في اليوم الأخير من الأسبوع الأول من فبراير (شباط) 2021، أعلنت شركة الطاقة الفرنسية “توتال” عن صفقة جديدة لمشروعات إنتاج الطاقة الشمسية وتخزينها في بطاريات في ولاية تكساس الأميركية. وحمل الإعلان في نهاية أسبوع أنباء متباينة لشركات الطاقة الكبرى في العالم.
فقد شهد الأسبوع الأخير ارتفاع أسعار النفط ليقترب سعر خام برنت القياسي من ستين دولاراً للبرميل، ويزيد سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) على خمسة وخمسين دولاراً للبرميل. تزامن ذلك مع أسبوع إعلان شركات الطاقة الكبرى في العالم بياناتها المالية للربع الأخير من العام الماضي، بالتالي أداء تلك الشركات خلال عام الوباء 2020. وجاءت النتائج المالية للشركات الأربع الكبرى التي أفصحت عن بياناتها حتى الآن “شيفرون تكساكو” و”إكسون موبيل” و”شل” و”بي بي” بخسائر تزيد على 65 مليار دولار، بينما ستعلن شركتا “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية بياناتهما المالية في غضون أيام.
تباينت الخسائر على حسب حجم أعمال الشركات وما اضطرت إلى شطبه من أصولها في مجال النفط والغاز خلال العام الماضي، وتضمنت الإفصاحات المالية خلال الأسبوع خسائر “إكسون” بنحو 22 مليار دولار، إلى خسائر “شيفرون” بنحو 5.5 مليار دولار، بينما كانت خسائر “بي بي” 18 مليار دولار و”شل” 20 مليار دولار. وذلك على الرغم من أن “بي بي” و”شل” أعلنتا خلال العام الماضي عن مشروعات للطاقة من مصادر متجددة قليلة الانبعاثات الكربونية، بينما تظل “شيفرون” و”إكسون” الأقل من بين شركات الطاقة الكبرى في العالم تبنياً لهذا المنحى حتى الآن.
نتائج متوقعة
لم تكن نتائج شركات الطاقة الكبرى مفاجئة، حتى وإن اختلفت قليلاً عن تقديرات السوق لتراجع العائدات والأرباح لكل شركة، فقد تعرض القطاع خلال أزمة وباء كوفيد-19 العام الماضي، لتضافر عوامل سلبية من انخفاض أسعار النفط والغاز إلى تراجع الطلب نتيجة توقف السفر وقطاعات الاقتصاد الأخرى، بسبب الإغلاقات المتتالية للحد من انتشار فيروس كورونا.
واضطرت شركات الطاقة الكبرى إلى شطب أصول بالمليارات، وإلغاء مخصصات استثمار بالمليارات والإعلان عن تسريح عشرات آلاف العاملين فيها. وزادت التوقعات بأن تتخلف بعض الشركات عن سداد مستحقات الديون التي حان أجلها وتحويل سندات الدين إلى استثمارات، لتفادي مزيد من الضغط السلبي على كشوفها المالية.
وفي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت “ستاندرد أند بورز”، أكبر مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية، عن تعديل التصنيف الائتماني لنحو 13 شركة من كبريات شركات الطاقة في العالم بشكل سلبي. وتضمنت القائمة إلى جانب “شيفرون” و”إكسون” و”بي بي” شركتي الطاقة الصينيتين “سي إن بي سي” و”سينوك”.
وفي تقريرها في 26 يناير 2021 أشارت “ستاندرد أند بورز” إلى “عدم يقين وتحديات كبيرة” تواجه عملية التحول التي ستمر بها شركات الطاقة الكبرى في العالم “نتيجة نمو مصادر الطاقة المتجددة والضغط النولي على الربحية”. وأضاف التقرير “يعكس التغيير في تقييمنا للمخاطر على شركات النفط والغاز تقديرنا لتلك العوامل التي تمثل تهديداً للتصنيف الائتماني لها”.
وأشار التقرير إلى تراكم الأصول غير المستغلة نتيجة إلغاء الشركات نحو ثلث استماراتها المخططة في مجال استكشاف وإنتاج النفط والغاز، إضافة إلى رصيد من الاحتياطي غير المستغل لدى أكبر 9 شركات في القطاع يصل إلى 28 مليار برميل.
