قد تكون السياسة الأميركية في وضع مأساوي، لكن القطاع المالي الأميركي في حالة ممتازة. وجاء الترافق بين اقتحام الكونغرس وتسجيل الأسواق المالية الأميركية مستويات مرتفعة جديدة، دليلاً واضحاً على أن الثروات لا تزال تدعم الأعمال في أميركا بغض النظر عما يحصل في السياسة.
والواقع أن التدفق المالي الذي استهدف الأسواق ورفع إيلون ماسك، مؤسس “تيسلا”، إلى مرتبة أغنى رجل في البلاد، يمثل تصويتاً بالثقة في اقتصادها. إذاً، هل تستمر موجة الازدهار في ظل رئيسها الجديد جو بايدن؟
في الأجل القريب ربما تكون الإجابة بنعم. وثمة سببان محددان لذلك. أولهما، من كون السياسة المالية العامة أكثر تراخياً. فالآن، بعدما فاز الديمقراطيون بأغلبية في مجلسي الكونغرس، سيكون من الأسهل على الإدارة الجديدة أن تحصل على مزيد من الحوافز المالية العامة. وقد مرّروا للتو حزمة دعم بـ935 مليار دولار أميركي، ويبدو أن ألفاً و400 مليار دولار أخرى على الأقل ستأتي. ويشكل ذلك مبلغاً كبيراً، حتى في ضوء تقدير حجم اقتصاد الولايات المتحدة بـ22 تريليون دولار.
وفي الأجل القريب أيضاً، سيكون هناك مزيد من الدعم النقدي. وسيُبقي “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” صنابير المال مفتوحة. لكن، كم من الوقت سيدوم ذلك؟ حسناً، “بعض الوقت”، وفق تعليق أحد أعضاء المجلس، رئيسة “مصرف الاحتياطي الفيدرالي” في كليفلاند، لوريتا ميستر. وكذلك ذكر الشيء نفسه نظيرها في “مصرف الاحتياطي الفيدرالي” بشيكاغو، تشارلز إيفانز. لا بد من أن تكون السياسة “متساهلة إلى بعض الوقت”.
وثمة رسالة واضحة ومتعمدة. لن يشدد “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” السياسة النقدية في أي وقت قريب، وربما يفعل في وقت أبعد كثيراً بالمقارنة بما فعل في الدورات السابقة. وكنا ندرك جميعاً أن طباعة الدولار ستستمر في الأجل القريب. والآن نقترب من توقع استمرار هذا الأجل القريب مدة سنتين. وثمة عنصر ثالث واضح لا يتعلق حقاً بسياسة إدارة البيت الأبيض الجديدة في حد ذاتها، بل بتوقيت الانتعاش. إذ يبدو كأن الولايات المتحدة ستكون في مقدمة البلدان في طرح اللقاحات، خلف إسرائيل بطبيعة الحال وربما خلف المملكة المتحدة، لكن قبل أوروبا.
لذا، سيتضح طريق العودة إلى الوضع الطبيعي، أياً كان، مع حلول عيد الفصح. وفي العادة، تتطلع الأسواق إلى ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر مقبلة. ويُعَد اقتصاد الولايات المتحدة ضخماً، ويخرج الآن من الفوضى في حالة جيدة إلى حد كبير.
إذاً، ما الذي قد يسير في منحى خاطئ في ظل إدارة بايدن؟ ثمة ثلاث غيوم على الأقل تلوح في الأفق.
الأولى، في الدولار. لقد برز توقع واسع النطاق بأن تهبط قيمته هذا العام. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أفاد تقرير من “سيتي بنك” بأنه قد يتراجع بنسبة تصل إلى 20 في المئة. وفي الآونة الأخيرة، برز شيء من إعادة النظر [بشأن ذلك التوقع] على ما يبدو. ومثلاً، صدر عن “المنتدى الرسمي للمؤسسات النقدية والمالية” تحذير يسير بالضد من ذلك.
ولا تنجح الأسواق إلا عندما تتوافر مجموعة متنوعة من وجهات النظر، لكن من الجدير بالملاحظة أن الدولار يتجه نحو الارتفاع في مؤشره الموزون تجارياً منذ 2012، وإن هذه السوق صاعدة في الأجل البعيد. وفي حين لم تصل قيمته إلى مستوى مبالغ به بعد، فإنها ستتراجع في مرحلة ما. وعلى الرغم من أن التراجع من شأنه إعطاء دفعة قوية إلى الاقتصاد، فإن من شأنه أيضاً أن يزيد أسعار الواردات وبالتالي التضخم. وقد يتسامح “مجلس الاحتياطي الفيدرالي” مع ارتفاع معدلات التضخم لبعض الوقت، لكن ليس من المؤكد لي أن تتحمل الأسواق ذلك.
وتتجسّد الغيمة الثانية، في وضع الشركات العملاقة لقطاع التكنولوجيا الفائقة. ببساطة، يعني، وجود توترات لا مفر منها بين تقييماتها الشديدة الارتفاع والتهديدات التي تواجهها بسبب قوتها الاحتكارية. ومن بين المسائل المبكرة التي يتعين على إدارة بايدن أن تواجهها الآن، تبرز الخطوة التي يتعين عليها [إدارة بايدن] اتخاذها بشأن هذا القطاع.
هل من مصلحتها الإستراتيجية دعم الشركات العملاقة، لأنها مجال تتمتع فيه الولايات المتحدة بميزة أساسية على منافستها الصين؟ هل ينبغي للاعتبارات المحلية، كحماية المستهلك، أن تحل محل تلك الخارجية؟
إضافة إلى ذلك، ستُغيّر التقييمات العبثية الحالية بشأن شركات التكنولوجيا الفائقة، بما في ذلك “تيسلا”، اتجاهها بنفسها في مرحلة ما. لكن من المؤسف أننا لا نستطيع أن نعرف متى [يحدث ذلك].
ثالثاً، ثمة مخاوف أقل وضوحاً في شأن الشركات الصغيرة في الولايات المتحدة، لاسيما ما يتصل منها بالتنظيم [القانوني]. إذ تستطيع تلك (الشركات) الكبرى أن تتكيف، لأنها تقدر أن توظف أشخاصاً كي يُبحِروا بها بعيداً عن ذلك التنظيم. والواقع أن هذا يعطي الشركات الكبرى ميزة تنافسية على الشركات الصغيرة، التي تفتقر إلى تلك الموارد. وكذلك تطلق إدارة الشركات الصغيرة التابعة لحكومة الولايات المتحدة المرحلة التالية من “برنامج حماية الرواتب” بدءا من الأسبوع الحالي، ولا بأس في ذلك.
في المقابل، تشعر الشركات بقلق لأن بعض التحرير (التنظيمي) الذي جاءت به إدارة ترمب قد يجري إبطاله. وليس للبريطانيين أن ينحازوا إلى أي من الجانبين في شأن هذه المسألة. ببساطة، يتمثّل الشيء الأهم في أن متاجر البيع بالتجزئة مهمة، وإذا شَعَرَتْ بقلق فلا بد من الإصغاء إلى هذه المخاوف.
لا شك في أن هذا، لم يكن الإرث الاقتصادي الذي توقعه بايدن أو كان ليرحب به. لكنه سيصل إلى البيت الأبيض على خلفية الازدهار الذي تشهده الأسواق المالية. ويحمل ذلك كثيراً من الآمال في الأشهر المقبلة.
هاميش ماكراي
اندبندت عربي