنع والمنتشلة من العراق وإسرائيل. وتتطابق معظم هذه المكونات أيضاً مع المعدات المستعادة من سفينة “جيهان 1” التي تم اعتراضها في كانون الثاني/يناير 2013 ووصلت الأمم المتحدة إلى نتيجة أن مصدرها إيران.
وعلى وجه التحديد، فإن الأجهزة المتفجرة المرتجلة التي يتم التحكم فيها لاسلكياً التي تم استردادها من البحرين واليمن تشارك العديد من خصائص التصميم والبناء المتطابقة، إلى جانب المكونات المتطابقة التالية:
· متحكمات دقيقة ومنظّمات جهد ومرحّلات كهربائية تحمل اسم علامة تجارية
· أنابيب انكماش حراري من نوع “ووير”
· صناديق توصيل من نوع “باهار”
· أسلاك كهربائية ذات خيوط وردية اللون
وفيما يخص الطائرات بدون طيار من طراز “قاصف 1” التي تم استعادتها في اليمن، فقد ادّعى الحوثيون أنهم صنعوها محلياً، ولكنها تكاد تكون متطابقة في تصميمها للطائرات بدون طيار الإيرانية الصنع “أبابيل- تي” وتشاركها المكونات التالية نفسها:
· أنابيب انكماش حراري من نوع “ووير”
· صناديق توصيل من نوع “باهار”
· أسلاك كهربائية ذات خيوط وردية اللون
· محرّكات مؤازرة من نوع “هايتك”
· جيروسكوبات عمودية “في-10”
يشار إلى أن الجيروسكوبات نفسها لوحظت في الطائرة بدون طيار الإيرانية الصنع “أبابيل 3” والتي تحطّمت في العراق، وأيضاً في طائرة “آي آر أن-05” بدون طيار التي استُخدمت في هجمات أرامكو. وكذلك الأمر بالنسبة لطائرة “صاعقة” المتخفية الإيرانية الصنع التي أُسقطت فوق الأراضي الإسرائيلية وكانت تحتوي على محركات مؤازرة من نوع “هايتك” وأسلاك كهربائية ذات خيوط وردية اللون ودافع خشبي يتبع رقمه التسلسلي النمط نفسه الملحوظ في طائرة “آي آر أن-05”.
وتحمل مجموعة المكونات المشتركة هذه دلالةً قوية على أنها صُنعت في موقع مركزي أو في مواقع منفصلة لها سلسلة إمداد مشتركة. كما أن وجود ملصقات مراقبة الجودة على العديد من الأجهزة المتفجرة المرتجلة التي يتم التحكم فيها لاسلكياً يشير إلى أنها صُنعت من قبل دولة تملك قاعدة صناعية وليس من قبل مجموعة غير حكومية. وتشير محاولات إزالة الإشارات المحددة على العديد من المكونات إلى الرغبة في منع تعقب مصدرها وإسنادها إلى الفاعلين.
الخاتمة
على الرغم من أن الولايات المتحدة قد حسّنت آليتها لتقديم الأدلة منذ إنشاء “معرض المعدات الإيرانية” في عام 2017، إلا أنه من الضروري على واشنطن وحلفائها الإقليميين بذل المزيد من الجهود. ويجب أن يكون إشراك الأمم المتحدة في عملية الاستكشاف هو التدبير الاعتيادي في معظم الحالات، وهو الأمر بالنسبة للمنظمات المستقلة المعنية بالاستخبارات التقنية للأسلحة والتي لا تتقيّد بهيكلية التقرير نصف السنوية للأمم المتحدة أو بسياساتها. وثمة خطوات إيجابية أخرى في هذا الإطار وهي توسيع “معرض المعدات الإيرانية” وإنشاء “مكتبة للمكونات” مفتوحة المصدر وزيادة الموارد المتوفرة لهيئات خبراء الأمم المتحدة المسؤولة عن إجراء هذه التحقيقات، بالإضافة إلى تدريب محققي الأمم المتحدة على إجراءات الاستكشاف السليمة.
ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً تشجيع حلفائها الإقليميين على اعتماد استخبارات الأسلحة التقنية ومشاركتها. وفي عام 2015، برّر التحالف الذي قادته السعودية جزئياً، تدخّله في اليمن على أساس مزاعم أولية غير مثبتة عن تزويد الحوثيين بمعدات إيرانية. واستغرق الأمر ما يقرب من عامين من العمل من قبل الأمم المتحدة والمنظمات المستقلة المعنية بجمع الاستخبارات التقنية الخاصة بالأسلحة، لجمع الأدلة من البحرين وإسرائيل والسعودية والإمارات واليمن قبل التثبت من وجود أي صحة لتلك الادعاءات.
وسيتطلب تسريع هذه العملية مشاركة استباقية وهادفة للمعلومات. وإذا تمت مشاركة المعلومات في الوقت المناسب وأُجريت التدقيقات بشكل مستقل وعلى النحو السليم، قد تكون هذه الخطوات علاجاً قوياً لغياب الثقة الذي غالباً ما يترافق مع الاتهامات الموجّهة من الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين.
معهد واشنطن