مصادر متجددة
أهم ما يواجه شركات الطاقة الكبرى الآن، هو التحول من النفط والغاز إلى مصادر الطاقة المتجددة، كإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية أو مصادر مستدامة مثل الشمس والرياح ومساقط المياه وغيرها. وحسب شركات الاستشارات المختصة في مجال الطاقة، تعد شركة “توتال” الفرنسية رائدة هذا التحول حتى الآن. وعلى الرغم من أن بعض الشركات الكبرى أعلنت عن خطط لتقليل نشاطها في مجال النفط والغاز وزيادة الاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة، إلا أن “توتال” ربما كانت الأكثر قرباً من تحقيق مستهدفها في هذا السياق.
يوم الجمعة أعلنت شركة “توتال” عن شراء مشروع للطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية 2.2 غيغاوات، وبطاريات تخزين بسعة 600 ميغاوات في ولاية تكساس الأميركية من شركة “صن تشيز باور” وصندوق الاستثمار في الطاقة “ماب”.
كانت “توتال” وقعت الشهر الماضي اتفاقية شراكة مع “باور غلوبال” لتطوير مشروعات إنتاج وتخزين الكهرباء من مصادر متجددة في الولايات المتحدة بسعة 1.6 غيغاوات. وبالصفقة الأخيرة في تكساس تصبح سعة مشروعات “توتال” في الولايات المتحدة لإنتاج الكهرباء من مصادر طاقة متجددة عند 4 غيغاوات.
وتستهدف “توتال” إنتاج 35 غيغاوات من مصادر طاقة متجددة بحلول العام 2025، ضمن إستراتيجية الشركة لأن تصبح مشروعاتها الإنتاجية للطاقة خالية من الانبعاثات الكربونية، أي من مصادر غير النفط والغاز، بحلول العام 2050.
لكن هذا التحول من النفط والغاز إلى مصادر الطاقة النظيفة يحتاج إلى استثمارات هائلة، ربما لا يسمح الوضع المالي للشركات الكبرى حالياً بتوفيرها بإصدار سندات دين في ظل خسائرها في عام الوباء وضغط انخفاض الطلب على النفط والغاز.
سياسات الحكومات
ربما لا تتوفر لدى الشركات الكبرى السيولة المطلوبة للتحول إلى إنتاج الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الكربون إلى صفر. لكن سياسات الحكومات في الاقتصادات الكبرى تتجه إلى ضخ الدعم لتشجيع ما يسمى “الاقتصاد الأخضر” كقاطرة للانتعاش الاقتصادي والتعافي من أزمة وباء كورونا. ففي الولايات المتحدة تعهدت إدارة الرئيس جو بايدن باستثمار ما بين 2 إلى 3 تريليونات دولار في الاقتصاد الأخضر.
ويمكن لشركات الطاقة الكبرى الاستفادة من سياسات الحكومات البيئية تلك وخطط مكافحة التغير المناخي، لزيادة استثماراتها في إنتاج الكهرباء من مصادر طاقة نظيفة غير النفط والغاز. فمع إعلان كثير من الدول خططها لوقف إنتاج وسائل النقل التي تعمل بالوقود لمصلحة المركبات الكهربائية، سيكون على شركات الطاقة الكبرى الاستثمار أكثر في إنتاج الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد من وسائل النقل الجديدة.
وقد بدأت بعض الشركات التخطيط لتوفير محطات تزود بالكهرباء في محطات الوقود التابعة لها. لكن هذا التحول يحتاج إلى استثمارات بنحو تريليون دولار على مدى عقدين من الزمن، حتى يصبح إنتاج الكهرباء في العالم في أغلبه من مصادر منعدمة الانبعاثات الكربونية.
وفي أحدث إشارة إلى هذا التحول، أعلنت الدنمارك، الخميس، الموافقة على إقامة “جزيرة الطاقة” في بحر الشمال لإنتاج وتخزين طاقة نظيفة تكفي احتياجات 3 ملايين منزل من الكهرباء. وستعتمد في الأساس على توربينات توليد الكهرباء من الرياح وباستثمارات تصل إلى نحو 34 مليار دولار (210 مليار كراون دنماركي).
وكشف الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي عن خططه لتحويل معظم إنتاج الكهرباء إلى مصادر طاقة متجددة في غضون 10 سنوات. على أن يزيد إنتاج الكهرباء من مصادر بحرية بنحو 25 ضعفاً بحلول العام 2050.
ويتوقع المحللون والاستشاريون في قطاع الطاقة، أن يكون هذا العام الاختبار الحقيقي لقدرة شركات الطاقة الكبرى في العالم على التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، وخفض إنتاجها من المصادر ذات الانبعاثات الكربونية. ويظل التحدي الأكبر هو قدرة تلك الشركات على إعادة الهيكلة للاستفادة من سياسات الحكومات وبرامجها في هذا التحول.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي