حسب شبكة «سي إن إن» فقد أوقف المحققون الفدراليون شاحنة محملة بالأسلحة والمتفجرات على بعد مربعين سكنيين من الكابيتول (موقع الكونغرس) قبيل اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمكان، وتبين للمحققين أن الشاحنة الصغيرة التي كان يقودها رجل من ولاية ألاباما محملة بإحدى عشرة قنبلة ومسدسات وبنادق هجومية، ومئات طلقات الذخيرة الحية، وأن السائق كان قد أخبر معارفه بأنه ينوي اغتيال رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أو دهسها.
الوقت المتبقي للرئيس ترامب (قرابة 9 أيام) لا يكفي، على ما يبدو، لبدء إجراءات عزله، وليس من المتوقع من نائبه مايك بنس، أو أعضاء حكومته، أن يقوموا بتفعيل البند 25 في الدستور الذي يسمح بالإطاحة به قبل نهاية ولايته، كما أن مطالب البعض الآخر له بالاستقالة، بمن فيهم نائب من حزبه الجمهوري، لن تزيد الرجل الذي خبر العالم نرجسيته الفظيعة، إلا عنادا، بل إن آخر الأنباء تقول إنه نادم على تصريحه، الذي نصحه به مستشاروه على ما يظهر، لنقل السلطة سلميا.
كل هذا يعني أن ترامب لا يعي أبعاد الجريمة السياسية التي ارتكبها بتحريض أنصاره على اقتحام الكونغرس، أو أنه، وهو الذي يتمتع بأعلى قدرات الذكاء، كما صرّح هو نفسه، يعرف فعلا ما أقدم عليه، وقد يلجأ إلى إصدار قرار بالعفو عن نفسه، كما فعل مع والد صهره جاريد كوشنر، المدان بقضايا فساد، وبعض مستشاريه ومقربيه المحكومين، وكذلك بعض المجرمين الآخرين. ولابد أن أطرافا ضمن هرم القيادة السياسية والعسكرية والأمنية الأمريكية تتحسّب من أشكال أخرى من الجنون التي يمكن أن يقدم ترامب عليها، وهو أحد أسباب طلب بيلوسي، زعيمة مجلس النواب، لقيادة الجيش، منعه من الوصول إلى السلاح النووي، وكذلك ما ذكرناه سابقا عن إصدار الجيش الأمريكي مذكرة سرية حمراء تتحسب لاشتباكات مسلحة يقوم ترامب بتحريض منفذيها للقيام بتمرد داخل العاصمة واشنطن.
وسواء تمكن النواب من البدء بإجراءات محاكمة ترامب أم لم يستطيعوا، فإن الخناق يضيق على الرئيس، ولعلّ أكبر أشكال ذلك هو الحصار الذي فرضته عليه شركات وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى، كتويتر وفيسبوك وغوغل وأبل، عبر إغلاق حساباته الشخصية.
لقد ساهم ترامب في إطلاق وحوش العنصرية والتطرّف والتضليل وأصبح رمزها الأكبر، ولنتخيل أي كابوس كبير كان سيحيق بأمريكا والعالم لو أن ترامب فاز مجددا بالرئاسة، مما كان سيعطيه أربع سنوات أخرى من تمكين السلطوية، وتعزيز الاتجاهات اليمينية المتطرفة ليس في أمريكا فحسب، بل في العالم أجمع، فترامب أصبح رمزا للحركات القومية العنصرية اليمينية المتطرفة، ونظائره، سواء الذين جاؤوا للحكم عبر النظم الديمقراطية أو «شبه الديمقراطية» كما في الهند والبرازيل وإسرائيل وهنغاريا، أو أشباهه الذين يطمح إلى أن يكون مثلهم، مثل فلاديمير بوتين في روسيا، وكيم جونغ أون، في كوريا الشمالية، وعبد الفتاح السيسي، في مصر.
لقد تلقى هذا الاتجاه السياسي ضربة كبيرة بخسارة ترامب للانتخابات، لكنّ الترامبية ونظائرها ستستمر، كما سيستمر النضال ضدها، بأشكال مختلفة.
القدس العربي