رأى متابعون للشأن الاقتصادي العالمي، أنه بعد عام واحد من توقيع اتفاق “المرحلة الأولى” التجارية مع الولايات المتحدة، لا تزال الصين متأخرة جداً في التزامها بشراء المزيد من السلع الأميركية، على الرغم من أن الاتفاقية التجارية كانت بمثابة دافع حيوي في علاقة ثنائية سريعة التدهور.
وكان أكبر اقتصادين في العالم وقّعا على الاتفاقية في 15 يناير (كانون الثاني) 2020، ودعوَا فعلياً إلى وقف الحرب التجارية المشتعلة بينهما والتي شهدت فرض رسوم جمركية على منتجات بقيمة مليارات الدولارات.
وافقت واشنطن، بموجب الاتفاقية، على خفض بعض التعريفات مقابل التزام بكين بشراء ما لا يقل عن 200 مليار دولار من السلع والخدمات الأميركية على مدى سنتين مقارنة بمستويات عام 2017. وتضمنت أيضاً، أحكاماً لوقف سرقة الملكية الفكرية في الصين وعمليات النقل القسري للتكنولوجيا، فضلاً عن تعزيز وصول شركات الخدمات المالية الأميركية إلى السوق المحلية فيها.
لكن، بعد مرور عام، انقسمت الآراء حول نجاحها، حيث أخفقت بكين في تحقيق أهدافها الشرائية، وتزايد العجز التجاري للولايات المتحدة، مع نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقال نيك مارو، رئيس التجارة العالمية في وحدة إيكونوميست إنتليجنس يونيت (EIU)، لصحيفة “وول ستريت جورنال”، إن “القراءة المتفائلة ستكون أن الصفقة ترسي الأساس للمشاركة المستقبلية في قضايا الاقتصاد والتجارة، وهو أمر إيجابي في المخطط الكبير”. وأضاف أن “حمل الجانبين على استئناف الحديث مع بعضهما بعضاً، بخاصة الآن عندما بلغ انعدام الثقة المتبادل أعلى مستوياته على الإطلاق، سيكون خطوة مهمة على مسار إعادة توجيه العلاقة بأكملها”. مع ذلك، فشل الاتفاق في العديد من الإجراءات الملموسة. كما تبين أن ادعاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه ستكون هناك “قابلية تنفيذ كاملة” للتعهدات هو ادعاء أجوف.
في أول 11 شهراً من العام الماضي، وصلت مشتريات الصين من المنتجات المدرجة في الصفقة إلى 58 في المئة فقط من أهدافها بحسب بيانات مكتب الإحصاء الأميركي، أو 56 في المئة بحسب بيانات الجمارك الصينية، وفقاً لتقرير حديث صادر عن معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
أداء أفضل للصين في المنتجات الزراعية
كان أداء بكين أفضل في ما يتعلق بواردات المنتجات الزراعية، لكنه لا يزال أقل من الالتزامات، حيث اشترت 76 أو 62 في المئة من أهداف العام حتى الآن، باستخدام الإحصاءات الأميركية أو الصينية على التوالي. وكانت واردات منتجات الطاقة منخفضة بشكل خاص، إذ وصلت فقط إلى 35 في المئة من الهدف حتى الآن. وقال شي ين هونغ، مستشار مجلس الدولة والأستاذ في جامعة رينمين الصينية “بصراحة، أنا مستاء قليلاً من تطبيق الحكومة الصينية”، لكنه أضاف أن “الصين ببساطة لا تحتاج إلى الكثير من فول الصويا والحبوب والذرة من الولايات المتحدة، لكنها تحاول جاهدة للوفاء بالتزامها من أجل العلاقات بين البلدين بشكل عام”.
وقال شياو بينغ تشانغ، المدير الإقليمي للصين الكبرى في مجلس تصدير فول الصويا الأميركي، إن صفقة المرحلة الأولى كانت “بالتأكيد ناجحة” لكلا البلدين، إذ طُبّعت تجارة فول الصويا بموجب الاتفاقية.
لكن جيك باركر، النائب الأول لرئيس مجلس الأعمال الأميركي – الصيني، قال إنه “في حين أن الصفقة حققت تقدماً مهماً بشأن الحواجز التجارية القائمة منذ فترة طويلة، إلا أنها جاءت بتكلفة باهظة”. وأوضح أن “تصعيد الرسوم الجمركية على كلا الجانبين كلّف الوظائف الأميركية، وزاد الأسعار على المستهلكين، وألحق الضرر بالشركات”. وطالب باركر دافعي الضرائب بإنقاذ المزارعين، مع بذل القليل من الجهد لتصحيح الاختلالات التجارية التي كان يُفترض معالجتها.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب انتقد العجز التجاري الأميركي مع بكين قبل وبعد توليه منصبه، لكن تضييقه بقي صعباً، حتى مع تسريع الصين عملية شراء سلع أميركية مهمة سياسياً مثل فول الصويا ولحم الخنزير والذرة.
وأظهرت بيانات الجمارك الصينية أن الفائض ارتفع بنسبة 7.1 في المئة إلى 316.9 مليار دولار في عام 2020، وهي ثاني أكبر فجوة على الإطلاق، وقفز بنسبة 14.9 في المئة عن الفائض البالغ 275.8 مليار دولار في عام 2017، عندما تولى ترمب منصبه.
وسجلت الصادرات الصينية نمواً أكبر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، للشهر السابع على التوالي، مع استمرار المصانع في الاستفادة من عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا في الغرب. ونمت بنسبة 18.1 في المئة في الشهر الأخير من عام 2020 مقارنة بالعام السابق، منخفضة بشكل طفيف من زيادة بنسبة 21.1 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني).
وقال نسيم فوسيل، المستشار التجاري الجمهوري السابق في اللجنة المالية في مجلس الشيوخ الأميركي، إنه “على الرغم من أن الميزان التجاري كان أمراً ركّز عليه ترمب وحكومته، إلا أن كلا الجانبين في الكونغرس كانا أكثر اهتماماً بقضايا النقل القسري للتكنولوجيا وحماية الملكية الفكرية والإعانات المالية لمشاريع مملوكة من الدولة”.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت “إدارة الدولة الصينية لتنظيم السوق” مسودة قواعد قد تزيد حماية حاملي الأسرار التجارية، تشمل الأجانب. كما فتحت الصين سوقها المالي البالغة قيمته 45 تريليون دولار أميركي أمام المستثمرين الأجانب في يونيو (حزيران) الماضي، حيث أصدر البنك المركزي ترخيصاً لشركة “أميركان إكسبريس” لتصفية المعاملات في البلاد، الأمر الذي لم يتم مطلقاً لأي مؤسسة أجنبية من قبل.
وقال نيك مارو رئيس التجارة العالمية في وحدة “إيكونوميست إنتليجنس يونيت”، إنه “بالنسبة إلى الشركات العاملة في الدولة الصينية التي تأمل في إحداث تغيير هيكلي كبير في بيئة الأعمال المحلية، مثل تحسين الوصول إلى أسواق المنتجات التقنية، أو تقليل الدعم الحكومي لقطاع الدولة، فإن الصفقة لم تغير المشهد بشكل كبير”.
في مقابلة حديثة مع صحيفة “وول ستريت جورنال”، قال الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر، إن الحرب التجارية “غيّرت طريقة تفكير الناس بشأن بكين والتجارة”.